مقالات

المكارثية الجديدة: حين تصبح مناصرة فلسطين تهمة

31/03/2025, 16:44:19

في الخمسينات من القرن الماضي، عاش الأمريكيون في ظل حملة قمع سياسي شرسة عُرفت باسم "المكارثية"، حيث طاردت السلطات كل من اشتُبه في تعاطفه مع الشيوعية، وزُجّ بالكثيرين في السجون، أو فقدوا وظائفهم لمجرد آرائهم السياسية.

واليوم، بعد أكثر من سبعين عامًا، يبدو أن أمريكا تعيد إنتاج هذا المشهد المظلم، لكن هذه المرّة باسم "معاداة السامية"، و"مكافحة الإرهاب"، وأصبح الدّعم العلني للقضية الفلسطينية تُهمة تستوجب الملاحقة.

- استهداف الطلاب والنشطاء: قمع متزايد

شهدت الجامعات الأمريكية موجة غير مسبوقة من القمع ضد الطلاب والنشطاء، الذين يجهرون بدعمهم لفلسطين.

آخر هذه الحوادث وقعت في ولاية ماساتشوستس، حيث قامت قوات الهجرة الأمريكية بتوقيف طالبة دكتوراة تُركية، بينما كانت في طريقها إلى مأدبة إفطار مع أصدقائها.

ستة ضباط بملابس مدنية، بعضهم ملثم، اعترضوا طريقها وقيّدوا يديها خلف ظهرها، في مشهد أقرب إلى اعتقال مجرم خطير، وليس مجرد طالبة جامعية.

المفارقة أن السلطات الأمريكية لم تقدّم دليلًا واضحًا على أي نشاط إجرامي، واكتفت ببيان مقتضب من وزارة الأمن الداخلي يزعم أن التحقيقات "خلصت إلى أنها متورِّطة في أنشطة لدعم حماس".

وكأنّ مجرد التعاطف مع القضية الفلسطينية بات يُفسَّر تلقائيًا على أنه معادة للسامية ودعم "لمنظمة إرهابية"، دون الحاجة إلى أي أدلة أو إجراءات قانونية عادلة.

- قوانين مكافحة "معاداة السامية": وسيلة للقمع

لم يكن استهداف الطالبة التركية حدثًا معزولًا، بل جزءًا من سياسة قمعية تتزايد حدتها في أمريكا. خلال الأشهر الأخيرة، تعرّضت العديد من المجموعات الطلابية الداعمة لفلسطين إلى حلّ إداري، أو منع فعالياتها داخل الجامعات، بحُجة أنها تُروّج "لخطاب الكراهية"، أو تتجاوز "الخطوط الحمراء"، التي رسمتها إدارة المؤسسات الأكاديمية.

السلطات الأمريكية تستغل قوانين "مكافحة الإرهاب" وقوانين "معاداة السامية" لقمع حرية التعبير، حيث أصبح أي تعبير عن التضامن مع غزة أو انتقاد الاحتلال الإسرائيلي عرضةً للتأويل العدائي. ولم يُعد غريبًا أن يُستدعى طلاب جامعيون إلى مكاتب التحقيق الفيدرالي لمجرد منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل.

- ترامب ومناخ الكراهية الجديد

في عهد دونالد ترامب، تصاعدت نبرة العداء لكل ما هو مختلف أو معارض للتيار المحافظ، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
ترامب نفسه لم يُخفِ انحيازه المطلق لإسرائيل، وفرض خلال رئاسته سياسات قمعية غير مسبوقة ضد المؤسسات والجمعيات التي تتبنَّى خطابًا مناصرًا لفلسطين.

واليوم، مع تصاعد نفوذه السياسي داخل الحزب الجمهوري بعد عودته إلى البيت الأبيض، فإن خطابه التحريضي يُشجّع على المزيد من القمع. فترامب لا يتحدّث فقط عن "تطهير أمريكا من الأفكار اليسارية"، بل يتبنّى أيضًا خطابًا أكثر تشددًا تجاه المسلمين والعرب وكل من يعارض السياسات الإسرائيلية.

- حرية التعبير في خطر

إن هذا التصعيد القمعي لا يهدد فقط الفلسطينيين أو المسلمين في أمريكا، بل يمثل تهديدًا مباشرًا لقيم الديمقراطية وحرية التعبير. فحين تصبح "المواقف السياسية" تُهمةً يُلاحَق بسببها الأفراد، وعندما تتحوّل تُهمة "معاداة السامية" إلى ذريعة لإسكات الأصوات الحرة، فإننا نكون قد عدنا إلى عصور الاستبداد التي ظنّ كثيرون أنها ولّت.

ما يحدث اليوم هو نسخة محدّثة من المكارثية، حيث لم يعد المطلوب منك أن تكون إرهابيًا لتُحاكَم، بل يكفي أن تتعاطف مع قضية عادلة ليتم تجريمك. فهل ستتفاقم هذه الحملة القمعية، أم أن المجتمع الأمريكي سيدرك خطورتها قبل فوات الأوان؟

مقالات

الحوثي.. وحشية بلا هوادة تفتت النسيج اليمني

لم يعد بيننا وبين الحوثي مساحة يمكن البناء عليها. لا رابط نقي يمكن ترميمه، ولا أرضية أخلاقية تصلح لحوار. ما فعله بهذه البلاد تجاوز حدود الخلاف، هوى بها إلى درك من الوحشية والتفكك، مزّق النسيج الاجتماعي، وحوّل الروابط إلى رماد. ارتكب مجازر لم توثقها كل الكاميرات، وقتل الآلاف بدم بارد. مارس انتهاك الكرامات، وسحق الحقوق، وزرع الخوف داخل كل بيت. من السجون خرجت صرخات لا تجد من يصغي، ومن البيوت خرج الناجون بلا ذاكرة، محملين بألم لا يُحتمل. لا يمكن توصيف الحوثي كجماعة مسلحة فقط، هو منظومة متكاملة لصناعة الرعب.

مقالات

فؤاد الحِميري: فبراير الذي لا يموت

عندما تتأمل قصائد وكتابات وأشعار فقيد الوطن وأديب فبراير، الأستاذ الثائر فؤاد الحِميري، تجد أنها جميعًا تصب في ينابيع مبادئ الحرية والكرامة ومقاومة الظلم. هذه المبادئ هي ذاتها الأهداف السامية لثورة 11 فبراير، ثورة الشباب السلمية اليمنية، التي كان الحِميري أحد أبرز شبابها وشاعرها الملهم.

مقالات

للورقة الباذخ بالشجاعة في جبال السلفية

أعتقدُ جازمًا أن طبيب الأسنان قد فخخ ضرسي تمامًا ببقايا تلك الهدايا التي أرسلها القذافي كعطيةٍ نفطيةٍ كريمة، ليجود بالحياة على من تبقّى بيدٍ واحدة أو بقايا أقدام، وهو يحتفل بأن النبض لا يزال فيه.

مقالات

قبائل برط الجوف: سوسيولوجيا التوظيف الإمامي للقبيلة

ليست هذه الورقة بحثًا مكتملًا، بقدر ما هي دعوة مفتوحة للباحثين والمختصين لتسليط الضوء على ظاهرة تاريخية مقلقة، تعود جذورها إلى أكثر من ألف عام، ولا تزال آثارها ماثلة حتى اليوم. إنها ظاهرة توظيف قبائل معيّنة، وعلى رأسها قبائل "ذو محمد" في منطقة برط بمحافظة الجوف، كمخزون بشري عسكري في خدمة حروب الأئمة الزيدية في اليمن.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.