تقارير
يمنيات على الأرصفة.. كفاح يومي من أجل لقمة العيش والكرامة
في السادسة من صباح كل يوم، تغادر مسك عباس منزلها نحو سوق مدينة الحوطة، المركز الإداري لمحافظة لحج، وهناك تعرض "الكدر" و"الخبز" على مدى ساعات النهار. فهي تعتمد أساساً على ما تكسبه من وجودها تحت أشعة الشمس خلال تلك الساعات من أجل العودة إلى منزلها لتوفير لقمة العيش لأسرتها.
تشارك مسك أمها سبأ أحمد (55 عاماً) في مواجهة معترك الحياة، الذي تفاقم في ظل فقدان والدها العامل في القطاع الصحي، وإصابة أمها بداء "السكري" الذي اضطرها إلى إجراء عملية في أطراف قدميها، حيث باتت لا تقدر على مفارقة منزلها.
لكنها تُساهم في إعداد عجينة "الخبز والكدر" وصناعتها، قبل أن تتولى ابنتها مسك حملها نحو السوق لبيعها خلال ساعات النهار، ومن ثم العودة في الظهيرة إلى المنزل لتعود لأمها بالمال أو بما تبقى من "الخبز والكدر".
تقول مسك عباس لموقع "بلقيس" إنها، منذ عشر سنوات، وهم على هذه الحال، تخرج من منزلها في ساعات الفجر الأولى وتعود ظهراً من أجل بيع "الكدر والخبز، وتضيف اللحوح، خلال الشهر الكريم، نظراً للإقبال عليه في رمضان.
وتضيف أنها، في بقية الأيام، تبيع الخبز والكدر، وأحياناً تخرج 150 حبة تبيع أغلبها، وما تبقى تعيده إلى أمها حيث يُباع على مالكي الأبقار والأغنام.
وبحسب مسك عباس، فإن العمل شاق، إذ تقضي ساعات طويلة على ذلك الرصيف لتعرض "الخبز" و"الكدر" من أجل لقمة العيش والكرامة، في وقت لم يعد راتب والدها الراحل يكفي حتى لقيمة كيس دقيق.
وأشارت إلى أنها حريصة كل الحرص على مساعدة أسرتها، فالمبلغ البسيط الذي تكسبه (عشرة آلاف ريال تزيد أو تنقص أحياناً) يوفر لهم شيئاً يسيراً في البيت، وهو -في نظرها- أفضل من انتظار العون من الآخرين.
وتضيف أنها تشعر بالسعادة والفخر لوجودها في السوق من أجل أخواتها ووالدتها التي تكافح عنهم جميعاً رغم مرضها بداء "السكري" واحتياجها لعلاج دائم.
وفي حضرموت (شرق البلاد)، تعرض هالة باحمالة (45 عاماً) بضائعها من المكسرات المتنوّعة في بسطة صغيرة في المكلا؛ بحثاً عن لقمة العيش بعد فقدان معيلها.
وهالة ليست الوحيدة من النساء اللواتي يكافحن تحت أشعة الشمس لإطعام أنفسهن والاعتماد على ذاتهن، فهناك أخريات في الشارع ذاته يبعن البخور والخضروات في كفاح يومي على الأرصفة.
تقول هالة لموقع "بلقيس" إن عملها في السوق، خلال السنوات الخمس الماضية، بعد فقدان معيلها أكسبها ثقة الزبائن، وباتوا يتعاملون معها بشكل دائم.
وتضيف أنها، رغم مشقة الدوام ساعات على ذلك الرصيف، باتت تعتمد على ذاتها، وتكسب يومياً ما بين 10 – 20 ألف ريال، تنفق بعضه على ذاتها، والبعض الآخر تسدد به محل الجملة الذي تأخذ منه بضاعتها بالدَّين؛ نظراً لعدم توفر السيولة الدائمة لتسديد قيمة "مكسراتها".
وتابعت هالة حديثها لموقع "بلقيس": "لا يوجد عمل يخلو من الصعوبة، وفي مقدمتها عدم وجود مكان ملائم؛ يحمينا من الحرارة المرتفعة خلال ساعات النهار، بالإضافة إلى عدم استقرار العملة في الفترة الماضية، وهو ما تسبب لنا بخسائر كبيرة".
وأردفت: "بعضنا كان يتوقف عن العمل بعض الأيام بسبب تلك الخسائر، ومن ثم يعود إلى السوق؛ كون هذا العمل هو المصدر الرئيس الذي نقتات منه".
في السياق ذاته، تقول ريما عبد الله (بائعة دَوْم) إن المجتمع يقدّر عمل المرأة ويتعاطف معها كثيراً في حضرموت، وهذا الجانب شجعهن على العمل في السوق، والاعتماد على الذات، رغم بساطة ما يبعنه سواء الدَّوْم أو المكسَّرات أو الخضروات.
وتمنَّت ريما أن يتم دعم هؤلاء النساء، في الفترة القادمة، بفتح محلات بسيطة أو دكاكين صغيرة لهن في السوق، بدلاً من المكوث ساعات طويلة تحت حرارة الشمس، لما لذلك من أثر كبير على صحتهن، خاصة أن بعضهن مصابٌ بأمراض مُزمنة.