تقارير
كيف تعمل ميليشيا الحوثي على تحويل ذكرى المولد النبوي إلى أداة فرز اجتماعي وسياسي؟
تشهد صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي احتفالات واسعة بذكرى المولد النبوي، وسط انفاق ضخم وحشد جماهيري منظم، في الوقت الذي يعاني فيه السكان من أزمة معيشية خانقة، يعيش الملايين منهم على مساعدات الأمم المتحدة أو تحويلات المغتربين.
هذه المناسبة التي ترتبط بالوجدان الإسلامي بمحبة الرسول (ص) وقيمه الجامعة، تحولت إلى مشهد سياسي، تحرض من خلاله الميليشيا على إبراز قوتها التنظيمية وترسيخ حضورها في المجال العام.
توظف ميليشيا الحوثي المولد النبوي لإعادة صياغة العلاقة بين المجتمع، والدين، والسلطة السياسية المغتصبة، بحيث تصبح محبة النبي مرادفة لطاعتها، وهو نهج يجرف القيم النبوية الجامعة من رحمة وعدل ومساواة، ليعيد إنتاجها في صورة ولاء سياسي مغلق، يخدم استمرار الحرب ويعيد تشكيل الهوية اليمنية على أساس طائفي، لمصلحة سلالة معينة، على حساب حقوق ملايين المواطنين وحرياتهم.
الاستغلال السياسي
يقول الصحفي والباحث في التاريخ اليمني بلال الطيب، إنه من المهم التذكير أن نبينا غير نبيهم، فنبينا هو رسول الإنسانية، الرسول الذي بعثه الله سبحانه وتعالى رحمة للعالمين، الرسول الذي بعث ليخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، أما نبيهم عبارة عن شيخ قبيلة وكبير أسرة.
وأضاف: الحوثيون يسيئون لجوهر الدين الحنيف، ويشوهون أساس هذا الدين الذي نصره العبيد وخذله السادة، هؤلاء يتعاملون مع النبي مع الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه جدهم وأنهم أحفاده، رغم وجود النص القرآني الذي يقول، "وما كان محمد أبا أحد من رجالكم"، هل نكذب كلام الله ونصدقهم؟!
وتابع: الأمر الثاني، ما الذي يثبت أن هؤلاء الجماعة ينتسبون إلى فاطمة بنت النبي؟ وصلت أعدادهم إلى الملايين، ومن خلال قياس الأنساب والمشجرات والإحصاءات، نجد أن هناك ما يفند هذا الزيف، وهذا الافتراء، ونحن بحاجة إلى فكفكة هذا الزيف، وإلى فكفكة هذه السلالة التي تتاجر بالإسلام وبرسول الإنسانية.
وأردف: من المهم جدا ا التفريق بين إسلامنا وإسلامهم، فإسلامنا هو الإسلام الحق، الاسلام الذي يعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه رسول من الله لإنقاذ البشرية، ووصف بالصادق الأمين، وأتى لينصر القيم الإنسانية النبيلة، قيم الحق.
وزاد: هذه الجماعة هي أصلا بلا شرعية، وجماعة انقلابية، وبحاجه إلى رفع الشعارات الدينية، لكي توجد شرعية بديلة، وتستغل الدين، وهو الاستغلال الأشنع، بما يخدم توجهها.
وقال: أنا قلت في مقدمة كتابي "المتاهة"، أن الدين الإسلامي إذا أدخل في السياسة أفسد الدين والسياسة معًا، ومن المهم جدا التركيز على هذه الجزئية، فالدين دين البشرية، والرسول صلى الله عليه وسلم، بعث للناس جميعا، وجماعة الحوثي، من خلال استغلالها للدين، استغلالا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، لكننها تحدثهم بلغة بعيدة عن الاستغلال.
وأضاف: جماعة الحوثي، لا تحتفل بالرسول، والهدف الأكبر لها من كل هذا، هو تكريس جزئية مهمة، أن عبدالملك الحوثي، امتداد لهؤلاء، وأن النبي نبيهم وتكريس لإشكالية الولاية التي نعاني من تبعاتها إلى اليوم.
وتابع: الاستغلال السياسي لذكرى المولد النبوي، هو الهدف الأبرز لجماعة الحوثي، قبل الجبايات وقبل الأمور الأخرى، فعندما يتوافد الناس إلى ميدان السبعين يقولون، أهلا بضيوف رسول الله، هذه الصبغة، لا سيما وأن الدين مقدس عند اليمنيين، لذا يدغدغون عواطف الناس، ويقودهم ويكرسون هذه الجزئية أنهم أحفاد النبي، وأن هذا الدين والنهج الذي يتبعوه هو النهج الصح.
وأردف: الجانب الاخر، الحوثيون يريدون أن يوصلوا رسالة للداخل والخارج أنهم أكثرية، وأن آلاف البشر يحتشدون للاحتفاء بمولد الرسول، وهذا جانب ايضا في في إطار الاستغلال السياسي، وهذا الشيء مشهود ومفضوح، رغم أن هناك من تحدث بأن اغلب من يحضروهم، بالإكراه والإجبار، حفاظا سواء على السلة الغذائية، أو خوفا من البطش او خوفا من أن يبلغ بهم من قبل عقال الحارات.
وزاد: هذه عصابة تسيطر على الواضع، وتلبست الدين، والدين منها براءة، وكرست هذا النهج لكي تحكم وتتحكم، وسعت للثراء الفاحش عبر هذه المناسبة وغيرها من المناسبات.
وقال: معروف جدا أن الإمامة أول ما تستند عليه، هو المال والرجال، وكم أباحوا نهب أموال الناس وكم نهبوا، وسط فقر مدقع ومباهاة بالاحتفالات، وهي مفارقة صادمة ومؤلمة، وكان الأولى بهذه الأموال التي ينفقونها، أن يتبرعوا بها للمساكين والفقراء وأن يصرفوا الرواتب.
لا ارتباط لهم بالنبي
يقول الباحث في التاريخ السياسي، عنتر الذيفاني، أولا من حيث المبدأ لا يوجد أي ارتباط بين جماعة الحوثي، وبين النبي محمد صلى الله عليه وسلم، نبينا الكريم، فالحوثيون ومعتقداتهم وأفكارهم وطقوسهم وأخلاقهم، وقيمهم، بعيدة كل البعد عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وأخلاقه وقيمه ومبادئه، والعقيدة التي جاء بها.
وأضاف: والحوثيون لا ارتباط لهم بالنبي عليه الصلاة والسلام، لأنهم يرفضون سنته، ويرفضون تعاليمه، لكنهم يستغلون مسألة الاحتفاء بالمولد من باب محاولة تحسين صورتهم القبيحة التي تمارس القتل و والنهب والعنصرية، وتدمير الشعب اليمني، تماما كما كانت تصنعها الدولة العبيدية الإسماعيلية في مصر، حينما كانت تقتل العلماء وتحارب الإسلام، ثم تحتفل بالمولد من باب تبييض صورتها وتحسينها.
وتابع: احتفال الحوثيين بالمولد النبوي، هي محاولة لتحسين صورتهم أمام الشعب، بعد أعمالهم وجرائمهم التي يمارسونها كل يوم، ومن جانب آخر تحشيد وشحن طائفي للمجتمع وفرز للمجتمع، وتثبيت مسألة من يحب النبي صلى الله عليه وسلم، يجب أن يحب عبدالملك الحوثي، ومن يكره عبدالملك الحوثي هو يكره النبي.
وأردف: جماعة الحوثي تربط حب الحوثي، بالنبي عليه الصلاة والسلام مباشرة، من يحب الحوثي ويطيعه، هو يحب النبي ويطيع النبي، ومن يبغض الحوثي ويعاديه، فهو يبغض النبي ويعاديه، وحولت النبي صلى الله عليه وسلم إلى وسيلة للتحشيد والشحن الطائفي.
وزاد: جماعة الحوثي كذلك جعلت من النبي صلى الله عليه وسلم، شركة استثمار اقتصادية، من خلال جبايات، ودفع الأموال حق المولد النبوي، ونهب المليارات من أبناء الشعب باسم النبي.
وقال: حينما يتفاعل المواطن العادي بمناسبة المولد النبوي، فهو يتفاعل من قبيل حبه الحقيقي فعلا للنبي صلى الله عليه وسلم، والاحتفاء به.
وأضاف: الحوثي يقول ما يشاء لكن قناعة المجتمع وقناعة المواطنين تختلف عن ما يقوله الحوثي، وإن حشد بعض المناصرين له من الطائفة السلالية، أو من الذين غطى على عقولهم الجهل، وصنع معهم عملية غسل دماغ، حينما يخضروا أنفسهم وعندما يقولون بعض الأقوال، لكن السواد الأعظم من ابناء المجتمع يرفض ما يقوم به الحوثي من هذه الطقوس، التي لا تمت الى هويتنا الوطنية وهويتنا الإسلامية بأي صلة، لأنهم يعلمون ويفهمون أن ما يقوم به الحوثي لا يمثل اليمن ولا يمثل الهوية اليمنية، إنما يمثل هوية فارسية سلالية جاءت من ادغال التاريخ ويحاول أن يجسدها على المجتمع اليمني الرافض لها.
وتابع: كنا نحتفل بالمولد النبوي كل عام، ولكن الاحتفال الذي يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم، هو كيف نتدارس سيرته كيف نقتدي بسنته، وكيف نحشد المجتمع للاقتداء بالنبي والتمسك بسنته والتخلق بأخلاقه، وهذا ما لا يصنعها الحوثي على الإطلاق، انما يمارس العكس تماما وهو يتخذ من النبي عليه الصلاة والسلام، شركة للاستثمار والجباية، ووسيلة لحب وترسيخ محبة عبدالملك الحوثي والولاء لهذه الجماعة، وفي مسألة التحشيد والشحن الطائفي.
فكر سلالي إمامي
يقول الصحفي نشوان العثماني، كل ما يصدر عن جماعة الحوثي، ليس فقط المولد النبوي، لا يمكن أن يفهم ولا يمكن ان يقبل وخارج نطاق وعادات وموروث وتراكم كل أطياف الشعب اليمني، وما تقوم به الجماعة الآن هو تصدير لثقافتها وعقيدتها، والفكر الذي جاءت به، وهو دخيل على هذا البلد.
وأضاف: جماعة الحوثي، تكرس عبر مثل هذه المناسبات سواء المولد النبوي او غيرها، المزيد من الثقافة الخاصة بها، من خلال محاولات غسل أدمغة الشباب والأطفال واستمالتهم بالقوة، في المحافظات الواقعة تحت ما يمكن ان نسميه محقين "الاحتلال الإمامي الجديد".
وتابع: كل ما يصدر عن هذه الجماعة هو ليس غريب، ولكن الغرابة في أن بقائها طال كثيرا، منذ 2014، وحتى الآن، ويبدو أن الفجر اليمني، والصباح الذي سوف يأتي بات قريبا ووشيكا، ولا يمكن ان يجدي مع جماعة من هذا النوع أي نوع من أنواع السلام، ولا أي نوع من الاتفاقات أو اللقاءات أو الحوارات إطلاقا، لأنها ذات لون واحد، وذات ثقافة مختلفة، ذات فكر دخيل، وما تفعله باليمنيين، للمرة الأولى يحدث في تاريخ اليمن، وهذا معروف للقاصي والداني.
وأردف: جماعة الحوثي لا تُناقش بأي جزئية من جزئياتها، فهي برمتها خارج العقل، وخارج العصر، وخارج النطاق، وخارج الفهم بكل أشكالها، وبالتالي لا يمكن أن يفهم من كل سلوكياتها واحتفالياتها، وأي شيء يصدر عنها، فكل ما تحمله هو فكر سلالي إمامي استعبادي، تريد أن تحكم هذا الشعب بالقوة، بفكر رفض في القرن الأول للهجرة، والقرن السابع الميلادي، فما بالنا اليوم.