تقارير
"ردة فعل مهووسة".. لماذا تستهدف مليشيا الحوثي عمّال الإغاثة؟
اعتقلت مليشيا الحوثي، خلال عطلة نهاية الأسبوع، مجموعة أخرى من الأشخاص العاملين لدى الأمم المتحدة في اليمن.
وكما أشار أحد الخبراء، في كل مرّة تحدث مشكلة أمنية، يتم اختطاف المزيد من عمّال الإغاثة.
ودخلت جماعة الحوثيين المتمرّدة، التي تسيطر على أجزاء كبيرة من اليمن، يوم الأحد مكاتب الأمم المتحدة في العاصمة اليمنية صنعاء، واعتقلت ما لا يقل عن 11 شخصا يعملون في المنظمة واستولت أيضا على ممتلكات، بما فيها أجهزة لتخزين البيانات.
وداهمت قوات الأمن الحوثية مكاتب برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية واليونيسيف (منظمة الأطفال التابعة للأمم المتحدة).
وتقول المصادر إن من بين المعتقلين سبعة من موظفي برنامج الأغذية العالمي وثلاثة من العاملين في اليونيسيف.
وقال هانز غروندبرغ، مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، في بيان، صدر يوم الاثنين: "أدين بشدة الموجة الجديدة من الاعتقالات التعسفية لموظفي الأمم المتحدة اليوم في صنعاء والحديدة".
وقال إن الأمم المتحدة تبذل كل ما في وسعها لإطلاق سراح موظفيها، وإنه ينبغي إطلاق سراحهم "فورا ودون قيد أو شرط".
وجاء الاقتحام الحوثي مقر الأمم المتحدة بعد أن قصفت إسرائيل اجتماعا لمجلس وزراء حكومة الأمر الواقع الحوثية في صنعاء، يوم الخميس الماضي.
وسبق للحوثيين أن أطلقوا صواريخ على الأراضي الإسرائيلية. ومنذ أكتوبر 2023، كان هناك تبادل للنيران فيما بين الطرفين، حيث أطلق الحوثيون طائرات مسيّرة وصواريخ، وشنّت إسرائيل غارات جوية على مواقع الحوثيين.
وفي الغارة الإسرائيلية، التي وقعت في 28 أغسطس، قُتل رئيس وزراء حكومة الحوثيين، أحمد غالب الرهوي، و11 مسؤولا آخرين، من بينهم وزراء الرياضة والثقافة والخارجية والشؤون الاجتماعية والكهرباء والزراعة.
ورغم أن الرهوي كان يعتبر تكنوقراطيا، وأن غيابه لن يكون له أي تأثير كبير على البنية العسكرية للحوثيين، فإن مقتله يمكن اعتباره "نكسة خطيرة"، بحسب ما قاله أحمد ناجي، المحلل البارز في شؤون اليمن في "مجموعة الأزمات الدولية" البحثية ومقرها بروكسل، لصحيفة الغارديان البريطانية هذا الأسبوع.
-لماذا يعتقل الحوثيون المدنيين؟
ويخوض الحوثيون المتشددون قتالا في اليمن؛ منذ عقود، أولا كجزء من التمرّد ضد الدكتاتورية اليمنية، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم منذ عام 2014 يخوضون قتالا في حرب أهلية اندلعت عندما سيطروا على العاصمة.
وفي الآونة الأخيرة، خاضوا حربا ضد تحالف دولي بقيادة السعودية داعم لخصومهم في الحرب الأهلية، وهم الحكومة المعترف بها دوليا.
وصلت الحرب الأهلية إلى طريق مسدود حاليا، حيث يسيطر الحوثيون على الأجزاء الشمالية من البلاد، بما فيها العاصمة صنعاء، حيث يسكن معظم سكان البلاد، ويسيطر خصومهم المتمركزون في عدن على الساحل الجنوبي على الأجزاء الجنوبية.
كما تسببت الحرب الأهلية بأزمة إنسانية في اليمن، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن حوالي 21 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدات بشكل منتظم.
وخلال الأيام القليلة الماضية، توعد القادة العسكريون الحوثيون بالانتقام من الضربة الإسرائيلية، وشددوا الإجراءات الأمنية.
وفي خطاب متلفز ألقاه بعد تأكيد وفياتهم، حذّر زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، السكان المحليين أيضا بمعاقبة أي شخص يشتبه بأنه يعمل جاسوسا لإسرائيل.
-خبير يمني: العاملون في الأمم المتحدة "هدف قياسي"
وتوقع الخبير اليمني محمد الباشا، الذي يدير شركة "باشا ريبورت" لاستشارات المخاطر ومقرها الولايات المتحدة، في رسالة إخبارية للعملاء يوم الأحد أن "الحوثيين سيشنون حملة أمنية قمعية كبيرة". إذ "ستمتد حملة القمع أيضا إلى موظفي المنظمات غير الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية المحلية والسفارات الأجنبية في صنعاء، بالإضافة إلى البنوك وشركات تحويل الأموال ومحلات صرف العملات".
وأكد الباشا لصحيفة "نيويورك تايمز" أن أي شخص مرتبط بمنظمات دولية معرض لخطر الاستهداف.
وكتب الصحفي اليمني عدنان الجبرني على مِنصة التواصل الاجتماعي X (تويتر سابقا) أن عمليات اختطاف موظفي الأمم المتحدة تأتي أيضا بعد عدة أشهر من حملات قمعية شنها الحوثيون.
وأضاف: "الجماعة أصبحت في الآونة الأخيرة مهووسة بمن تسميهم الخونة والعملاء والمنافقين والمرتزقة".
وقال الجبرني إنه، منذ بداية هذا العام، تم اعتقال العديد من المدنيين في إطار حملة قمع قاموا بها.
وأشار الباشا إلى أن استهداف موظفي الأمم المتحدة يبدو وكأنه أصبح ردة فعل قياسية يقوم بها الحوثيون ردا على الوقائع الأمنية.
-استمرار جرائم الحوثيين ضد المدنيين
ويعتقل الحوثيون، منذ عدة سنوات، أشخاصا مرتبطين بمنظمات الإغاثة أو المجتمع المدني، فضلا عن أفراد مرتبطين بالسفارة الأمريكية السابقة في صنعاء.
وإثر حملة قمع قاموا بها ضد العاملين في مجال المعونة والمجتمع المدني في منتصف عام 2024، قال "توماس جونو"، خبير الشرق الأوسط في جامعة أوتاوا في كندا، لـ"دويتشه فيله"، إن احتجاز عمُال الإغاثة يمكن تفسيره واقعيا بأن "الحوثيين يشعرون أنهم بحاجة إلى تعزيز سلطتهم بشكل أكبر".
وادّعى الحوثيون أنفسهم أن الاعتقالات، التي قاموا بها، شملت أعضاء في "خلية تجسس أمريكية - إسرائيلية" تعمل متخفية في وكالة إنسانية.
وأضاف هشام العميسي، كبير مستشاري اليمن في المعهد الأوروبي للسلام، في غضون ذلك: "لقد سجنوا الكثير من الناس في صنعاء، بمن فيهم أشخاص من بين صفوفهم، لأنهم أصبحوا مصابين بالارتياب إلى الدرجة التي يعتقدون بأنه تم اختراق صفوفهم".
وأوضح أن الحوثيين كانوا يمرون "بحالة ذعر كبيرة".
وجرى اختطاف ثمانية آخرين من موظفي الأمم المتحدة في يناير من هذا العام. جاء ذلك بعد أن أطلق الحوثيون سراح 25 من أفراد طاقم السفينة "جالاكسي ليدر" التي كانوا يحتجزونها منذ نوفمبر 2023.
وتكهن الخبراء بأن موظفي الأمم المتحدة يشكلون أوراق مساومة أفضل، إذ وقعت عمليات الاختطاف للثمانية في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تقرر ما إذا كانت ستصنّف الحوثيين كمنظمة إرهابية.
وقال عبد الغني الإرياني، الباحث البارز في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، لدويتشه فيله حينها: "لقد اختار الحوثيون موظفي الأمم المتحدة لأنهم أكثر قيمة للتفاوض على أي اتفاق".
-آلاف من حالات "الاختفاء القسري"
وفي بيان صدر هذا الأسبوع، أشارت منظمتان يمنيتان لحقوق الإنسان، هما "جمعية معونة لحقوق الإنسان والهجرة" ومقرها الولايات المتحدة، و"الشبكة اليمنية للحقوق والحريات" ومقرها اليمن، إلى أن 34 من موظفي الأمم المتحدة ما زالوا محتجزين لدى الحوثيين.
وقالت المنظمات إن 23 منهم محتجزون منذ عدة سنوات، وتوفي أحدهم أثناء بقائه في السجن.
وتقول الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، في تقرير حديث، إنها وثقت حوالي 2678 حالة اختفاء قسري للمدنيين، في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، بين يناير 2018 وأبريل 2025. ويشمل ذلك السياسيين والعاملين في مجال الإعلام ونشطاء المجتمع المدني والمحامين والأكاديميين.
وقالت، في بيان مشترك مع جمعية معونة: "إن اعتقال مئات النشطاء والمعارضين السياسيين (هذا) يمثل انتهاكا صارخا للقانون الإنساني الدولي".