تقارير

تعز بين الغضب والخوف.. هل سيتم إنصاف "إفتهان" وكشف دوافع اغتيالها أم ستُترك تعز ضحية للانفلات؟

24/09/2025, 07:50:04
المصدر : تقرير خاص

صباح يوم الخميس، وتحديدًا في الثامن عشر من أيلول/سبتمبر الجاري، اُغتيلت مديرة صندوق النظافة والتحسين بتعز، إفتهان المشهري، وهزّت الجريمة مدينة تعز وريفها، وأوجعت قلوب الناس فيها، وفي البلاد كلها.

فجّرت الرصاصات، التي أطفأت قلب إفتهان المشهري، وجعًا عميقًا في مدينة محاصرة تعبت من الجراح، وتحوّلت الجريمة إلى حدث جلل، وإلى إدانات، وتمددت إلى الشارع تظاهرات نسائية، وحشود بالآلاف تطالب بالعدالة.

شرطة تعز أعلنت توقيف مشتبه بارز ثم أربعة آخرين، مع حديث رسمي عن إعاقة مسلحة طالت محاولة ضبط المُتهم الأبرز.

جريمة اغتيال المشهري كشفت هشاشة أمنية لم يعد بالإمكان إنكارها، صارت اختبارًا لقدرة المؤسسات على الإمساك بالخيط حتى النهاية وسط تجاذبات الخيوط التي تسعى لاستخدام الجريمة لتصفية حسابات إعلامية وسياسية، وتريد نزيف تعز بدل تضميد جراحها.

تعز، التي عاشت سنوات الحصار والانفلات الأمني، تقف اليوم بين الغضب والخوف، وتجد المدينة نفسها أمام سؤال كبير: هل تملك مؤسسات الدولة القدرة على إنصاف الضحية وكشف الدافع أم ستُترك نهبًا للانفلات؟ وهل يتمكن المجتمع المدني من حماية قيم المدينة في وجه مشاريع صغيرة تريد إغراقها أكثر؟

-انطلاقة للغضب

تقول المحامية رغدة المقطري: "بالنسبة للإجراءات المتبعة حاليًا في قضية إفتهان المشهري، نحن بالأمس كنا في البحث الجنائي، واطلعنا على سير الإجراءات، وهو ما يسري حاليًا، ونحن مطمئنون من الإجراءات التي تقوم بها الأجهزة في البحث الجنائي، والأجهزة القضائية".

وأضافت: "الأجهزة في البحث الجنائي قاموا بالنزول إلى مكان الجريمة، وقاموا بتحريز كل الأشياء الموجودة داخل سيارة الشهيدة إفتهان المشهري، ثم بعد ذلك قاموا بالتحقيقات الأولية مبدئيًا".

وتابعت: "تم القبض على بعض الجناة من قِبل إدارة الأمن، وهو شيء بسيط ممّا نتطلّع إليه، نحن نتطلّع للقبض على جميع المُجرمين دون استثناء، فلا يجب أن يكون هناك جانٍ خارج نطاق العدالة".

وأردفت: "قضية إفتهان المشهري كانت انطلاقة الشارع التعزي، والغضب الذي عمّ بشكل كبير، والمسؤولية تكون على الأجهزة الأمنية، وعلى البحث الجنائي بشكل كبير، فالجريمة التي ارتكبت بحق إفتهان المشهري هي جريمة قتل عمد مشهودة كانت في وضح النّهار، وكل أركان الجريمة متكاملة بشكل عام".

وزادت: "إفتهان موظفة عامة، ذو منصب قيادي، فالأصل أن تكون هناك إجراءات خاصة، وتحقيق مستقل، لكن بطء الإجراءات هو ما نعاني منه دائمًا".

-اختلالات متراكمة

يقول وكيل محافظة تعز عارف جامل: "قضية اغتيال الدكتورة إفتهان المشهري جاءت نتيجة تراكمات واختلالات أمنية تمثلت بتهميش الكثير من القضايا المتمثلة بجرائم القتل المستمرة، التي لم يتم الوقوف عليها بمسؤولية وحزم".

وأضاف: "أعتقد أن مقتل الدكتورة، وهي امرأة وفي منصبها، بهذه البشاعة مخالفة لكل الأعراف والقوانين، مثل القشة التي قصمت ظهر البعير، وفجر الشارع التعزي وخلق تعاطفًا كبيرًا ليس فقط على مستوى تعز وإنما على مستوى اليمن بشكل عام".

وتابع: "قد تكون هذه الحادثة إرادة الله سبحانه وتعالى من أجل إنصاف المظلومين والقتلى الذين تعرّضوا لسلسلة من القتل على أيدي مطلوبين أمنيين خارجين عن النظام والقانون، ولم يتم ضبطهم حتى اللحظة".

وأردف: "المعني بشكل رئيسي في هذه القضية هي اللجنة الأمنية التي تجمع جميع الأجهزة الأمنية، وللأسف الشديد لم تؤدِ دورها بالشكل المطلوب".

وزاد: "هذه القضايا الأمنية هي تراكمات لقضايا سابقة، كنا نتمنى في أول ما حصلت قضية قتل أن يتم الوقوف عليها، وأن يتم معالجة الوضع الأمني بشكل صحيح، بمعنى أن اللجنة الأمنية هي المعنية، تتجمع فيها جميع الأجهزة المتمثلة، سواء في السلطة المحلية أو في الجيش".

وقال: "السلطة المحلية يمثلها محافظ المحافظة - رئيس المجلس الأمني، نبيل شمسان، والجيش يمثله قائد المحور اللواء الركن خالد فاضل، وقادة الألوية، وأيضًا مدير الأمن والأجهزة الاستخباراتية، هؤلاء إذا عملوا بشكل متواصل وبآلية ورؤية واضحة بضبط هؤلاء المطلوبين أمنيًا لكانت الأمور بخير".

وأضاف: "المشكلة أنه لا يتم التحرك الأمني إلا في حالة عندما تحصل جريمة، فهناك مطلوبون أمنياً لا يتم ضبطهم إلا بعد أن يُقتل الأول والثاني والثالث، وهذه هي المشكلة".

وتابع: "أغلب المطلوبين أمنيًا في قضايا القتل تصدُر في حقهم أوامر قضائية في قضايا قبل أن يصل إلى جريمة القتل، ولكن عدم التعاطي بشكل مسؤول في هذه القضايا خلق نوعًا من استمرار جرائم القتل، وما لم يكن هناك عقوبة فإن مَن أمن العقوبة أساء الأدب".

وأردف: "هناك كشوفات للمطلوبين أمنيًا منذ عام 2015، لو كان تم الوقوف أمامهم، وتم معالجة هذا الوضع عبر آلية، وضبطهم بشكل دائم ومكانهم السجون، ما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه".

وزاد: "هناك قضايا قتل كثيرة، يجب اليوم تصحيح المسار الأمني، وإعادة الهيكلة الأمنية بشكل صحيح، وضبط جميع المطلوبين ليس في قضية إفتهان فقط، ولكن في القضايا السابقة، فلم يعد مقبولًا أمام الناس وأمام الجماهير التي خرجت إلا تصحيح المسار الأمني، وضبط جميع المطلوبين، والوقوف أمام القضايا الأمنية المتمثلة، سواء كانت في مسألة الحد أو بمسألة ممتلكات الناس بمسؤولية وقوة وحزم".

-مسألة وقت

يقول نائب رئيس شعبة التوجيه المعنوي بمحور تعز، العقيد عبدالباسط البحر: "دماء الشهيدة إفتهان المشهري ستظل أمانة في أعناقنا جميعًا حتى القصاص من كل من له علاقة بمقتلها، سواء بشكل مباشر أو تخادم مع القتلة، أو تعاون معهم، فإن يد العدالة ستطالهم، ولن ينجو أحد من العقاب".

وأضاف: "المسألة مسألة وقت، لكن ستصل الحملة الأمنية إلى الجميع، وما تم حتى الآن شيء كبير جدًا، لكن ما زلنا نطمح بالمزيد، وعدم إفلات كل من له علاقة سواء من قريب أو من بعيد في هذه الجريمة الشنيعة والبشعة، التي هزت وجدان تعز بل وجدان اليمن بشكل عام".

وتابع: "صدر بيان مشترك عن الحملة الأمنية المشتركة التي تتكون من إدارة شرطة أمن تعز وقيادة المحور والوحدات التابعة له، وكل الأجهزة الأمنية، وأيضًا الشرطة العسكرية، وأكد أن هناك تنسيقًا تامًا، وهناك تعاون من الجميع، ولا صحة أبدًا لما تروجه بعض الأبواق".

وأردف: "ما يجري تداوله من شائعات يندرج فقط ضمن المناكفات والمكايدات التي تعودنا عليها، وهي مكايدات ومناكفات لا مسؤولة، وتدفع ثمنها تعز".

وزاد: "الجميع صف واحد، وهناك قيادة ميدانية واحدة، وهناك غرفة عمليات مشتركة واحدة، وتتم كل التحرّكات الأمنية على الأرض بناءً على تنسيق تام، وانسجام بين كل الوحدات والأجهزة الأمنية والوحدات العسكرية والشرطة العسكرية بشكل كامل".

-صدمة كبيرة

يقول المحلل السياسي أحمد عثمان: "هذه الجريمة سببت صدمة كبيرة لأبناء تعز: أولًا: لأنها جريمة د؛ ومن قتل نفسًا كأنما قتل الناس جميعًا، وثانيًا: لأنها امرأة؛ والعُرف الاجتماعي يعتبر أن قتل المرأة عارٌ، إضافة إلى أنها مسؤولة عامة وخدمية، وأول امرأة تمسك إدارة عامة خدمية وصعبة، وفيها كثير من الصعوبات".

وأضاف: "يجب أن يعرف التاريخ أن هذه المرأة الحديدية خاضت حربًا في محاربة الفساد، ولهذا نحن نعتبر هذه خسارة لأبناء تعز جميعًا، وصدمة".

وتابع: "الآن هناك وحدة كلمة لأبناء تعز؛ وهي المطالبة بإلقاء القبض على الجناة وعلى المتسترين، وعلى المحرضين وعلى المستفيدين".

وأردف: "يجب أن تكون هذه الحادثة فرصة لتصحيح كثير من الأخطاء التي بعضها كانت نتيجة للظروف التي تمر بها تعز منذ عشر سنوات من الحرب والحصار، وفيها ظروف صعبة، وقد قطعت شوطًا كبيرًا خاصة في الجانب الأمني والجانب العسكري لكي نكون واقعيين، لكن تبقى هناك قصور وتبقى هناك اختلالات".

وزاد: "دم الشهيدة إفتهان يجب ألا يتحوّل إلى وسيلة للتوظيف السياسي والشحن السلبي، التي ستكون النتيجة ضد تعز، هذه ظاهرة خطيرة. الأصل أن يتحد أبناء تعز ويتحد المطلب دون تشتيت لهذه المطالب، ويحاصر أي توظيف سياسي يحرف مسار القضية".

وقال: "التوظيفات السياسية هي دائمًا ما تضيع حق الضحية عندما تتحوّل إلى توظيفات مناطقية أو غير ذلك، وهذا أمر خطير، وأبناء تعز كلهم مسؤولون عن قطع هذه الطريق، وفي مقدمتهم الأحزاب السياسية والإعلاميون والمثقفون".

-تعز مهددة بالسقوط

يقول الصحفي أحمد شوقي: "الإشكالية الآن تكمن في المجرمين الذين ينتمون إلى وحدات عسكرية، أو يعتبرون عسكريين، وهم ليسوا بعسكريين، وليسوا بمقاومين، ولا لهم دور حقيقي في هذه المعركة، ولكن للأسف هناك عصبيات وشلل تحميهم، وهؤلاء المجرمون يقبعون في مربعات سكنية، وفي مناطق توجد فيها وحدات عسكرية، وهناك شلل ومجموعات عصبوية تقوم بحمايتهم".

وأضاف: "هؤلاء هم المجرمون الأكثر وحشية والأكثر تحديًا للناس وللسلطة وللجيش ولقيادتهم".

وأردف: "أنا أريد أن أقول إنه في أحد الألوية لا يجرؤ قائد اللواء أن يتخذ إجراءً ضد أفراده؛ لأن منزله يحاصر؛ لأنه يُطلَق عليه الرصاص".

وتابع: "المشهد في تعز أصبح -مع الأسف الشديد- الآن في حالة تناقضات، في حالة تشظٍ داخل حتى بنية السلطة، والبنى الرئيسية الموجودة في المحافظة؛ نتيجة الأخطاء والمشاكل التي تراكمت ولم يتم معالجتها، وكان هناك تباهٍ بإنجازات أمنية وإدارة الأمن هي الجدار القصير في كل هذا الصراع".

واستطرد: "أنا ضد أن تحمل إدارة الأمن كل هذا العبء؛ لأن إدارة الأمن هي شرطة مدنية قدراتها تتلخص في ملاحقة المجرمين المدنيين الذين ليس لديهم سلاح، الذين ليسوا منظمين في إطار مجموعات عسكرية".

وزاد: "القيادات العسكرية بدرجة أساسية-وليعذروني أصدقائي- هؤلاء هم المسؤولون؛ لأن قيادة المحور هي المشرفة على كل الألوية، ويجب أن تلزم قيادات الألوية بتسليم المطلوبين الأمنيين القابعين في مربعاتها".

وقال: "الشرطة العسكرية مسؤولة، النيابة العسكرية مسؤولة بدرجة أساسية، أما إدارة الأمن والأمن السياسي والأمن القومي فيمكن أن تتعاون مع الأجهزة العسكرية في عملية رصد هؤلاء المطلوبين ومتابعتهم، وإعطاء معلومات، لكن تسليم هؤلاء المطلوبين هو بيد الأجهزة العسكرية، ينبغي أنها هي من تواجههم؛ لأن الأمن لا يستطيع أن يحرّك أطقم؛ لديهم مضادات طيران، يروحوا يواجهوا جماعات معهم صواريخ حرارية وأسلحة متوسطة وثقيلة".

وأضاف: "إلى اليوم لم يوضع حل لهذه المسألة، وهذا الملف متراكم من سنوات"، مشيرًا إلى أن "التفكيك الممنهج لهيبة الدولة يبدأ من عدم ضبط الوضع الأمني، فالدول منذ فجر التاريخ أول وظيفة لها في العصر القديم هي ضبط الأمن".

وتابع: "اليوم -على سبيل المثال- كان هناك رغبة في رفع الاعتصام وجاءوا إخواننا المهمشون استلقوا على الأرض، ورفضوا أن يرفعوا هذا الاعتصام، ولا يستطيع الأمن أن يحرّك ساكنًا، ولا حتى أن يقمعهم، لماذا؟ لأنه لم يعد يكتسب شرعية القمع، حتى مشروعية امتلاك العنف تجاه ما يعتقد أنه قطع للشوارع مثلاً، هذه لا تمتلكها الآن السلطات؛ لأنها لم تضبط المجرمين والمطلوبين أمنياً".

وأردف: "أريد أن أسجل هنا أن هذا الاعتصام لأول مرة ربما منذ تاريخ اليمن القديم والحديث يبدأ بعمل مظاهرة، بعمل انتفاضة المهمشين، الذين هم يقعون في أدنى السلم الاجتماعي، وهؤلاء هم يقودون عملية التحرّك داخل المحافظة، وبعدهم تأتي النساء، وبعدهم يأتي بقية الأطراف الأخرى".

وزاد: "في هذه الحالة كل الملفات سوف تستغل، وكل الأطراف سوف تتدخل، بل وأنا أتوقع الوضع اليوم الحاصل الآن، أريد أن يعي إخواننا في قيادة المحور ونحن معهم، وأن يعي إخواننا من القوى السياسية ونحن معهم، وندعمهم وناصحين لهم بأن يعوا أن الوضع الآن أصبح خطيرًا جدًا ومهددًا بالانفجار".

وأشار إلى أن "محافظة تعز اليوم في حال عدم إجراء تغييرات حقيقية داخل بنية الجيش والأمن والانحناء لهذه العاصفة، التي تتفاقم يومًا بعد يوم، سوف تسقط، وهذا السقوط -مع الأسف الشديد- سيكون نتيجة صدام داخل المحافظة، وهذا نحن لا نريده، وبالتالي ينبغي تسليم هؤلاء القتلة والمطلوبين أمنيًا، وتطهير المربّعات التي يتواجد فيها عناصر مطلوبة أمنيًا".

 

تقارير

شردهم القصف والإهمال.. ضحايا العدوان الإسرائيلي بلا مأوى

ما بين لحظة وأخرى، قد تلقى عائلة يمنية تعيش بسلام نفسها بلا مأوى ولا مُعين، بلا ذنب ارتكبته إلا أن الظروف جعلتها تعيش في إحدى المحافظات الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي التي أقحمت اليمن في حرب تفوق قدراتها، وتتلقّى فيها الضربات القاتلة التي دمّرت البنى التحتية، وزادت وضع المواطن تدهورًا.

تقارير

أمهات الأطفال ذوي الإعاقة بين ثقل الرعاية وغياب الدعم الأسري

منذ اللحظة التي اكتشفت فيها أن ابنها يُعاني من إعاقة ذهنية وهو في الثالثة من عمره، تغيّرت حياة "أم عمر" بالكامل. وجدت نفسها تحمل عبء الرعاية وحدها، بعد أن تنصّل الأب من المسؤولية وتركها تواجه رحلة طويلة من العلاج والتعب والدموع.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.