تقارير
تعدد السلطات والانتهاكات الداخلية والخارجية.. كيف يمكن حماية الصحفيين في اليمن؟
أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا جديدًا يكشف حجم الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في اليمن منذ اندلاع الحرب، متحدثًا عن الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، وحجب أكثر من 140 موقعًا إخباريًا، إضافة إلى السيطرة على مؤسسات إعلامية رسمية ونقابية.
المنظمة اختارت عنوانًا لتقريرها، مأخوذًا من شهادة صحفي، نقلًا عن أحد السجانين الحوثيين، الذي قال له: "نتقرب إلى الله بتعذيب الصحفيين".
تواجه الصحافة اليمنية حصارًا متعدد الأوجه، حيث تتحكم سلطات الأمر الواقع بالمؤسسات والمنابر، وحولتها إلى أدوات دعاية وتعبئة، وتتحكم بمصائر أصحاب الرأي والكلمة، فهم بين سجين أو مشرد، ومن فرضت عليه ظروفه البقاء ومحاولة مسايرة الظروف، فقد يجد نفسه تحت ركام ناتج عن قصف إسرائيلي، كما هو حال عدد كبير من الصحفيين الذين قتلوا في القصف الإسرائيلي الأخير على صنعاء.
هذا التداخل جعل المهنة تفقد الحد الأدنى من الحماية، ورسخ صورة الصحفي كهدف لدى الأطراف كافة، ما يضاعف أثر المأساة على المجتمع، الذي يُحرم من حقه في إعلام مسؤول حر وصادق.
- انتهاكات خطيرة
يقول مدير التواصل والمرافعة في منظمة هيومن رايتس ووتش، أحمد بن شمسي، إنّه منذ بدء النزاع في اليمن سنة 2014، ارتكب الحوثيون والسلطات الأخرى في اليمن، لا سيما المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية، انتهاكات حقوقية جسيمة ضد الصحفيين.
وأضاف: وفقًا للمنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين (صدى)، فإن نحو 63 صحفيًا قتلوا منذ اندلاع الحرب، وجميعهم ليسوا جراء عمليات حربية، لأن العديد من الصحفيين، على مدار السنوات، تعرضوا أيضًا لاغتيالات محتملة، ولم تُجرَ تحقيقات كافية لتحديد الجناة في معظم الحالات.
وتابع: على سبيل المثال، سنة 2016، قُتل الصحفي الاستقصائي "محمد عبده العبسي" نتيجة تسميمه بعد تحقيقه في قضايا فساد بقطاع النفط في اليمن، الذي قال إنه يشمل صلات بمسؤولين حوثيين، لكن لم يكن هناك تحقيق كافٍ لتحديد الجناة والمسؤولين.
وأردف: هناك أيضًا انتهاكات خطيرة رصدناها غير القتل، منها الاحتجاز التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، والمعاملة اللاإنسانية، والاستيلاء على مؤسسات إعلامية.
وزاد: هناك انتهاكات مباشرة بحق الصحفيين، وبحق المؤسسات الإعلامية، وكذلك حالات رصدناها عبر شهادات لتعذيب شديد في السجون، وهناك أوجه مختلفة من المعاملة السيئة جدًا، وكذلك الاعتقالات التعسفية، لا سيما في نقاط التفتيش، وحتى اعتقالات لأفراد من الأسرة لتخويف الصحفيين.
وقال: التقرير لديه معلومات كثيرة، وتتعلق بجميع أطراف النزاع، ونحن نشتغل على هذا التقرير منذ أكثر من سنة، وعندما انتهينا منه، قمنا بنشره، ولم يأتِ نشره ليتزامن مع أي حدث معين، نشرناه فقط لأن تقريرنا انتهى، كما هو الحال بالنسبة لتقاريرنا كلها.
وأضاف: تقاريرنا تقتضي القيام بعمليات عديدة من التأكد من المعلومات والاستجوابات، حيث قمنا بمقابلات مع 27 شخصًا، بينهم 16 صحفيًا، وحللنا صورًا ووثائق متعلقة بالقضايا التي حققنا فيها، بما في ذلك وثائق رسمية وقضائية، ولوائح الاتهام، وكل هذا يتخذ وقتًا، وعندما انتهينا، وكنا مستعدين، نشرنا تحقيقنا بكل وضوح.
وتابع: كل الفئات من الصحفيين تعرضوا للاعتقالات، سواء نساء أو رجال، ولا تختلف طريقة تحقيقنا سواء كان الأمر يتعلق بالنساء أو الرجال، لأننا نقوم بمقابلات مع أشخاص، سواء صحفيين بأنفسهم إن تم الإفراج عنهم، فيحكوا لنا عما وقع لهم، أو مع أقرباء أو محامين أو أشخاص يعرفونهم ولهم دراية مباشرة بالموضوع.
- الكارثة أكبر من أن تُحكى
يقول عضو الهيئة الإدارية لنقابة الصحفيين اليمنيين، نبيل الأسيدي: أنا قرأت تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، وهو أكثر من 51 صفحة، تقرير مميز، وأعتبره من أهم التقارير الحقوقية التي نُشرت في مجال الحريات الصحفية، وخاصة من منظمة هامة مثل هيومن رايتس ووتش.
وأضاف: كان هناك جهد، وأنا أعرف أنهم يعملون فيه منذ أكثر من عام، وكنت أحد الأشخاص الذين تم إجراء المقابلات معهم، وكانت مقابلة مطولة، لأكثر من ساعة، وهناك الكثير من المعلومات التي تم النقاش حولها والتأكد منها.
وتابع: من الأشياء المميزة في التقرير، أنه تناول كل أطراف الصراع بحيادية، مثلًا: انتهاكات الحوثيين، وانتهاكات الحكومة الشرعية، وانتهاكات المجلس الانتقالي، وهناك توصيفات كثيرة، ربما هي التوصيفات التي تستند إليها المنظمات الدولية، بما فيها نقابة الصحفيين اليمنيين، في نوعية الانتهاكات وأعدادها.
وأردف: للأسف الشديد، الكارثة في اليمن أكبر من أن تُحكى، أو أن تُرصد في تقرير معين، ونحن خلال عشر سنوات، نعاني من الحرب، ومن سلسلة طويلة من الانتهاكات التي لم تعرفها اليمن منذ فترات طويلة.
وزاد: التقرير أيضًا أشار إلى كثير من النقاط المهمة، بما فيها العوائق المهنية، أو العوائق التشريعية، مثل: محاكمات الصحفيين.
وقال: الحوثيون تقريبًا أصدروا ستة أحكام بالإعدام على صحفيين، وما زالت هذه الأحكام حتى الآن معلقة، وهناك أيضًا رفض لأوامر القضاء، حيث هناك ربما 12 قضية في مناطق سيطرة الحوثيين، وأيضًا في مناطق سيطرة المجلس الانتقالي، وفي محافظة حضرموت.
وأضاف: التقرير ذكر بعض الأمور التي تدل على دقته، حيث ذكر أن سلطة الحوثيين عمدت إلى إصدار لوائح لتبرير جرائمها، وبالتالي سوف تنكر هذه الانتهاكات.
- رمزية خطيرة
يقول رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، توفيق الحميدي: إن الصحفيين في اليمن لم يعودوا مجرد ناقلين للأخبار فقط، بل تحولوا إلى خصوم مشتركين لجميع أطراف الحرب.
وأضاف: التقرير الأخير هو في الحقيقة كشف جزءًا من معاناة الصحفيين الممنهجة، التي تُرتكب من قبل جميع أطراف الصراع، مع وجود فارق بين النسب من طرف إلى آخر.
وتابع: الانتهاكات هي أكبر من التي يتم تداولها بصورة يومية، وإنما تذهب إلى عملية إخضاع ممنهجة، بما فيها عملية إخضاع القوانين واللوائح والتشريعات، لأن الأطراف الموجودة في اليمن تنظر إلى الصحفيين بأنهم جزء من المعركة، ويتخذون من كل الصحفيين أعداء لهم إذا لم يكونوا في صفهم.
وأردف: عنوان تقرير هيومن رايتس ووتش، "نتقرب إلى الله بتعذيبكم"، يحمل رمزية خطيرة، في كيفية استخدام الدين اليوم كغطاء للتعذيب، وعميلة تديين الانتهاكات، أي تحويل العنف إلى عبادة.
وزاد: ما يضاعف خطورة الأمر أن تصبح الممارسات التي يرتكبها السجانون والأتباع ضد الصحفيين، سواء كان تعذيبًا أو إخفاءً أو نهبًا أو قتلًا، نوعًا من العبادة، بل تصبح جزءًا من هويتهم الدينية، بحسب خطاب زعيمهم في عام 2015، بأن الصحفيين أشد خطورة من الأعداء الآخرين.