تقارير
بين قصف الاحتلال ومقامرة ميليشيا الحوثي.. اليمن ضحية مزدوجة
تواصل ميليشيا الحوثي تحويل اليمن إلى منصة صواريخ وساحة صراع مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وفي خدمة إيران، مما يعرّض ملايين المدنيين لمزيد من العزلة والخطر، في بلد مثقل بالميليشيات والحروب الداخلية والخارجية.
أكثر من عشر غارات إسرائيلية متتالية شنّها طيران الاحتلال مساء أمس الثلاثاء على ميناء الحُديدة، في تصعيد يهدف إلى تعطيل الميناء ومنع استخدامه من قبل ميليشيا الحوثي، كما يقول إعلام الكيان الصهيوني.
يأتي هذا الاستهداف بعد يوم واحد فقط من القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة، مما يعيد طرح السؤال حول جدوى هذه القمم وقدرتها على ردع غطرسة الاحتلال أو حماية أي من العواصم والمدن العربية.
- اليمن ضحية مزدوجة
يقول الصحفي والناشط السياسي وديع عطاء إن اليمنيين يتلقون هذه الضربات من العدوان الصهيوني على مرأى من الأمة العربية والإسلامية، وبعد ساعات من انعقاد قمة عربية وإسلامية ضمّت 57 زعيمًا عربيًا وإسلاميًا.
وأضاف: حالة الانقسام السياسي الحاصل في اليمن تجعل هناك موقفين؛ طرف يلتزم الصمت لحسابات سياسية، وهي غير مقبولة أخلاقيًا وإنسانيًا، وطرف آخر يستثمر هذه الآلام سياسيًا وإنسانيًا في ملف فلسطين ليبدو كأنه لا يُبالي بحياة اليمنيين وأمنهم. وفي النهاية، المدنيون هم من يدفعون ثمن هذا الخلل.
وتابع: هناك ألم حقيقي لدى اليمنيين الذين طالما وقفوا مع كل الشعوب العربية والإسلامية، واليوم يُتركون كاليتامى، بينما لم تذكرهم القمة العربية الإسلامية إلا بإشارات عابرة.
وأردف: نحن بحاجة إلى مسؤولين يحترمون الذات اليمنية ويعيدون تعريف قيمتها. فمن يهن يسهل الهوان عليه.
وزاد: الحوثيون يحاولون أن يلبسوا ثوب الدولة عبر استخدام مؤسساتها التي سيطروا عليها بانقلابهم في 2014، لكن سلوكهم يظل سلوك ميليشيا. هم يستغلون قضايا مثل قضية فلسطين لحشد الشارع وتجييش العواطف، ورغم ممارساتهم الإرهابية في الداخل، إلا أن استغلالهم قضية فلسطين ومواجهة إسرائيل، في ظل خفوت دور الدول العربية، يجعلهم يبدون في مظهر إنساني.
وقال: الحوثي يتحمّل مسؤولية مباشرة عن استدعاء القصف الإسرائيلي. ونحن نتحسر عندما نرى مقدرات الدولة كمطار صنعاء وميناء الحُديدة تُدمّر، بينما لا تُبالي قيادة الحوثي بالثمن الذي يدفعه اليمنيون، وتتاجر باسم غزة وبأوجاع اليمنيين وخسائرهم التي سندفع ثمنها لعقود قادمة.
وأضاف: اليمن اليوم ضحية مزدوجة بين ظلم الحوثي وقصف إسرائيل، وكذلك ضعف الشرعية التي لا تستطيع نصرة مواطنيها. وأزمتنا تاريخيًا هي أزمة قيادة، سواء القيادات الحوثية التي تسيطر بالقمع، أو قيادات الشرعية التي يبدو عليها الهوان النفسي والأخلاقي.
وتابع: نحن بحاجة لمن يعيد تعريف الشخصية اليمنية وقيمتها.
- الضربات تُضعف الدولة
يقول المحلل العسكري الدكتور علي الذهب إن الضربات الإسرائيلية تطال البنية التحتية والأصول الاستراتيجية الحكومية الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وتبرّر إسرائيل ضربها للموانئ بأنها مداخل للمعدات العسكرية وموارد مالية تدعم الحوثيين، لكن في الوقت نفسه هناك بعد استراتيجي أيضًا يتمثل في تقويض قدرات أحد أقوى عناصر "محور المقاومة" (محور إيران) ومحاولة إخراجه من ساحة المواجهة، حتى وإن كان دوره محدودًا.
وأضاف: هذه الضربات تضعف الدولة اليمنية، سواء كانت هذه الدولة مختطفة بيد الحوثيين، أو يتجاهلها المجتمع الدولي، والحكومة اليمنية التي لم تحرّك ساكنًا في هذا الخصوص.
وأكد أن هناك أبعادًا محلية وخارجية؛ فإسرائيل استهدفت المطارات والموانئ ومصانع الأسمنت في عمران وباجل، ومصادر إنتاج الطاقة، وكل هذا من شأنه أن يكون تهيئة لمواجهة قادمة على المستوى الإقليمي، وبالتالي إخراج الحوثيين من ساحة هذه المواجهة.
وتابع: إسرائيل لا تكترث للأضرار الجانبية أو المدنيين، ومثال غزة واضح، حيث يتم تسوية المباني بالتراب، بالتعاون مع الولايات المتحدة، وعلى مدار ستة عقود وهي ماضية في هذا الاتجاه.
وأردف: أعتقد أن ما يجري هو بعلم المجتمع الدولي، لأن إسرائيل ليست وحدها بهذه الإمكانيات الجبارة؛ فهي تحارب في أكثر من خمس جبهات، حيث تضرب في الخليج، وتضرب إيران وحزب الله، والآن تضرب في اليمن، ومن ثم في غزة على نحو أكثر من عامين، وفي الوقت نفسه لا تزال تتوعد دولًا عربية أخرى، من بينها العراق وسوريا ومصر.
وزاد: في كل الأحوال، هذه الأضرار ستطال اليمنيين، لكن يبدو أن هناك قصورًا ملحوظًا في أداء الموانئ الأخرى التي يمكن أن تُغطّي الفجوات الناشئة عن هذه المسألة؛ فالموانئ التي خرجت عن سيطرة ميليشيا الحوثي ذهب معظم ثقلها التجاري باتجاه الموانئ الجنوبية والشرقية، فضلًا عن الطريق الممتد بين عمان والخليج مرورًا بالجوف.
وقال: الضربات التي استهدفت منطقة الحزم بالجوف كانت في مجملها عسكرية وسياسية، لكنها أيضًا ضربات استهدفت إحدى مناطق عبور تهريب السلاح للحوثيين.
وأضاف: تكتيكات الحوثي (المسيّرات والصواريخ) ليست كافية لردع إسرائيل، بل هي ذريعة لتوسيع تدخلها وخلق مبررات أقوى لضرب الأصول الاستراتيجية في اليمن.
وتابع: تأثير الحوثيين التدميري محدود، وإسرائيل لا ترد إلا على الهجمات الحوثية المؤثرة، والحوثيون يوظفون هذا التأثير المحدود لتجميل صورتهم التي شوهوها بأفعالهم الداخلية.