مقالات

"26 سبتمبر" حضور دائم ومتجدد

07/10/2023, 12:23:26

لكل شعوب العالم أيام وأعياد وطنية. واليوم الوطني في اليمن هو يوم الـ26 من سبتمبر؛ فهو اليوم الذي أخرج اليمن من الظلمات إلى النور، وأسس للمواطنة بديلاً عن الرعية، ومثَّل بداية الكفاح الوطني ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب، وفتح الأبواب أمام رياح التغيير والتقدّم والحداثة.

وضعت ثورة 26 سبتمبر اللبنات الأساس للدولة الوطنية، ونشرت التعليم الحديث في مختلف مناطق الجمهورية العربية اليمنية، وسعت لبناء جيش وطني حديث، وبناء اقتصادي، وتنمية وعدالة وإدارة عصرية، وارتباط بالأمّة العربية والعالم، وقد شنّت حروب على مدى سبع سنوات ضد الثورة والجمهورية، وضد النجدة القومية للثورة المصرية.

استقلال الجنوب في الثلاثين من نوفمبر 1967، وكسر حصار السبعين يوما عن صنعاء، مثل انتصارا لثورة 26 سبتمبر، وثورة 14 أكتوبر 1963 - الإنجاز القومي لليمن شمالاً وجنوبًا، وحققت الثورة اليمنية إنجازات اقتصادية واجتماعية وثقافية مهمة رغم الحروب الكثيرة من قِبل الرجعيات العربية والاستعمار، إلا أن الصراعات الداخلية داخل كل شطر، وبين الشمال والجنوب، كانت الثغرة، بل البوابة الكبرى التي ولج منها أعداء اليمن والثورة والجمهورية، وكانت حرب 1994، والحرب الحالية أخطر الحروب وأبشعها.

اعتاد اليمنيون شمالاً وجنوبًا الاحتفاء بعيد الثورتين: سبتمبر، وأكتوبر، ولكن الاحتفال بالعيد الواحد والستين في اليمن له مذاق خاص، ودلالة مختلفة.

ربما اعتقد أعداء الثورة اليمنية أن سبتمبر قد مات وشبع موتًا، وربما توهم أنصار الله (الحوثيون) أن يومهم، يوم 21 من سبتمبر، هو البديل للسادس والعشرين من سبتمبر، غير مدركين أن يوم 26 سبتمبر يخص الملايين من أيناء الشعب لم يكونوا قبله إلا رعية مذلة ومهانة يعمل فلاحوهم، وهم الغالبية العظمى، كأقنان، ويعيش العمال في المهاجر كأجراء؛ فلا ضمانات، ولا تأهيل، ولا كفاءة، ولا رعاية دولة، والشعب كله رعية للإمام، والأمية تتجاوز الـ 90 %، والمتوكلية كلها شديدة التخلف يتسيدها الفقر والمرض، وهي مقطوعة الصلة بالعالم.

كان هذا اليوم بداية المواطنة والتاريخ الحديث، وتجلي الإرادة الوطنية العامة. كان التمرد محدودًا، وفي مناطق قبلية معينة، وكان يمكن حسمه، ولكن التدخل البريطاني والسعودي أسهم في توسيعه، ومده بالمال والسلاح، وبعشرات المرتزقة: بريطانيين، وأمريكان، وفرنسيين، وبلجيك، وأسهمت إسرائيل بإنزال السلاح للملكيين، وكانت النجدة القومية المصرية قوية وداعمة، ولكن كبار الضباط تحالفوا مع مشايخ الضمان وكبار الضباط اليمنيين، وعملوا على التدخل السلبي في الشأن الداخلي، وحصل ما يشبه التواطؤ بين القادة المصريين، وبين السعودية والإدارة الاستعمارية البريطانية على توسيع نطاق الحرب، ومدها إلى المناطق المجمهرة، وتشجيع النعرات الطائفية والمناطقية، وفرضوا الدمج القسري على القيادة القومية في ثورة الرابع عشر من أكتوبر، ودأبوا على نقل الصراع بين القاهرة ودمشق وبغداد إلى اليمن.  

تحقيق استقلال الجنوب في الثلاثين من نوفمبر 1967، وكسر الحصار على صنعاء في الـ7 من فبراير 1968 كان ذروة انتصار الثورة اليمنية، وبدون إغفال التدخل الرجعي والاستعماري، فإن صراعات القيادات اليمنية في السلطة وعليها هي التي أودت بالثورتين: سبتمبر، وأكتوبر. فالصراعات داخل كل شطر على حدة، ثم الصراعات بين الشطرين: أغسطس 68 في صنعاء، و13 يناير 1986 في عدن، وحروب الوسطى في الشمال، وحربا 1972، و1979 بين صنعاء وعدن - كلها مساءلة عن دمار الثورة اليمنية.  

حرب 1994 اتخذت طابع الثأر القبلي ضد الوحدة اليمنية، وضد الجنوب، وضد الرابع عشر من أكتوبر وإنجازاتها، وكان الرد هو ثورة الربيع العربي السلمية والديمقراطية في 2011 التي مثلت التمييز الواضح بين نهج الحرب والسلم.

دمار الحضارة اليمنية والكيان اليمني والدولة اليمنية اضطلعت به الحروب، وارتبط بناء الحضارة وازدهار اليمن واستقرارها بعهود السلام. نهجا الحرب والسلام يسمان التاريخ اليمني كله، والعصبيات القبلية القوية كانت عائقًا أمام بناء الدولة، وضدًا على السلام والاستقرار.

حرب التسع سنوات الحالية تطور نوعي في الحروب، ولكنها ليست معزولة عن حرب الجمهورية والملكية، وعن تجارة الحروب والارتزاق منها، والحكم بها والاحتكام إليها.

يتجلى النهج القديم الجديد بين نهج الحرب، وخيار السلام. في الماضي كانت القوى المعادية للتمدن والتحضر والدولة هي من يشعل الحروب، وفي العصر الحديث كان قادة الحروب ضد الثورة والجمهورية هم من أشعل الصراعات الكالحة داخل ثورتي سبتمبر، وأكتوبر، وهم من انقلب على ثورة الربيع العربي، وأشعلوا الحرب الحالية، وهي أخطر الحروب على الإطلاق؛ لأنها عمت اليمن كلها، وجرت الصراع الإقليمي والدولي إلى الداخل اليمني، وجعلت من اليمن أسوأ كارثة على وجه الأرض.

كان الاحتفاء بالعيد الوطني بهيجًا وقويًا في عموم اليمن، ولم يكن مجرد تذكير بالماضي، وإنما رد على الحرب، وتحدٍ ورفض لها، ولحالة اللاسلم واللاحرب، ورفضًا للعودة باليمن إلى ما قبل عصر السادس والعشرين من سبتمبر، والرابع عشر من أكتوبر، وخرج الشعب بالأعلام الجمهورية، واحتشدوا في المدن والأرياف، خصوصًا في صنعاء وإب والحديدة.

تعرض الشباب والشابات للاعتداء والضرب والإهانة، وتمزيق الأعلام ودوسها بالأقدام، واعتقل العشرات والمئات في عاصمة الثورة والجمهورية والوحدة، ولا يزال المعتقلون في السجون أكثر من ألف معتقل، وتعرض بعضهم للطعن والضرب المبرح.

المتحاربون عجزوا عن الحسم العسكري، والاستعصاء السياسي يبقي حالة اللاحرب واللاسلم، والخشية أن يخرج الحل من يد الإقليم كما خرج من يد المتحاربين في اليمن.

الأمريكان، ومعهم البريطانيون في الرباعية الدولية، يتخذون من الحرب في اليمن وعليها نهجًا لتدمير الكيان اليمني، وتمزيقه وإعادته إلى مكوناته الأولى. والحرب أيضًا وسيلة لإعلان تطبيع السعودية مع إسرائيل، والحد من طموحها في الاصطلاح مع جوارها الإيراني، وعلاقتها مع الصين وروسيا، وتستخدم الإمارات المتطرفين في المليشيات الحوثية، والانتقالي، وقادة الحروب، ودعاة الهوية الإيمانية كمائن لإعاقة وقف دائم وشامل للحرب، وللحيلولة دون التصالح الوطني والمجتمعي في اليمن، ويفضلون استمرار نهج الحرب، وفي الحد الأدنى الإبقاء على حالة اللاحرب واللاسلم، والعمل على إعاقة الحل السياسي، وبقاء اليمن متحاربة ومفككة شأن المنطقة العربية كلها.

النهوض الشعبي في الاحتفاء بالعيد الوطني الواحد والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر رسالة مفتوحة لأعداء الثورة قبل أبنائها بأن المعاني العظيمة للثورة ما تزال حاضرة وحية ومتجددة، وأن جيل الربيع العربي في اليمن هو الامتداد الخلاق للثورة اليمنية، وما زال حيًا يتلو: إذا الشعب يومًا أراد الحياة.

مقالات

هذه البصمة وهذا الإنجاز

بعد غياب دام أكثر من عشر سنين، عن مدينة الطفولة والتعليم الأساسي؛ مدينة تعز، وأثناء طوافي القصير خلال إجازة العيد في أحياء مدينة تعز، شد انتباهي واستوقفني هذا الصرح العلمي، الذي ينتصب في "مديرية المظفر"؛ الذي اُستكمل إنشاؤه وتجهيزه مؤخرا؛ وهو عبارة عن "مدرسة أساسية وثانوية للصم والبكم

مقالات

عن الكتابة

تاريخ الكتابة هو محاولات مستمرة لتجاوز الهوة الفاصلة بين الإحساس الحقيقي والنص المكتوب. كل المشاعر الحقيقية هي في الواقع غير قابلة للترجمة.

مقالات

حكاية الكافرة شجون ناشر (1-2)

في "سنة الجُدَري"، شاع الخبر في "قرية العكابر" بأن شُجُوْن ناشر كفرت بربّها، ودخل الشك إلى قلبها، وتوقفت عن الصلاة، وبدلاً من أن تصلي صارت تغنِّي، وأصبح الغناء صلاتها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.