مقالات

نظرة في كتاب قراءة نقدية في كتابات ناصرية.. حوار مع هيكل وعكاشة

30/11/2023, 14:13:31

الدكتور عبد العظيم أنيس علمٌ من أعلام الفكر واليسار الماركسي المصري، وعالمٌ كبير، ومثقفٌ من أبرز مؤسسي الثقافة الحديثة في مصر، وعلى المستوى العربي، وهو عالم رياضيات، له باع طويل في التعليم، وكتب وإصدارات متعددة : التعليم وتحديات الهوية القومية. · التعليم والحضارة. · مقدمة في علم الرياضيات. · التعليم في زمن الانفتاح. · إصلاح التعليم أم مزيد من التدهور؟ · أدباء وعلماء ومفكرون. وله غير ذلك مؤلفات وأبحاث في مجالات شتى.

 ولعل كتاب « في الثقافة المصرية»؛ الكتاب الذي ألفه مع رفيقه الأستاذ الجليل محمود أمين العالم قد أثار ضجةً كبيرة، لا في مصر وحدها، وإنما في المنطقة العربية أيضًا، ومثَّل حالة الصراع بين القديم، والجديد في الحياة الأدبية والثقافية في مصر. 

فالكتاب المهم رد على عميد الأدب العربي طه حسين صاحب كتاب «ثقافتنا المصرية»، ورد أيضًا على كتابات الأستاذ عباس العقاد، وقد رد عليهما طه حسين في «يوناني لا يقرأ»؛ أما العقاد، فقد راح يتهمها بالشيوعية، وكان الكتاب معركة حقيقية بين جيلين في مصر والمنطقة العربية. 

 «قراءة نقدية في كتابات ناصرية.. حوار مع هيكل وعكاشة»، يقع الكتاب الصغير حجمًا، الكبير معنىً، الغزير علمًا، والعميق معرفة، وسعة اطلاع- في 68 صفحة، قطع متوسط.

 في المقدمة يتناول ظهور العديد من الكتب التي تتعلق بأحداث المرحلة الناصرية بأقلام ناصريين، وبعضها- كما يشير- أخذ شكل مذكرات، وقد تركزت على ميدان معين، مثل الثقافة؛ كما فعل ثروت عكاشة، أو الميدان العسكري؛ كما فعل الفريق محمد فوزي، أو السياسة العربية؛ كما فعل محمود رياض.

 ثم يشير إلى أن هناك كتبًا أخرى لنفس المرحلة؛ ربما كانت فيها كتب محمد حسنين هيكل أهمها جميعًا، وأكثرها جدارة بالحفاوة والتعليق؛ معللاً ذلك بقرب الرجل من عبد الناصر طوال المرحلة الناصرية، وما لعبه هيكل من دور؛ فضلاً عن توفر مقدار ضخم من الوثائق المصرية عن تلك المرحلة: «ملفات السويس»، «سنوات الغليان»؛ الكتابين الأخيرين لهيكل. 

 ومع كل الأهمية التي يعلقها على كتبه؛ فإنه لا يعتبرها الكلمة النهائية، معتبرًا إياها وجهة نظر ناصرية هامة في مغزى تلك الأحداث، مدعومة بوثائق لم يسبق نشرها من قبل؛ ناصحًا الاقتراب قدر الإمكان من الأحداث، ملاحظًا أن تكون العواطف قد هدأت أو اختفت. 

 وهذا كلام يكتبه الدكتور أنيس قبل أكثر من ربع قرن، أما الأوضاع اليوم، فمختلفة تمامًا، ولا ينبغي اجترار صراعات الماضي من خلافات شبعت موتًا؛ إذ لا بد من قراءة الماضي بعيون الحاضر والمستقبل.

 يرى المفكر أنيس أن فهم السياسة الخارجية والعربية يبدو صعبًا، وأحيانًا مستحيلاً دون بحث تطورات السياسة الداخلية في مراحلها المختلفة؛ ولعل هذا من سلبيات كتب هيكل التي تركز على القضايا العربية أو الخارجية دون أن يعطي عناية مماثلة للآليات السياسية الداخلية وتحدياتها، ولا يعفي هيكل من هذا النقد أنه في موقعه القديم كان أكثر اهتمامًا ومسئولية بالقضايا العربية والخارجية منه بالقضايا الداخلية؛ 

فما دام تصدى للكتابة عن تاريخ تلك المرحلة، كان من الضروري التعرض- من أجل مزيد من الفهم والضوء- لذلك الجانب. (المقدمة، ص 6). وفي حين يرى أن الأثر الموضوعي لقيادة عبد الناصر كان إيجابيًا بشكل عام، إلا أنه يرى أيضًا أن سجل الأخطاء السياسية ليس بسيطًا، خصوصًا أن الأمور انتهت بهزيمة 1967؛ ما يجعل بحث الأخطاء مسألة على جانب عظيم من الأهمية.

 ويؤكد أن الكثير من الكتابات الناصرية قد تعرضت لقضية الأخطاء والدروس، تم تناول بعضها في إسهاب؛ كما فعل عكاشة؛ مشيرًا أن كتاب هيكل الأخير يمضي سريعًا على هذه القضايا، أو لا يتعرض لها إطلاقًا. (ص 6). ويقرأ الباحث أحداث 1958- 1963، بدءًا من قضية الوحدة المصرية- السورية، ثم الصراع المدمر بين نظامين وطنين: نظام عبد الناصر، وقاسم في العراق؛ وما نجم عنه من مآسي، وانتهاء بالانفصال، كما يتناول الثورة اليمنية، وثورة الجزائر.

 ويرى أن هيكل لا يريد مواجهة مشكلة الوحدة العربية، وخطأ التصور الناصري من الوحدة الاندماجية، وعن إمكانية القفز فوق الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الموضوعية بين البلدان العربية المختلفة ذات الأسواق والمصالح المتباينة؛ وهو خطأ تورط فيه عبد الناصر تحت تأثير الفكر القومي والبعثي التقليدي آنذاك، وإن كان العديد من القوميين والبعثيين قد تخلوا عنه. 

 ويشير إلى رفض الوحدة الفدرالية، ويرى في تحققها بين ج. ع. م، والعراق- فيما لو تمت-؛ لمثلث نقلة أساسية في الوضع العربي؛ ولجعلت كارثة 1967 شبه مستحيلة. (ص 6، بقدر من التصرف).

 ويأتي على إنكار البعد الوطني لصالح البعد القومي، وإساءة ذلك لحركة التحرر الوطني، وتضييعه على الشعب الفلسطيني فرصًا تاريخية، وأدى إلى انقسام حاد بين حركة التحرر العربي والأحزاب الشيوعية العربية من جانب، وبين القوميين العرب والبعث من جانب آخر، ويؤكد على توحد هذه الفصائل في العديد من المواقف. 

 ويمثل لذلك بطرد جلوب من الأردن، والعدوان الثلاثي على مصر، ومشروع إيزنهاور، والتهديد التركي لسوريا في خريف 1957 حتى وقوع الوحدة المصرية- السورية، وبداية الخلاف. ويشير إلى صدور العديد من الإصدارات عن تلك المرحلة، ويتصور أن يكون هيكل قد استفاد منها كما استفاد من التعامل مع الغرب، أو مع الاتحاد السوفيتي.

 ويجزم أن عداء هيكل للفكر الشيوعي والشيوعيين العرب يبدو من خلال كتاب «سنوات الغليان» في قمته، ويرى أن اتهامات الشيوعيين العرب في الكتاب مذهلة، وبعيدة عن الإنصاف: أعداء القومية العربية والوحدة، عملاء لموسكو. وكان الكتاب قد كتب عام 1959، وليس 1989.  ويرى أن هيكل قد ردد معلومات عن أوضاع سوريا والعراق؛ إما غير صحيحة أصلاً، أو غير دقيقة. 

ويعلل الباحث ذلك باعتماد هيكل على تقارير المخابرات المصرية مشككًا فيها. ويدلل بقضية فرج الله الحلو الذي اعتقل وعذب في دمشق وأذيب في أحماض، وكان حينها الأمين العام للحزب الشيوعي السوري اللبناني؛ مؤكدًا أن هيكل لو اهتم بالاطلاع على قرار الاتهام الذي أصدره القضاء العسكري في يونيو 1962 في حق ضباط المباحث السورية الذين ارتكبوا الجريمة، وأنه لو اطلع على التحقيق؛ لما تورط في ترديد القصة المزيفة من أن فرج الله الحلو قد مات قبل الوحدة بسنتين، ونُعِي في الصحف اللبنانية.

كما يتناول المعلومات الخاصة بالعراق إبَّان الصراع بين قاسم، وعارف- رجل عبد الناصر في بغداد، وينتقد الأستاذ هيكل في التورط في معلومات كاذبة، أو غير دقيقة.  ويرى أن تصحيح المعلومات والوقائع الواردة في الكتاب تحتاج إلى كتاب، ويشير إلى أنه سيأتي على بعض الأمور الواردة في الكتاب، ويذكر منها التلميح إلى أن عارف- القائد الفعلي لثورة تموز، وليس عبد الكريم قاسم؛ مدللاً بالعديد من المذكرات العراقية، وبما كتبه هويدي السفير حينها في العراق، وأن ما أورده الأستاذ هيكل عن ثورة الشواف في الموصل غير دقيق، أو غير صحيح أصلاً؛ فالشواف- شيخ عشائر شمر، تضررت مصالحه كإقطاعي من الإصلاح الزراعي، وكان على علاقة بالمخابرات السورية. 

 ويتهم الباحث الأستاذ هيكل بعدم التدقيق في مصادره، ويورد قصة زعيم الحزب الشيوعي العراقي؛ حيث يقول هيكل إنه عبد القادر إسماعيل؛ مع أن عبد القادر لم يكن زعيمًا للحزب، ولا عضوًا في المكتب السياسي، وأن الأمين العام للحزب هو حسين رضوي الذي اشتهر باسم «سلام عادل»، وأعدم في العراق. 

ويرى الدكتور عبد العظيم أن أضعف أجزاء الكتاب «سنوات الغليان» تلك التي تتناول أوضاع سوريا والعراق إبَّان تلك المرحلة؛ لاعتماده على تقارير أجهزة الأمن، ولم يدقق في تلك الوقائع. ويشير إلى أنه يُكِنُّ لهيكل- من الناحية الشخصية- كل تقدير، وأنه قد تردد طويلاً في الرد على هيكل لاعتبارات سياسية، ولكنه رأى أن تقديم وجهة النظر الأخرى ضرورية.

 ويشير عبد العظيم إلى مقالات له نشرها في «الأهالي» عن ملفات السويس، بالإضافة إلى تعليقات على مذكرات عكاشة؛ داعيًا إلى حوار نتحرر فيه- كما يقول- من أوهام الماضي، ونتعاون فيه جميعًا لوضع أيدينا على أخطاء، ودروس الماضي، نأمل أن تستفيد منه حركة التحرر العربي في حاضرها ومستقبلها. وقفت بالقراءة عند المقدمة؛ لأن الكتاب يتناول «سنوات الغليان»، وقد ضَمَّنَ الباحثُ المقدمةَ نقاط الخلاف، وقضايا الصراع في حركة التحرر العربية في الماضي، ولا تزال تُلقي بظلالها وآثارها الممتدة على حياتنا العامة، ولها قراءة أخرى.

مقالات

هذه البصمة وهذا الإنجاز

بعد غياب دام أكثر من عشر سنين، عن مدينة الطفولة والتعليم الأساسي؛ مدينة تعز، وأثناء طوافي القصير خلال إجازة العيد في أحياء مدينة تعز، شد انتباهي واستوقفني هذا الصرح العلمي، الذي ينتصب في "مديرية المظفر"؛ الذي اُستكمل إنشاؤه وتجهيزه مؤخرا؛ وهو عبارة عن "مدرسة أساسية وثانوية للصم والبكم

مقالات

عن الكتابة

تاريخ الكتابة هو محاولات مستمرة لتجاوز الهوة الفاصلة بين الإحساس الحقيقي والنص المكتوب. كل المشاعر الحقيقية هي في الواقع غير قابلة للترجمة.

مقالات

حكاية الكافرة شجون ناشر (1-2)

في "سنة الجُدَري"، شاع الخبر في "قرية العكابر" بأن شُجُوْن ناشر كفرت بربّها، ودخل الشك إلى قلبها، وتوقفت عن الصلاة، وبدلاً من أن تصلي صارت تغنِّي، وأصبح الغناء صلاتها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.