مقالات

ما بعد القمتين؟

18/09/2025, 11:51:58

في الرابع عشر والخامس عشر عُقِدت في الدوحة قمتان: عربية إسلامية، وقمة خليجية، كردٍّ على الهجوم الإسرائيلي على دولة قطر في التاسع من هذا الشهر.

قبل القمة العربية الإسلامية، والقمة الخليجية، عُقِد اجتماعٌ في مجلس الأمن، وصدر عنه بيان صحفي يُدين الجريمة، ولا يذكر الجاني (إسرائيل)!

بيان الأمم المتحدة الضعيف، وغير القادر على إدانة مُرتكب الجريمة، شاهدٌ على ضعف المجلس الأممي، وضعف المُطالبين من ضحايا العدوان.

ويبدو أن "قمة الدوحة" سارت على نهج الأمم المتحدة؛ فقد كرّرت الخطابات مفردات الإدانة: «الشجب»، و«التنديد»، و«التحذير».

وجاء البيان الختامي ترديدًا مكرورًا للخطابات التي تنقصها بلاغة الفعل والقول أيضًا؛ وهو ما جعل المجرم الجاني نتنياهو يسخر منها، ويُخرج لها لسانه. فالاحتجاج الضعيف يقوِّي الاعتداء، ويُغري المعتدي بالمزيد والمزيد.

الحكومات المستبدة التي تمنع شعوبها من الاحتجاج، لا تملك القدرة على الدفاع عن نفسها، وتعجز عن الاحتجاج عندما يُعتدى عليها؛ وهذا ما تشهده الأمة منذ 1948.

ضعف القمتين، العربية الإسلامية، والخليجية، دفع إلى التساؤل عن مدى أهمية انعقادهما. ويقينًا؛ فإن القمم العربية منذ تأسيس الجامعة العربية في 1945، واجتماع سبع دول عربية في "أنشاص" في العام نفسه، وحتى القمم العربية الإسلامية في "الرياض" – كانت تنتهي كما بدأت، ويكون القول بديلاً عن الفعل.

في "قمة الدوحة" جرى إغفال الحديث عن قيادة حماس المُستهدفة بالضربة؛ هذا إذا ما استثنينا كلمة أمير قطر تميم آل ثاني، التي وإن كان توصيفها دقيقًا للضربة، إلا أنها خلت من الدعوة إلى الفعل، وتركته للمدعوين.

تشاركت كل الخطابات والبيان الختامي في التركيز على إسرائيل، وعدم الإشارة إلى أمريكا (رَبّ إسرائيل)، وصانع الإرهاب الأكبر. فأمريكا دولة إرهابية، وخالقة إرهاب؛ بينما إسرائيل دولة إرهاب، وصنيعة إرهاب.

وإذا لم تجرؤ الأمم المتحدة على ذكر إسرائيل، وإدانة جريمة بمعزلٍ عن مُرتكبها؛ فإن المؤتمرين في الدوحة قد فصلوا بين إسرائيل وأمريكا، التي يصعب – إن لم يكن مستحيلاً – قيامها بالاعتداء على حليف استراتيجي، وهي دولة قطر، دون أخذ الإذن من أمريكا؛ خصوصًا أن على أرضها أعظم قاعدة أمريكية في العالم، وتستطيع القاعدة أن ترصد ما يجري في المنطقة، والمحيط، وأبعد من ذلك.

كان الفعل غائبًا عن جلّ الخطابات الزاعقة، وربما كان أبهتها وأكثرها ضعفًا خطاب الأمين العام للجامعة العربية، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. أما استشهاد الجولاني بشعر عمرو بن براقة الهمداني:

متى تجمعِ القلبَ الذكيَّ وصارمًا
وأنفًا حميًّا تجتنبك المظالمُ

– فاستشهادٌ بما يفتقر إليه.

حضور أمريكا قوي في قلوب وعقول المؤتمرين الذين يُراعون بدقّة ما يُغضب وما يُرضي. لقد غاب الفعل كليةً عن القمتين، وحتى عن الوعد به؛ كما هو متّبع في مثل هذه القمم، وهو الملمح الأهم.

قبل القمتين كتب عبد الرحمن الراشد مقالًا دعا فيه إلى الواقعية، وحدّدها بعدم قطع العلاقة مع إسرائيل، وعدم إغلاق القواعد العسكرية الموجودة في المنطقة، وعدم انسحاب مصر من اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل، وأن «أبو مازن» لن يترك السلطة، واعتبر تلك أثمانًا سياسية باهظة، وركّز على حل الدولتين.

كان الراشد، وهو سياسي وإعلامي سعودي، يقرأ المُراد من القمتين. وكل المؤشرات قبل بدء القمتين كانت تؤكد أنهما لن تتجاوزا لحن القول. وربما كان الخطاب – كما يرى البعض – موجهًا للداخل العربي أكثر من أي شيء آخر.

الفصل بين إسرائيل وأمريكا هو «كعب أخيل» في الخطاب العربي الرسمي. ففي سنوات المد القومي كان الخطاب إبّان الثورة القومية يتحدث عن إسرائيل ومن يقف وراءها، وبعد حرب 1973 تحوّل الخطاب 180 درجة.

لا يمكن التعويل على قمم مسكونة بالماضي، ومهجوسة بالخوف من أمريكا وإسرائيل. ومن أراد مواجهة الصهيونية، وإصرارها مع أمريكا على تغيير المنطقة والاستيلاء على ثرواتها، لا يمكن أن يقابله بالمزيد من الملق والاستهانة.

أمريكا حليف للحكّام العرب في مواجهة شعوبهم، ومحيطهم الإقليمي ليس غير. وبعد مجيء ترامب، وتبني تغيير خارطة الشرق الأوسط حسب خطة الصهيونية العالمية وأمريكا – أصبحت المنطقة كلُّها رهنًا لإرادة إسرائيل الكبرى، وخرائط نتنياهو التي عرضها أمام الأمم المتحدة، وكتابه «مكان تحت الشمس»، تتجاوز النيل والفرات، لتصل إلى منابع النفط، واليمن.

حليف أمريكا الوحيد هو إسرائيل والثروة. وهي تُوجّه الحرب والمفاوضات التكتيكية. مواجهة هذا المخطط، الذي بدأ تنفيذه بحرب إبادة غزة، وتهجير أهلها، وأهل الضفة الغربية، وضرب الحليف والوسيط القطري – لن يكون إلا بالإجابة على هذا المخطط؛ وهو التصالح مع النفس: تصالح المنظومة العربية مع نفسها، ومع شعوبها، وعدم ارتهانها لعدو يكيدها، وينهب ثرواتها، وإقامة علاقات متوازنة مع الشرق والغرب.

مطالب النظر في العلاقات مهم، والتخلي عن اتفاقات لا تلتزم بها إسرائيل، ولم تعد قائمة، والخلاص من القواعد العسكرية المنتشرة في الجزيرة والخليج؛ وهي قوة الاحتلال المتوعِّدة – أكثر أهمية.

هل كان صعبًا الضغط على «أبو مازن» للقبول بالتصالح مع شعبه الذي يُباد يوميًّا في غزة، والابتعاد عن التنسيق الأمني مع القوى التي تُدمّر المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، وتدفع أهلها إلى التهجير القسري، وتُعرِّض سلطته للمهانة، وتهويد القدس، والسعي لهدمها، ونصحه بضرورة الالتزام بالاتفاقيات التي وقّعها مع الفصائل الأخرى؟!

يتوافق أبو مازن مع الحكم العربي وأمريكا وإسرائيل على اعتبار حماس عدوًّا مشتركًا، وعلى دمغها بالإرهاب، بينما هي وشعبها ضحية الإرهاب، كما يرى الزميل علي محسن حميد.

كما أن إلغاء الاتفاقيات الاقتصادية، والتجارية، والأمنية، والعسكرية، وسحب الودائع العربية من البنوك الإسرائيلية، والاقتداء بما تقوم به إسبانيا وبعض الدول الأوروبية في منع استخدام إسرائيل للمواقع البرية والبحرية لديها، وعدم سماح الدول العربية للطيران الإسرائيلي بعبور أجوائها ومطاراتها، واللجوء إلى محكمة العدل، والجنائية الدولية – كما فعلت جنوب إفريقيا – والمطالبة بمحاكمة قادة حرب الإبادة في غزة؛ وفي مقدمتهم نتنياهو، مهم؛ والأهم من كل ذلك: العودة إلى تبني القرار (3379)، 15 نوفمبر 1975؛ وهو القرار الذي جرى التراجع عنه بضغط أمريكي.

لا يتصور العقل، ولا يقبل المنطق، أن يُباد شعب فلسطين في غزة، ويُهجّر من وطنه، والأمة العربية غائبة!

والمعيب أكثر أن تُصرّح المنظومة العربية بعدم السماح بالتهجير إلى أراضيها، كما لو أنها موافقة على تهجير الفلسطينيين إلى أي بقعة في العالم.

الاعتداء على قطر، وإبادة غزة، وتهجير الفلسطينيين من الضفة والقطاع، وما يجري في لبنان، وسوريا، واليمن، مقدمة للاستيلاء على المنطقة العربية كلها، وتسيُّد القطب الأوحد (أمريكا)، ولقطع «طريق الحرير»؛ من أجل فتح «قناة بن غوريون» كبديل عن قناة السويس.

إن سرّ انتصار الصهيونية المتكرر هو غياب وتغييب إرادة الأمة العربية، ومصادرة الحريات العامة والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير، وتأخر الدخول إلى العصر الحديث، وغياب العلم والمعرفة، التي هي أقوى من أي شيء.

مقالات

شمال الحوثي .. جنوب الانتقالي

لا تكمن المشكلة في تصرفات المجلس الانتقالي، بل في الذين يتوقعون منه أن يكون كيانًا عاقلًا ومسؤولًا لديه التزامات تجاه أتباعه وشركائه. النقطة الحرجة التي تدحرج منها الانتقالي، ليكون هذا الذي هو عليه الآن، ليست قرارات عيدروس في 10 سبتمبر الجاري، بل قرار الفاعل الإقليمي برعاية الانقلاب الثاني في 10 أغسطس 2019.

مقالات

أزمة مجلس القيادة الرئاسي في اليمن وانعكاساتها السياسية

تشهد الساحة اليمنية منذ أسابيع تصاعدًا ملحوظًا في حدة الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي، الذي شُكّل في أبريل 2022 بدعم سعودي–إماراتي، ليكون مظلة سياسية وعسكرية لإدارة المرحلة الانتقالية ومواجهة التحديات الأمنية والعسكرية، غير أن تضارب الأجندات الإقليمية وتباين مصالح القوى اليمنية المشاركة سرعان ما انعكس على أدائه، لتتحول مؤخرًا إلى أزمة تهدد تماسك المجلس نفسه.

مقالات

ثلاثُ ليالٍ بقيتُ ضيفًا على جُنودِ المظلّات

كنتُ صباح كلّ يومٍ أذهب إلى الكليّة الحربيّة لأداء امتحانات القبول، وقبل إعلان النتائج بيومين كان المبلغُ الذي جئتُ به من الحُديدة قد تسرَّبَ من جيوبي. حتّى إنني في صباحِ اليومِ الذي ذهبتُ فيه لمعرفةِ النتيجة، ذهبتُ وأنا بلا عشاءٍ ولا صَبوح.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.