مقالات

كيف يحِنُّ اليمنيون إلى أيامهم؟

26/05/2025, 19:31:11

وسط أنقاض الخراب الكبير الناجم عن حرب السنوات العشر الماضية وما تخللها من تدخلاتٍ خارجية مدمرة، لم يتبقَّ لليمنيين سوى الحنين إلى ماضٍ كان لهم فيه وطنٌ كبيرٌ، وأرضٌ متراميةُ الأطراف بين الشواطئ والخلجان البديعة والسهول والوديان الخصبة والجبال الشاهقة الشماء، عاشوا عليها حياةً عريضةً يتدافعون فيها للعمل وكسب أرزاقهم ولقمة عيشٍ كريمةٍ بكدِّهم وجِدِّهم، ويجتهدون لتربية وتعليم أبنائهم وإعدادهم لمستقبلٍ واعدٍ يليق بهم.

ويتذكرون يومَ أن كانت لهم دولةٌ يتبارون في تقلُّد مناصبها وتبوُّء مواقع الحكم فيها بقدرٍ مقبولٍ من الأهلية والكفاءة والنزاهة والولاء لدستورها وقوانينها.. يومَ أن كانت لهم قيادةٌ وطنيةٌ كفؤةٌ وموحدةٌ، وبرلمانٌ يعمل في مكانٍ معلومٍ وتُذاع جلساته للعلن في وسائل الإعلام، وحكومةٌ فاعلةٌ تلتئم في قلب العاصمة كل أسبوع.

يلتفت اليمنيون اليوم من حولهم فلا يجدون أمامهم ذلك الجيش الواحدَ الموحدَ، ولا مؤسساتهم الأمنية برجالها ونسائها الذين كانوا يجهدون أنفسهم في تأمين السكينة والطمأنينة والأمان لمجتمعهم.

وبعدما أصبح السفر داخل اليمن خلال أعوام الحرب فصولًا من الجحيم، يتذكر اليمنيون كيف كان يمكنهم السفر والتجوال في ربوع بلادهم بكل طمأنينة، حيث يمكنهم قضاء أعمالهم وإجازات أعيادهم مع عائلاتهم وأقاربهم وأصدقائهم، دون منغصاتٍ تُذكر.

أحيانًا، عندما كنتُ في مهامِّ عملٍ أو بحاجةٍ إلى فسحةٍ داخل البلد، لم أكن أحتاج سوى لتشغيل سيارتي والتحرك من صنعاء باتجاه الحديدة ومنها إلى تعز ثم عدن، ومنها إلى المهرة عبر حضرموت، ثم أعود لوحدي أحيانًا عن طريق ثمود إلى سيئون فمأرب وصنعاء، وكان غيري من محبي التجوال يفعلون ذلك، وكثيرًا لم يكونوا بحاجةٍ لأن يحملوا بطاقاتهم الشخصية، ودون سلاح.

أما عن السفر إلى الخارج فلم يكن اليمني يحتاج غالبًا لأكثر من الحصول على تأشيرة دخول إلى بلدان المقصد، سوى تذكرة طيران.

جوابًا على سؤالي، أفادت المسؤولة التجارية السابقة في شركة الخطوط الجوية اليمنية، قطر الندى شوشة، بأنه كان لليمنية أكثر من 30 وجهةٍ للسفر، من صنعاء وعدن إلى بومباي في الهند شرقًا، حتى لندن شمال غرب أوروبا، وما بينهما من عواصم ومدنٍ في الشرق الأوسط وأوروبا وشرق إفريقيا، ما يعكس الحيوية الاقتصادية للدولة والمجتمع وعمق الصلات والمصالح بين اليمن والعالم.

هذا، بينما كانت تحطُّ في مطارات البلاد طائراتٌ مدنيةٌ عربيةٌ وعالميةٌ عدة، من بينها خطوطٌ أوروبيةٌ مرموقةٌ تنقل المسافرين والعائدين أو العابرين إلى محطاتٍ أخرى.

كل ذلك كان سهلًا وممكنًا قبل أن يصبح السفر إلى خارج البلاد يتطلب موافقاتٍ أمنيةً وتأشيراتٍ معقدةَ الشروط وتعاملًا فيه الكثير من التعسف عند الوصول إلى بلدان الخارج، وحتى تضييقًا عند الإقامة، بما في ذلك بلدانٌ عربيةٌ وإسلاميةٌ كان اليمني يعتقد أنها وطنه الثاني.

صحيحٌ أن حال اليمن قبل الحرب لم يكن مثاليًا 100% وبلا أزماتٍ وتحدياتٍ ومتاعب، ولكن كان هناك بلدٌ وشعبٌ ودولةٌ في كيانٍ يمنيٍّ كبيرٍ وموحدٍ يُشار إليه بالبنان، له هويةٌ واحدةٌ وجوازٌ ذو قيمةٍ واحترام.

على كل حال، اليمن لم يندثر تمامًا لكنه ليس بخير، واليمنيون ليسوا على ما يرام في حياتهم سواء في الداخل أو الخارج، فالبوصلة السياسية والعسكرية لا تشير إلى الاتجاه الصحيح الذي ينبغي سلوكه لاستعادة الدولة وإنقاذ اليمن ومستقبل أجياله من مصيرٍ غامضٍ بل مجهول.

الأوطان لا تُستعاد إلا بالعمل ورفض الظلم ومقاومته بكل الوسائل، وليس فقط بالحنين واستعادة ذكريات ذلك الزمن الذي كان يومًا جميلًا.

مقالات

أزمة مجلس القيادة الرئاسي في اليمن وانعكاساتها السياسية

تشهد الساحة اليمنية منذ أسابيع تصاعدًا ملحوظًا في حدة الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي، الذي شُكّل في أبريل 2022 بدعم سعودي–إماراتي، ليكون مظلة سياسية وعسكرية لإدارة المرحلة الانتقالية ومواجهة التحديات الأمنية والعسكرية، غير أن تضارب الأجندات الإقليمية وتباين مصالح القوى اليمنية المشاركة سرعان ما انعكس على أدائه، لتتحول مؤخرًا إلى أزمة تهدد تماسك المجلس نفسه.

مقالات

ثلاثُ ليالٍ بقيتُ ضيفًا على جُنودِ المظلّات

كنتُ صباح كلّ يومٍ أذهب إلى الكليّة الحربيّة لأداء امتحانات القبول، وقبل إعلان النتائج بيومين كان المبلغُ الذي جئتُ به من الحُديدة قد تسرَّبَ من جيوبي. حتّى إنني في صباحِ اليومِ الذي ذهبتُ فيه لمعرفةِ النتيجة، ذهبتُ وأنا بلا عشاءٍ ولا صَبوح.

مقالات

الإمامة هي المشكلة والجمهورية هي الحل

قديماً، في زمن كل الحروب: حروب العرب والإسلام والصليبيين والمغول والتتار وغيرهم، كان المنتصر فيها هو من يكتب التاريخ، وتصبح جرائمه وانتهاكاته وحتى مذابحه ملاحم وبطولات وأمجاداً يورِّثها لمن بعده ومن يليه ولأحفاده بعده، ولم تكن هناك رواياتٌ مغايرة لما جرى إلاَّ لماماً ونادراً، طالما تعرَّض أصحابها لضرب الأعناق وجزِّ الرؤوس وهدم البيوت وحرق الكُتب ومحو كل أثرٍ لأصحابها، ولا داعيَ لذكر المزيد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.