مقالات

فبراير.. ميلادٌ لا يفنى

11/02/2025, 13:14:02

الثورةُ ليست ومضةً عابرةً في ليلِ الاستبداد، ولا صرخةً تختنقُ في حنجرةِ العابرين، بل هي مدٌّ طويلٌ يلتهمُ أسوارَ الطغيانِ حجرًا حجرًا.

إنها استعادةٌ لكرامةٍ مصلوبةٍ على جدرانِ القهر، وحلمٌ تملّكنا حتى أصبحَ يقينًا مؤجّلًا، لم يكتمل، لكنه لم يخبُ، ولم يبهت.

الروحُ الثوريةُ لا تُطفئها الهزائم، بل تتلبّسُنا كقدرٍ محتوم، كتمردٍ يسكنُ الوعيَ ويمضي في شرايينِ الزمنِ متربصًا بلحظةِ انبعاثٍ جديدة.

قد يتغيرُ الطغاةُ، وقد تتبدلُ الأقنعةُ، لكن الثورةَ لا تنتهي، بل تستمرُ كنبوءةٍ لم تكتمل، وكوهجٍ يتوقدُ كلما خُيِّل للطغاةِ أنهم أطفأوا آخر الشرارات.

هكذا كان فبراير، اللحظة التي انتفضَ فيها الحلمُ على الكابوس، والميلادُ الحقيقيُ لجمهوريةٍ كادت أن تُخنَقُ في ظلمةِ التوريثِ والتأبيد.

لم يكن فبرايرُ مجردَ حدثٍ عابر، ولا موجةَ غضبٍ سرعان ما تهدأ، بل كان لحظةَ وعيٍ كبرى، لحظةَ كسرِ القيدِ والخروجِ من ظلماتِ الاستبدادِ إلى فضاءِ الحرية.

فبرايرُ لم يكن مجردَ ثورة، بل كان استعادةً لمعنى الجمهورية، التي أرادوا لها أن تكونَ قشرةً خاوية، فملأناها بالحياةِ مجددًا.

لكن الطغاةَ لا يتعلمون، يتوهمون أن بإمكانهم إخمادَ الفكرةِ بالرصاص، وإسكاتَ الهتافِ بالقمع، وإطفاءَ الشعلةِ بالخديعة.

حشدوا جيوشهم، وزرعوا الفتنَ، وأطلقوا سهامَهم على صدورِ الحالمين، ظنًّا منهم أن فبراير كان خطأً عابرًا يمكن تصحيحه، أو نزوةً يمكن قمعها.

لكن الثورةَ ليست لحظةَ غضبٍ عابرة، بل تيارٌ كامنٌ تحت الأرض، يمتدُّ في جذورِ الوعي، ويعاودُ الانفجارَ كلما توهمَ الطغاةُ أنهم أحكموا قبضتَهم على الزمن.

ما الثورةُ إن لم تكن استعادةً للإنسانِ المنهوب، انتفاضةً على تاريخٍ جائر، ومحاولةً يائسةً لانتزاعِ ما سُلبَ بالقوة؟ ليست انتصارًا سريعًا، ولا لحظةً خاطفةً تغيرُ العالم، بل معركةٌ ممتدة، حربٌ بلا هدنة، بين الذاكرةِ التي تأبى النسيان، والطغاةِ الذين يتوهمون أن الرمادَ كفيلٌ بإطفاءِ الجمر.

قد تنكسرُ الموجة، لكن البحرَ لا يموت، وقد تُحاصرُ الفكرة، لكنها تتسربُ كالماءِ في شقوقِ الجدران، تهدمها بصبرِ الزمن، لا بعنفِ اللحظة.

لقد اعتقدَ الطغاةُ يومًا أنهم نجوْا من طوفانِ فبراير، وأنهم ألقوا بآخر الثوارِ في غياهبِ النسيان، لكنهم لم يدركوا أن الثورةَ لا تموتُ بالرصاص، بل تموتُ حين يكفُّ الناسُ عن الحلم، وحين يُكبلُ الخوفُ الأرواحَ التي اعتادت التحليق.

لم تكن فبرايرُ يومًا أرقامًا تُحصى، ولا خسائرَ تُرصد، بل كانت دائمًا ذلك التمردَ العصيَّ على الترويض، ذلك الصوتَ الخافتَ الذي يعلو حين يخيمُ الصمت، وتلك اليدَ المرتجفةَ التي تقبضُ على جمرةِ الأملِ رغم نزفِ الخذلان.

قد تتبدلُ المراحل، وتتعاقبُ الوجوه، لكن الروحَ الثورية تظلُ كامنةً كفكرةٍ مؤجلة، كزئيرٍ مكتومٍ في صدرِ التاريخ، تنتظرُ لحظةَ انفجارها من جديد.

لن يفهمَ ذلك من ظنوا أن السجونَ تقتلُ الفكرة، ولا من راهنوا على ذاكرةٍ مثقوبةٍ تُلقي بالماضي في قاعِ النسيان.

فبرايرُ لم يكن وعدًا زائفًا، ولا حلمًا مغدورًا، بل كان لحظةَ ميلادٍ دائم، ولعنةً تُطاردُ كل من ظنَّ أن الاستبدادَ أبديٌّ، وأن العروشَ التي بُنيت على جماجمِ الأحرارِ ستبقى قائمةً إلى الأبد.

مقالات

هل يحق للإنسان إنهاء حياته في حال إفلاسه؟!

في برنامج يناقش قضايا الإنسان الاجتماعية والفكرية، تناول المقدّم في إحدى الحلقات موضوع إشكالية الديون، وذكر فيها أحد استطلاعات الرأي التي أُجريت في دولة غربية، وكان السؤال المركزي في الاستطلاع هو: هل يحق للإنسان إنهاء حياته في حال إفلاسه؟! وقد كان عدد المؤيدين لهذا "الحق" يتزايد من فترة زمنية لأخرى.

مقالات

٢٦ سبتمبر.. الحرية ببساطة

غادرت اليمن منذ أن كنتُ طفلة لا أتجاوز الثلاث سنوات، فقد كان أبي يعمل في أحد البلدان المجاورة. وعيت على عادات والدتي الصباحية، تشرب (قلص البن)، وبعد ملالاة مليئة بالشجن ما زلت أذكر بعض كلماتها:

مقالات

سياحة مع أبطال ثورة 26 سبتمبر (1)

عندما نعود إلى الحياة التي عاشها العديد من ثوار السادس والعشرين من سبتمبر، نكتشف أن الثورة لم تُقَم بشخصيات كرتونية أو هزلية، بل بشخصيات رضعت الثورة من أشعة الشموس، ولم ترتهن هذه الشخصيات العظيمة إلى الكراسي الوثيرة والمناصب الإيرادية، بل نزلت إلى الميدان مثلها مثل أي جندي.

مقالات

عصابات تعز المنفلتة

هل تشكّل حادثة اغتيال افتهان فرصة ثمينة للسلطة المحلية والأجهزة الأمنية — يُحسنون استغلالها — لإعادة العلاقة مع السكان وتحسين صورتهم لدى شرائح المجتمع؟ لا أعتقد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.