مقالات

طارق صالح.. من خندق الحرب إلى هندسة الزفلتة

02/06/2025, 19:28:38

لا يتوقف العميد طارق صالح عن إثارة دهشتي وإعجابي بقدرته المذهلة على التأقلم والمناورة في حدود المُمكن.

فالرجل، الذي كان ذات يوم ضابطا في جيش الجمهورية، تحول إلى قيادي في جيش الإمامة، بسبب ظروف أكبر منه، ثم عاد قائدا في جيش الجمهورية بسبب ظروف أكبر منه أيضا، ثم انسحب بقواته من مساحات هائلة تزيد عن مساحة بعض دول الجوار، وكان الانسحاب بسبب ظروف أكبر منه أيضا. 

ماذا يفعل رجل شاءت له أقداره أن يقع دائما تحت قهر ظروف أكبر منه؟ لا شك أنه سيُراكِم قدرة هائلة على التأقّلم مع الظروف.

في أحد تصريحاته الأخيرة، سأل نفسه على لسان أحدهم: هل هناك حرب أم لا، و لم يجد حرجًا في القول: "إذا في حرب حاربنا، وإلا رجعنا نزفلت".

عبارة واحدة تلخّص ما يشبه النظرية العامة للوظيفة السياسية في اليمن ما بعد الحرب، ليس لخبير التأقلم الأبرز فقط، بل لكل الطبقة السياسية، مفادها "أن عليك أن تتأقلم لتكون كل شيء، وألا تكن شيئا في الوقت نفسه".

ما الذي يقوله طارق هنا فعلا؟

إنه لا يكتفي بالتنصّل من تحديد موقف، بل يسخر من فكرة الموقف أصلا. لا يوجد حرب، لا يوجد عدو، لا يوجد سلام مستقر، لا توجد دولة بالمعنى الجاد، الموجود طلبات متغيّرة من جهة التمويل، وعلى القائد المحلي أن يكون مرنا، خفيف الظل، مستعدا لإلقاء السلاح متى ما طُلب منه حمل المجرفة.

لك أن تتخيّل رجلا أمضى حياته في المعسكرات، يخوض معارك سياسية وعسكرية، ثم يُطلب منه أن يُشرف على تعبيد طريق، فيقول لك بابتسامة مليئة بالرضا: "أنا جاهز، حرب أو زفلتة".

ولا شيء يبعث على الطمأنينة أكثر من مسؤول يضحك وهو يتنازل عن وظيفته الأساسية، ويعرض نفسه كمادة خام قابلة لإعادة التشكيل. 

هذه ليست براغماتية، بل نوع من الانبطاح المَرح، حيث لا أحد متمسك بأي شيء، ولا توجد خطوط حمراء سوى تلك التي ترسمها الجهة المموّلة.

ولأن الحرب -كما قال- أصبحت "أكبر من اليمن وإيران"، وامتدت لتشمل الصين وروسيا، فقد قرر أن يختصر علينا عناء التحليل الجيوسياسي، ويطمئننا أن الأمر كله لا يتعدّى مسألة إدارة دور محلي في مسلسل عالمي، قد يُطلب منك فيه أن تمسك البندقية، أو تمسك آلة تسوية الإسفلت.. لا فرق.

طارق صالح لا يتحدّث كقائد مشروع، ولا كصاحب رؤية، بل كموظف بارع في أداء ما يُطلب منه دون طرح أسئلة مزعجة، وخطابه ليس دفاعا عن موقف، بل عرض خدمات طويل الأمد، ووعد بأن يظل صالحا للاستعمال في كل الظروف.

وهكذا، بدلا من أن يسأل الناس متى تنتهي حالة اللاسلم واللاحرب، سيكون عليهم أن يتساءلوا: هل تم تعبيد الطريق إلى المعركة، أم أن المعركة أُجلت بسبب انشغال القائد بالزفت؟

مقالات

محمد محسن عطروش: صيحة الاستقلال ونغمة لا تخطئ القلب

قرأت في سيرة الفنان محمد محسن عطروش أنه درس الأدب الإنجليزي في القاهرة، ثم عمل مدرسًا للرياضيات واللغة الإنجليزية في عدن، فحضرت في ذهني حلقات برنامج قديم في قناة السعيدة، مسابقة فنية كان يشارك فيها فنانون شباب، وكان عطروش في منصة التحكيم.

مقالات

تصعيد الحوثي تجاه بيت هائل.. لماذا الآن؟

اشتدت الحرب الحوثية على قطاع التجارة بشكل لافت بعد أن أقدمت الولايات المتحدة على تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية وفرضت عقوبات على جميع الشركات التجارية المحسوبة عليهم، والتي كانت تسعى لإحلالها كبديل في السوق لمجموعة بيت هائل.

مقالات

عودة الخروف الضائع – 5 – (سيرة ذاتية – 24)

بعد أن أُوصدت جميع الأبواب في وجهي قررتُ العودة للدراسة. وفي صباح ذات يوم ذهبتُ إلى مدرسة جمال عبد الناصر في شارع القصر الجمهوري، وقابلتُ الأستاذ محمد الشامي مدير المدرسة، وكلمته عن رغبتي في الالتحاق بمدرسته.

مقالات

الشعر الحميني: سردية الجذور والتحولات وزمن الظهور - (الحلقة الثانية)

تكوّنت المعرفة الأكاديمية الحديثة حول الشعر الحميني داخل إطارٍ منهجي صارم، ربط نشأته بالعصر الرسولي في القرن السابع الهجري؛ لا لأن الباحثين كانوا مقتنعين بحداثة هذا الفن، بل لأن الوثيقة -لا غيرها- هي التي حكمت دراساتهم.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.