مقالات
شيءٌ يسيرٌ عن الألم
لا شيئ يهزم العقل كالنفس، ولا شيئ يتحدى القلبِ كالعاطفه، ولا مكان لهما الاثنان، العقل والقلب أمام الغريزة" و"اللاوعي" في تفكير الإنسان بحياته وما بعدها.
الألم، هو العذاب الذي يوجعنا، حين يبتلينا بما لا نطيق من التعب ، من القلق على حياتنا وحياة من حولنا ، من إرهاق الذهن بما فوق قدرته على التصور، والضغط على النفس بما يتجاوز قدرتها على الاحتمال.
كم هو متوحش هذا "الألم" الذي نحس به، ولكن لا ندري من أين يدركنا، وكيف يأتينا، ولا يدع لنا فرصة للتفكير، أحياناً، بكيفية التعامل معه .. نذهب إلى طبيبٍ يحتار أمام أجسادنا ، ويتردد في اقتراح ما يختاره لنا من أدوية، لكنه في النهاية لا يعرف ما بِنا ، أكثر مما ندركه نحن بما نحس به.
الأطباء في تشخيص المرض هم كالقضاة في اتخاذ الحكم الصحيح على الجناة .. صحيح أنهم يعتمدون على نتائج المختبرات والفحوص الطبية الدقيقة، لكنهم أمام عالمٍ جديدٍ من الفيروسات المستجدة والمتطورة التي تعيد إنتاج نفسها بشكل مخيفٍ، من مكانٍ لآخر ومن زمنٍ لما يليه .. شأنهم في هذا شأن القضاة والمشتغلين بعلوم مكافحة الجريمة حيثُ الجريمة وهي من صنع الانسان تسبق علوم مكافحتها، فكيف بالأمراض وهي خلافٌ لطبيعة الإنسان وفطرته الأولى، تسبق كل محاولات البشر لمكافحتها كالسرطان مثلاً !!
أسوأ ما في الألم ، ليس ألم الجسد، بل أوهام النفس، وهواجس العقل، وأوجاع الروح، لهذا يقول ابن سينا إن "الوهم هو نصف الداء والاطمئنان نصف الدوا" وياله من وصفٍ بليغ الدلالة والمعنى.
آلام البدن تافهةٌ حين نفهمها، وعندما نتقن التحكم بها والسيطرة عليها ، لكنها حين نجهلها تتمكن منا وتستبيحنا كما تستبيح الحرائق الغابات والأودية ، تشعل فينا من الأوجاع ما لا سبباً له ومن الأوجاع ما ليس له أي أصلٍ فينا.
كلما أطلقنا لأوهامنا العنان حطمنا أمام أوجاعنا حدود كل التهيؤات والظنون، وفتحنا تجاهها آفاقاً بلا مدى.
تتحول معارفنا عن المرض أمام آلامه إلى جهنم أخرى من المرض، ولهذا تصبح اللامبالاة بالمرض وتجاهله هي أفضل المسكنات والمضادات الحيوية لمقاومته بقرارٍ وإرادة ذاتيتين.
يهزمنا الألم حين نجهل أسباب قوته .. أول تلك الأسباب هي إهمال الوقاية من المرض مثل تجاهل مؤشراته، والإتكاء على تفسيراتنا الخاطئة لتلك المؤشرات، غير أنه حين يتمكن منا المرض بألمٍ بيِّنٍ فلامحالة من الشكوى إلى طبيب .. طبيب محترف نثق فيه حيث الثقة جزءٌ من العلاج، نفسياً على الأقل.
يمكننا أن نجد في أبداننا وفي الطبيعة والحياة ما نتداوى به دون حاجةٍ إلى علاجات كيماوية وعقاقير طبية، فالمشي والتمارين الرياضية وتكرار شرب الماء الدافي على أمعاء فارغة واستنشاق الهواء النقي والقراءة، كل ذلك وسائل مجانية لهزيمة الآلام والتغلب عليها.