مقالات

تصنيفيكيشن..!

28/03/2021, 07:16:21
المصدر : خاص

في بداية الأربعينيات من القرن الماضي، كان الطالب لطفي جعفر أمان يدرس في المرحلة الإعدادية من التعليم العام في إحدى مدارس مدينة عدن، التي سيغدو بعدها بعدة سنوات واحداً من أشهر وأمهر شعرائها. 

وكان بين من تتلمذ لطفي عليهم في تلك المرحلة مُعلّم مثقف ساخر يدعى محمود لقمان، سليل الأسرة العدنية الشهيرة.

وكانت مفردة تصنيف أو تصانيف سائدة في اللهجة العدنية بمعنى الكلام المعروف بأنه 'خبط عشواء'، أي اللغو أو القول الذي لا يُعتدّ به اطلاقاً، أجاء على شكل تفسير لحالة أو في صيغة إجابة عن سؤال. ولأن الأستاذ محمود لقمان يتمتع بخفّة الدم وروح الفكاهة، فقد حوَّر هذه الكلمة إلى "تصنيفيكيشن"، وكأنّه ينطقها كمفردة انكليزية، إمعاناً في السخرية، ليس من معنى الكلمة فحسب، بل ومن الطلبة المُصنّفين في كلامهم وإجاباتهم، ممن يطلقون الكَلِم على عواهنه!

راق هذا الابتكار "اللُقماني" للفتى "الأَماني" .. فتفتّقت حينها قريحته الشعرية لأول مرّة، وكان ذلك في سنة 1942م، وعمره وقتها لا يتجاوز 14 سنة. فإذا به يكتب أولى قصائده من وحي تلك الكلمة التي ابتدعها أستاذه، فجاءت القصيدة غريبة في قالبها، وساخرة في أسلوبها، إذْ أبدع كل قوافيها باللغة الانكليزية، والتي جاءت على وزن "شَنْ" (tion).

منذ أكثر من عشرين سنة حصلتُ على نسخة من هذه القصيدة، التي لا تتوافر في أيّ كتاب مطبوع للطفي أمان، ولا لغيره من الكُتَّاب والنُقَّاد والباحثين.

وقد زوَّدني بها يومذاك صديقي العزيز جهاد لطفي، الإعلامي المعروف، ونجل الشاعر. 

غير أن هذه النسخة تاهت منّي بين الأوراق والملفات المزدحمة في مكتبتي الشخصية، ونسيتُ أمرها مع تقادُم الأيام وتشقُّق جدار الذاكرة. وفجأة عثرتُ عليها منذ أيام خلال إعادتي ترتيب محتويات مكتبتي في الشقة التي انتقلتُ إليها مؤخراً.

وها هي تصنيفة لطفي البديعة عن "تصنيفيكيشنة" لقمان الفريدة، أنشرها في السطور التالية، مُقرِناً القافية الانكليزية بمعناها العربي بين أقواس، راجياً أن لا يُهمل المؤرخون والباحثون ذِكْر هذه الأبيات الساخرة الغرائبية، باعتبارها أول ما قدحت به موهبة لطفي أمان قبل سنوات عدة من انهمار شلاله الشعري، الذي راح بعدها يتدفق زاخراً قبل أن يصبّ في بحيرة الخلود الأبدي. 

أُحْرِجَ التلميذُ ما بين جوابٍ وQuestion  ( سؤال) 

كان يدري أنه ما وهبَ الدرسَ Attention  (انتباه) 

فاعترتْهُ ما اعترتهُ من نوبةٍ من غيرِ Action (تدبر) 

وكان الطالبُ المسكينُ في غيهبِ Ocean  (محيط) 

قال في صوتٍ خفيٍّ: ايش أقولّك ...  تصنيفيكيشن ! 

وانبرى يضحكُ محمودٌ  (يقصد الأستاذ محمود لقمان) 

أو كأنَّ الضحكَ أضحى من قطاع الدرسِ Section (قِسْم) 

هذه الفكرةُ يا طلابُ فاقت كلّ Notion (فكرة) 

يأملُ العاجزُ فيكم من عقابٍ أو Detention (حَجْز) 

إنْ عجزتم عن جواب الدرس قولوا: تصنيفيكيشن! 

هكذا التصنيفُ أسمى ما ارتقاهُ الـ Education (تعليم) 

وبليدٌ قالها يوماً فنالت Decoration (زخرفة) 

لا تَقُلْ: أستاذُنا محمودُ قالّلي ...  تصنيفيكيشن!

مقالات

محمد محسن عطروش: صيحة الاستقلال ونغمة لا تخطئ القلب

قرأت في سيرة الفنان محمد محسن عطروش أنه درس الأدب الإنجليزي في القاهرة، ثم عمل مدرسًا للرياضيات واللغة الإنجليزية في عدن، فحضرت في ذهني حلقات برنامج قديم في قناة السعيدة، مسابقة فنية كان يشارك فيها فنانون شباب، وكان عطروش في منصة التحكيم.

مقالات

تصعيد الحوثي تجاه بيت هائل.. لماذا الآن؟

اشتدت الحرب الحوثية على قطاع التجارة بشكل لافت بعد أن أقدمت الولايات المتحدة على تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية وفرضت عقوبات على جميع الشركات التجارية المحسوبة عليهم، والتي كانت تسعى لإحلالها كبديل في السوق لمجموعة بيت هائل.

مقالات

عودة الخروف الضائع – 5 – (سيرة ذاتية – 24)

بعد أن أُوصدت جميع الأبواب في وجهي قررتُ العودة للدراسة. وفي صباح ذات يوم ذهبتُ إلى مدرسة جمال عبد الناصر في شارع القصر الجمهوري، وقابلتُ الأستاذ محمد الشامي مدير المدرسة، وكلمته عن رغبتي في الالتحاق بمدرسته.

مقالات

الشعر الحميني: سردية الجذور والتحولات وزمن الظهور - (الحلقة الثانية)

تكوّنت المعرفة الأكاديمية الحديثة حول الشعر الحميني داخل إطارٍ منهجي صارم، ربط نشأته بالعصر الرسولي في القرن السابع الهجري؛ لا لأن الباحثين كانوا مقتنعين بحداثة هذا الفن، بل لأن الوثيقة -لا غيرها- هي التي حكمت دراساتهم.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.