مقالات

الدكتور أحمد السري و"العمائم الليلكية"

20/03/2024, 14:03:06

الدكتور السري أستاذ تاريخ أكاديمي متعدد المواهب. فهو باحث وأديب. كتب القصيدة الحديثة، والقصة القصيرة، والمقالة الأدبية، فأجاد أيما إجادة. له أكثر من رواية وإصدار عن التاريخ، والخطاب الإسلامي، والوعظ السياسي.

روايته الأخيرة «العمائم الليلكية»، الصادرة عن دار «عناوين»، فيها ملمح مهم ولافت في الواقعية السحرية. معروف أن المبدعين الساردين الكبار في الواقعية السحرية خورخي لويس، وماركيز في «مئة عام من العزلة»، واستورباس في «السيد الرئيس»، وإيزابيلا اللندي في «بيت الأشباح»، و«حفلة التيس»، لماريو مارغاس يوسا.

لمرتين متتاليتين، استمتع بقراءة آخر رواية للسارد الرائع الدكتور أحمد السري. يعتبر السارد السري من مؤصلي السرد في اليمن من الجيل الثالث في روايته الجديدة «العمائم الليلكية». إبحار جديد نحو الواقعية السحرية.
تمزج الرواية بمهارة بين الواقعي والخرافي، وبين الأسطوري والحقيقي، وبين المألوف والغرائبي.
ولعل الملمح الأهم الجنوح نحو الإيهام بتحول الأسطورة إلى واقع، والغرائبي إلى مألوف، والخرافة إلى حقيقة.

إن هذا الملمح الإبداعي بحاجة إلى قدرة وتتبع، وكرامات الأولياء زاخرة بها كتب الصوفية في اليمن، وذاكرة الآباء والأجداد لعدة قرون، والتاريخ اليمني القديم زاهٍ بهذه الكرامات، وحافل بقصص الجن، وحزاوي الجدات تملأ الذاكرة، وتثري الوجدان الرواية الصغيرة الحجم تقع في 231 صفحة، صادرة عن دار عناوين بالقاهرة، يهديها للرجل الطيب البسيط والحالم: علي- والده.

السارد الأكاديمي الأديب المتعدد المواهب ابن مدرسة صوفية متأصلة في بيئة تعز، وفي الكثير من مناطق اليمن. وكانت مدينته تعز وريفها التربة الخصبة لازدهار هذا الإرث الإسلامي والإنساني الأروع والأزكى في الفكر الإنساني عبر الكرة الأرضية، وعبر التاريخ الإنساني كله.
تبدأ القصة بأهل القلعة، حيث يجمع السجن بين البطل الإيجابي، وهو الشاب الآتي من المناطق الأكثر خصوبة وتفتحًا وتسامحًا وقابلية للمعارضة.

الشاب اليتيم، الذي استشهد أبوه في حماية القوافل، مولع بالموسيقى (الشبّابة) فجأة تهبط عليه «حورية» من السماء عبر كائن خرافي (الطائرة)، وهي غاية في الجمال، فيتعاشقان. الملك كثير التردد على قريتهم الريفية؛ لجلب الضرائب والهدايا، واختطاف الفتيات الجميلات، وجمع الثروات، ونهب المواشي- يسمع بالفتاة الجميلة، فيختطفها؛ لضمها إلى محظياته؛ فيتصدى المسكين شعيب للتحريض ضد الطاغية، ويحرض أهل القرية، وتطوق الانتفاضة دار الحكم.

يُعتقل شعيب المسكين بعد مواجهات غير متكافئة، فيلتقي في السجن بالبطل السلبي، وهو زعيم اللصوص على بن حفصون، الذي يتعامل معه مسؤولو السجن باحترام شديد، ويستجاب لكل رغباته، ويعيش في السجن كأمير.

يجتاح اللصوص السجن، ويخرج زعيمهم كبطل. يعود إلى القلعة - المقر الذي ينطلق منه- فيأخذ معه البطل الحقيقي شعيب بن يمان الهلالي، ويطلق عليه اسم المسكين. يفد إلى القلعة الوزير ولي الدين للمساومة على اقتسام الأموال، التي انتهبها الزعيم، وتكشف المساومة العلاقة بين الملك واللصوص، وأنهم أدوات نهب مشتركة.

يعرف الزعيم أهمية المسكين الذي فضح لصوصية الملك، وأشعل التمرد ضده في بلدة المرجان.
يقسم الزعيم المال المنهوب بينه وبين الملك شوكة الدين، ويقدم رشوة للوزير المتواطئ معه.
يُقرِّب الزعيم إليه المسكين ليقوم بالبحث عن ابنه الذي فقده مع أمه مرجانة بعد التحاقه باللصوص، الذين رأوا فيه القائد الحقيقي. فعلي بن حفصون كان حدادًا أحب مرجانة، وأحبته، وأراد الزواج بها، ولكن أسرتها رفضته؛ فهربا معًا.

حاول خمسة من أفراد أسرتها قتله، ولكنه تصدى لهم، وقتل منهم، فعندما رآه اللصوص اعترضوه، فتصدى لهم أيضًا، واختاروه زعيمًا لهم. عرف أن اللصوص أداة من أدوات الملك شوكة الدين ومملكته الشوكية؛ وهو ما أدركه الشاب شعيب قبلاً الذي أصبح اسمه المسكين من أن الملك واحد من اللصوص.

تقوى شوكة ابن حفصون ملك القلعة التاريخية، ويوظف الحمام الزاجل، ويقيم الحفلات والسهرات الماجنة التي يشترك فيها وزير الملك. يهدي الزعيم للمسكين زيزفونة؛ وهي جارية شابة، ولكن تعلق المسكين بمعشوقته «ميكا»، التي اختطفها الملك منه منعه من الاقتراب من زيزفونة.

ميكا فتاة غاية في الجمال تهبط عليه من السماء؛ فهي ابنة السماء تغرم بعزفه على الشبابة، وتأخذ مساحة واسعة في السرد لجمالها، ولأنها مطموسة الفرج طلساء يحاول معها الملك والزعيم والمسكين أيضًا دون جدوى، إضافة إلى مواهبها المخفية، وهي الأهم. يغزو الزعيم مملكة شوكة الدين، وتدور الحرب، فيستولي على العاصمة «مدينة الشمس».

يموت الملك في الحرب؛ فيتصارع ابناه على ما تبقى من المملكة. يؤسس الابن الأكبر منذر مملكة المنذرية متصارعًا مع أخيه الأصغر صفوان، في حين ينشق على الزعيم قائد جيشه جوهر مستوليًا -بالتحالف- مع صفوان على الميناء- المدينة الأهم، ويتقاتل الزعيم وقائد جيشه جوهر. آلة طائرة زودت ميكا بجهاز عجيب له القدرة على كشف أسرار الكون، وما يدور في الأماكن البعيدة بالصوت والصورة، وقد اطلع الزعيم على المعارك في الميناء، وسرقة جوهر للمال الذي كدسه الزعيم في القلعة، وتأسيس سلطة مدينة الميناء.

استولى عثمان التائب، وهو من أخلص أصدقاء الزعيم على القلعة، وأسس إلى جانب عثمان الوراق مخيمًا اتسع، وكان الإخوان شعيب وبشير اللذان اكتشفا أن أمهما مرجانة قد تزوجا ابنتي عثمان الوراق: شمس، وقمر.

الآلة الطائرة الكائن الخرافي الذي تحدث عنه الجبرتي في كتابه «عجائب الآثار في التراجم والأخبار»، وإسماعيل الوشلي في كتابه «نشر الثناء الحسن» هي الطائرة التي قذفت ميكا إلى شعيب المسكين، وهي التي كشفت أبعاد الصراع بين مختلف أطراف مملكة شوكة الدين، وفي نهاية المطاف هبطت إلى القلعة، وأخذت كل الأموال المخزونة وطارت مع ابنة السماء ميكا.  

قراءة ومحاولة فكفكة رموز السردية الرائعة شديدة الإتقان ودقيقة الحبكة والبناء الدرامي، ورقي لغتها، ومتانة بنائها السردي تحتاج إلى قراءة، مع الإلمام بالعديد من تفاصيل الأحداث ووقائع السرد.

مقالات

الرؤية الرومانسية للمصير...!

"يبدو المجال واسعًا لدراسة الشعر الذي ارتبط بالمصير الإنساني، والتعرف على وجود رومانسيته باعتبار الموت أحياناً يكون ملاذاً آمناً أكثر من الحياة، وهو ما أثبتته الحروب والصراعات والأمراض اليوم، وكما قال المتنبي: كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكُنَّ أمانيا".

مقالات

عندما يكون اليمنيون مجرد كرة!

لا شيء يشير إلى أن اليمنيين يتحرّكون بمحض إرادتهم. لا السلام يتدحرج إلى الأمام ضمن مسار أولويات يمنية، ولا الحرب وضعت أوزاها تحقيقاً لرغبة ومصالح داخلية.

مقالات

حكاية غرام

كان الوقتُ عصراً، حين انتهى أعضاء فريق المشي وتسلّق الجبال من تناول طعام الغداء في مخيمهم، الذي أقاموه عند منابع المياه الدافئة في "عيون سردد" بمحافظة المحويت.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.