مقالات
الحوثي يطبع نهايته!
الحوثي يبدو اليوم مربكًا أكثر من أي وقت مضى. يشعر أنه غريب، دخيل، بلا جذور حقيقية في هذه الأرض.
بعد عقد من التخريب، والنهب، والهدم الممنهج، بات يدرك أنه لا ينتمي لهذه البلاد، وأن لا مستقبل له بيننا.
يحاول تغليف وجوده بشعارات النصر، والمقاومة، لكنه من الداخل يعرف أنه منبوذ، وأن رائحة زواله تقترب.
لقد بدأت معركته مع التعليم منذ سنوات، حين جعل من المعدل الثانوي أداة قتل معنوية، سلاحًا لإجهاض الأحلام، وتفخيخ الطموح.
عبث بالمناهج، جعل الامتحانات تعجيزية، لا لشيء سوى لدفع الطلاب إلى الفشل، ثم جرّهم إلى الجبهات، حيث الموت هو الخيار الوحيد المتاح.
وحتى من نجح، بالكاد تجاوز عتبة الـ50%. جيلٌ كامل تم سحقه، وسرقة مستقبله. الأحلام تم تهشيمها عمدًا، والأمل أصبح سلعة نادرة.
منذ عشر سنوات، تحوّل الحوثي من جماعة تحمل شعارًا إلى كيان مسلح يمتهن التخريب، ويؤسس لمنظومة قمع لا علاقة لها بالدولة.
مارس النهب والتدمير والإقصاء بكل أشكاله، حتى لم يبقَ في مشروعه ما يمكن اعتباره قابلًا للعيش أو التأقلم.
لا يحلم بدولة، ولا يبني مؤسسات، ولا يتجه إلى تنمية، كل ما يفعله هو إدارة شبكة للجباية والنهب تحت ستار ديني زائف.
التعليم كان أول أهدافه. لم يوجّه بندقيته نحو الأجساد فقط، لقد صوبها إلى الوعي، إلى الطفولة، إلى المعنى نفسه.
حوّل المدارس إلى مصانع لقتل الأمل، والمناهج إلى حقول ألغام فكرية. شوّه الهوية الوطنية، ضخ الطائفية في الكتب، أغلق نوافذ المستقبل في وجه الطلاب.
صعّب الامتحانات بقصد، جعل من معدل الثانوية العامة أداة إعدام رمزي لأحلام جيل بأكمله، من تجاوزها بالكاد نجا، ومن سقط فيها التحق بجبهات الموت.
أفرغ المعنى من التعليم، وصنع من الفشل قاعدة، ومن الطموح استثناءً نادرًا.
رغم ذلك، ظهر هذا العام ما أربك المشهد. تفوق دراسي واسع، معدلات مرتفعة، ونسب نجاح غير معهودة. ظن البعض أن القبضة تراخت، أن هناك تحولًا إيجابيًا، لكن القراءة العميقة تكشف أنها عملية انتقائية تهدف إلى إعداد نواة سلالية جديدة.
المتفوقون الحقيقيون ليسوا أبناء الفقراء، إنما مختارون بعناية لتأهيلهم وإرسالهم في بعثات خارجية، ليعودوا لاحقًا كوادر محسوبة على المشروع السلالي، تُعيد إنتاج سلطته بصيغة أكثر نعومة. أما أبناء البسطاء، فيتم دفعهم إما نحو الجبهة أو نحو العتمة.
وفي موازاة هذا الانحراف في التعليم، يروّج الحوثي لخرافة "الصناعة العسكرية". يتفاخر بمنظومة صواريخ يدعي صناعتها محليًا، ويصوّر نفسه قوة ردع مكتفية ذاتيًا.
الحقيقة ظهرت مؤخرًا ضُبطت سفينة سلاح كانت في طريقها إليه. هذه الحادثة وحدها تكفي لنسف كامل ادعاءاته.
لم يعد سرًا أن إيران هي المزوّد، والمخطط، والراعي. الحوثي لا يصنع شيئًا، ولا يملك قدرة ذاتية، إنما يعمل كذراعٍ تخريبية ضمن مشروع إقليمي يستخدم اليمن ساحة معركة وشعبها كوقود لحروب الآخرين.
ومع تصاعد الرفض الشعبي، وبعد فشل كل أدواته في كسب الناس أو إخضاعهم نفسيًا، اتجه الحوثي نحو خطوة تنضح باليأس: طباعة عملة جديدة. عملة معدنية وأخرى ورقية لا تستند إلى غطاء اقتصادي، ولا يعترف بها أحد، ولا تقابلها أي قيمة حقيقية. يحاول فرضها بالقوة، عبر التهديد والوعيد، لكنه يقابل برفض ساخر، ومقاومة مجتمعية هادئة ولكنها تبدو حاسمة.
الناس تدرك أن هذه "العملة" ليست سوى إعلان انهيار رسمي لما تبقى من فكرة الدولة، وتجسيد حي لفوضى تديرها مليشيا لا تعرف شيئًا عن الاقتصاد، ولا تؤمن بغير جباية الخُمس، وغنيمة الغير.
الحوثي الآن في مرحلة انكشاف كامل. لا خطاب يُقنع، ولا سلاح يُرهب، ولا إنجاز يُذكر. يعيش على أوهامٍ صنعها إعلامه، ويتكئ على خوفٍ يتآكل.
اللحظة التي يفرّ فيها من صنعاء تقترب، والشارع الذي صمت طويلًا بدأ يُولد من جديد. لا أحد يصدّقه، ولا أحد يراهن عليه. السقوط قادم، لا يحتاج سوى شرارة.