تقارير

هل يضمن السلام في غزة إحلال الأمن في البحر الأحمر؟ (ترجمة)

18/11/2025, 15:48:16
المصدر : مركز الدراسات البحرية الاستراتيجية/ ترجمة خاصة

منذ أكتوبر 2023، شنّت مليشيا الحوثي، وهي جماعة متمردة يمنية سيطرت على جزء كبير من البلاد قبل أكثر من عقد، حملة ضد السفن التجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، مهاجمة أكثر من 100 سفينة تجارية. لطالما برّر الحوثيون حملتهم بالحرب الإسرائيلية في غزة باعتبارها “السبب الوجودي” لهذه العمليات، مدّعين أن الهجمات على السفن الإسرائيلية أو أي سفن تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية تهدف إلى معاقبة إسرائيل على دورها في الصراع.

ومع ذلك، وبعد الهدنة الأخيرة في غزة، قد يتوقع المرء بشكل منطقي أن تنتهي هذه الهجمات، خصوصًا مع تراجع عدد الهجمات منذ اتفاق الحوثيين مع الولايات المتحدة في مايو 2025 على تجنّب استهداف السفن الأمريكية مقابل وقف الغارات الجوية الأمريكية على اليمن. وقد أفيد بأن زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي أمر بوقف الهجمات على السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي أو تلك التي ترسو في الموانئ الإسرائيلية، كما فُسّرت رسالة الجماعة إلى كتائب القسام التابعة لحماس، التي تشير إلى أن حملتها ضد إسرائيل مؤجلة، على أنها علامة لدى البعض بأن الحوثيين يحوّلون تركيزهم بعيدًا عن البحر الأحمر.

إن نهاية الهجمات الحوثية في البحر الأحمر ستكون تطورًا مرحّبًا به نظرًا للتعطيل الكبير الذي تسببت به هذه الحملة للتجارة العالمية. فقد انخفضت حركة المرور عبر قناة السويس بنحو 50% بسبب المخاوف من استهداف السفن في البحر الأحمر. وقد اختارت العديد من السفن الإبحار عبر رأس الرجاء الصالح بدلًا من ذلك، ما أضاف وقتًا وتكاليف كبيرة لرحلاتها وأسهم في التضخم العالمي. وبالنظر إلى أن ما يصل إلى 15% من التجارة العالمية و30% من حركة الحاويات العالمية تمر سنويًا عبر قناة السويس، فلا يمكن التقليل من التأثير العالمي لهجمات الحوثيين.

- لا عودة آمنة في البحر الأحمر

ومع ذلك، قد لا تبشّر هدنة غزة بعودة التجارة البحرية الآمنة والمستقرة في البحر الأحمر. فالهدنة ما تزال هشة في أعقاب محاولة حماس إعادة فرض السيطرة على جيوب في مدينة غزة، وقد اتهم الطرفان بعضهما بالفعل بخرق الاتفاق. وتبقى العديد من العقبات المحتملة على طريق السلام الدائم، والتي يمكن أن تدفع بسهولة إلى استئناف الأعمال العدائية، بما في ذلك إعادة رفات الرهائن الإسرائيليين المتبقين، ومصير حركة حماس، ومدى استعداد إسرائيل لقبول دولة فلسطينية. وحتى لو تم التوصل إلى حل سلمي للصراع في غزة، فقد يكون ذلك غير كافٍ لإنهاء هجمات الحوثيين البحرية بشكل دائم، وذلك لأن دوافع الجماعة تتجاوز النية المعلنة لدعم القضية الفلسطينية.

- الحوثيون والأزمة العميقة في الشرعية

تهدف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر في المقام الأول إلى معالجة أزمات الشرعية التي تواجهها الجماعة محليًا وخارجيًا. فبينما نجح الحوثيون في السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء وإجبار الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي على الاستقالة، لا تزال الجماعة تواجه معارضة من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ومن جماعات مسلحة أخرى مثل المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية اليمنية، التي تسيطر على أجزاء واسعة من البلاد.

وبداخل مناطق سيطرة الحوثيين، تواجه الجماعة فقدان الشعبية بين السكان بسبب تدابير الرقابة الصارمة، سوء الأوضاع الاقتصادية، الفساد الحكومي، وصعوبة دفع رواتب القطاع العام. وعلى الصعيد الدولي، تُعد إيران الدولة الوحيدة التي تعترف بالحوثيين كحكومة شرعية، بينما الجماعة معزولة دبلوماسيًا واقتصاديًا عن معظم دول العالم.

من هذا المنظور، يمكن النظر إلى حملة الحوثيين في البحر الأحمر على أنها محاولة لتعزيز صورتهم ككيان حاكم كامل الوظائف وقوة جيوسياسية قادرة على خوض حرب ضد قوى إقليمية وعالمية وتعطيل التجارة العالمية بمفردها. وبينما كانت محاولات الحوثيين لضرب الأراضي الإسرائيلية غير ناجحة إلى حد كبير، فإن الهجمات البحرية وسّعت نفوذهم الدولي وأكسبتهم مكاسب دعائية مهمة.

- دوافع الحوثيين

رغم أن تبني الحوثيين لقضية حرب غزة يتماشى مع معتقداتهم المؤيدة لفلسطين والمعادية لإسرائيل، فإن لديهم عدة دوافع استراتيجية لربط حملتهم في البحر الأحمر بهذا الصراع. أولًا، حظي التدخل الحوثي في حرب غزة بشعبية واسعة جزئيًا بسبب المعارضة اليمنية لإسرائيل. وقد أظهرت استطلاعات مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية لعام 2024 أن الهجمات البحرية ساهمت في تعزيز مصداقية الحوثيين لدى السكان في مناطق سيطرتهم والمناطق المتنازع عليها، كما أسهمت في زيادة التجنيد، إذ ارتفع عدد مقاتلي الجماعة من 220 ألفًا في 2022 إلى 350 ألفًا في 2024.

- تعميق الشراكة مع إيران

كما ساعد تبني الحوثيين للقضية الفلسطينية على تعميق شراكتهم مع إيران، التي ما تزال المورد الرئيسي للذخائر والدعم للجماعة، لتعزيز قدراتهم العسكرية في مواجهة التحالف العربي.

- إضعاف صورة القوى الإقليمية

استغل الحوثيون حرب غزة أيضًا كغطاء لهجماتهم البحرية لتقويض تصورات الرأي العام تجاه بعض القوى العربية الإقليمية، مبرزين عدم استعدادها للتحرك عسكريًا رغم دعمها المعلن للقضية الفلسطينية، وبذلك يظهَر الحوثيون في موقع القوة والفاعلية مقارنة بها.

- هل ستتوقف الهجمات بعد هدنة غزة؟

وعلى الرغم من المكاسب الدعائية، يُرجَّح أن يواصل الحوثيون استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر حتى لو بقي الصراع في غزة مجمّدًا، إذ يمكنهم توظيف أي عقبة في مسار السلام كمبرر لاستئناف الهجمات. كما قد يحوّل الحوثيون تركيزهم نحو الولايات المتحدة، مستغلين عدم شعبيتها في اليمن، وقد لا يكون الاتفاق الحالي كافيًا لردعهم، كما يُظهر الهجوم على سفينة صينية في مارس 2024 رغم وعود الحوثيين بعدم استهدافها.

- تنسيق مع السودان وحركة الشباب الصومالية

عزز الحوثيون تنسيقهم مؤخرًا مع القوات المسلحة السودانية وجماعة الشباب الصومالية، ما يتيح لهم توسيع نطاق أهدافهم البحرية، واستخدام تكتيكات أكثر تنوعًا، بما في ذلك السفن المسيرة والسفن المزودة بمتفجرات.

- خلاصة

وفي حين قد تتذبذب الهجمات الحوثية في الأشهر المقبلة، فإن العبور الآمن عبر البحر الأحمر غير مضمون في المستقبل القريب. فحملة الحوثيين البحرية مرتبطة بالصراع اليمني الداخلي وأطماعهم السياسية، وليس بشكل جوهري بصراع غزة، ولن يتوقف تهديدهم للتجارة البحرية إلا بحل النزاع الطويل الأمد في اليمن.

تقارير

على حافة الانهيار.. الإصلاحات الاقتصادية آخر فرصة لإنقاذ اليمن

مع تسارع الأزمات الاقتصادية والإنسانية في اليمن، يزداد معاناة المواطنين يوميا بين تأخر الرواتب وارتفاع الأسعار وتقلص الخدمات الإنسانية. الحكومة الشرعية تواجه شحا في الموارد وعجزا عن دفع الرواتب منذ أشهر.

تقارير

تهديدات الحوثيين.. هل تتعايش السعودية مع الخطر بدلا من إنهائه؟

يكرر الحوثيون تهديداتهم بقصف الأراضي السعودية منذ سنوات، رغم مساعي السلام بين الطرفين والزيارات المتبادلة وقطعهما شوطا بهذا الخصوص قبل اندلاع الحرب في قطاع غزة، غير أن تلك المساعي توقفت بعد اندلاع الحرب، إذ انخرط الحوثيون بشكل أعمق في المحور الإيراني تحت شعار "وحدة الساحات" و"مساندة غزة"، مما علق جهود التهدئة التي كانت قد حققت تقدما ملحوظا.

تقارير

الموظفون اليمنيون يواجهون أسوأ أزمة معيشية منذ الحرب وسط انهيار الإيرادات وتباطؤ الدعم الدولي

يواجه الآلاف من الموظفين الحكوميين في عدن والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في جنوب وشرق اليمن تدهورا مستمرا في مستوى معيشتهم في ظل عدم صرف رواتبهم لأشهر.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.