تقارير
هكذا تسلب المليشيات الهوية وتستثمر في الفقر!
بعد يومين فقط من تعميم مصلحة الأحوال الشخصية والسجل المدني بصنعاء بمنع التعامل مع البطاقات الشخصية ووثائق الهوية المنتهية الصلاحية، أصدر البنك المركزي بصنعاء تعميمًا آخر بمنع التعامل بها في استلام التحويلات المالية وكافة المعاملات المالية للمنشآت الخاصة والعامة.
ولم تضع مصلحة الأحوال المدنية مدة زمنية محددة للمواطنين لاستصدار البطاقات الشخصية الجديدة، مما تسبب لهم بإرباك وتوقفت مصالحهم بين عشية وضحاها، وشعروا أن ما يحصل ليس سوى ابتزاز من مليشيا لا تراعي مصالح الناس.
- أزمة التحويلات المالية
في اليوم نفسه الذي صدر فيه تعميم البنك المركزي، تردد قاسم على أبواب محلات الصرافة يترجّى استلام حوالته المالية التي انتظرها لتوفير احتياجات المنزل دون جدوى، ولم يستلمها إلا بعد الاستعانة بالوساطات.
ويستغرب قاسم من الإسراع في تطبيق القرار الذي يعتبره جريمة في حق المواطنين الذين لم يعد يربطهم بالبطاقة الشخصية سوى المساعدات المالية التي تأتيهم عبر التحويلات من أهلهم المغتربين في الخارج أو من الميسورين من الأهل.
الوضع المعيشي الصعب الذي تمر به البلاد منذ بدء المواجهات العسكرية بين الحوثيين والحكومة الشرعية جعل قاسم والأغلبية العظمى من الناس يلاحقون لقمة العيش ولا يجدون فضل مال وسعة لتجديد وثائق الهوية.
وفي هذه الظروف وجد "علي"، الموظف في محل صرافة، نفسه في مواجهة مباشرة مع الزبائن الذين يأتون لاستلام حوالاتهم بالبطاقات القديمة، ويحاولون الضغط بقوة من خلال شرح ظروفهم وحاجتهم الملحة إلى الحوالة. وعلى الرغم من تعاطفه معهم، إلا أنه لا يستطيع مخالفة التوجيهات حفاظًا على مصدر دخله.
ويوضح "علي" أن نسبة كبيرة من الذين كنا نتعامل معهم خلال السنوات الماضية بطاقاتهم منتهية، ولم تحدث أي مشاكل نتيجة التعامل بها، كما أن جزءًا كبيرًا من المترددين على المحلات زبائن دائمون، وتحتفظ المحلات بنسخة من وثائقهم ولا تُطلب منهم خلال استلام الحوالات، لكن حاليًا لا يمكن التعامل معهم مهما كانت درجة الثقة.
- تنافس غير مشروع
وعلى الرغم من صحة وقانونية التعميم الصادر عن مصلحة الأحوال الشخصية بوقف التعامل مع البطاقات المنتهية الصلاحية بحجة أن ملامح الوجه تتغير مع مرور عشر سنوات، إلا أن المواطنين يرون أن الإجراءات ليست سوى وسيلة للاستثمار في المواطنين، خاصة أن الأعداد كبيرة جدًا.
فؤاد، مسؤول في فرع مصلحة الأحوال الشخصية شمال أمانة العاصمة (اسم مستعار لدواعٍ أمنية)، يقدّر عدد الحاملين للاستبيانات أو البطاقات الشخصية المنتهية الصلاحية، والتي مرّ على بعضها ما يصل إلى عشر سنوات، بأكثر من ثلثي المواطنين البالغين، بحسب مسؤول في فرع مصلحة الأحوال المدنية بمديرية بني الحارث شمال أمانة العاصمة.
ويؤكد المصدر أن الهدف من الإجراءات التي تسببت في ضغط شديد على مراكز الإصدار هو مصالح مالية في المقام الأول، ويأتي في إطار التنافس بين المؤسسات الحكومية لتعزيز مواردها المالية وإثبات جدارة قياداتها، حيث من المتوقع أن تصل إجمالي إيرادات استبدال البطاقات الشخصية وحدها إلى ما يقارب 20 مليار ريال خلال شهرين.
- بؤر للفساد والجبايات
تحولت مراكز الإصدار الآلي إلى بؤر للفساد والجبايات غير المشروعة، وما إن يدخل صاحب المعاملة إلى المركز حتى يتحول إلى ما يشبه الفريسة التي تتناوبها أيدي الموظفين الذين يجتهد كل واحد منهم في الحصول على نصيب من الغنيمة.
تبدأ رحلة الفساد والابتزاز من رسوم الاستمارة التي يُدوَّن على رأسها التكلفة 3500 ريال، لكن هذا الرقم ليس سوى حبر على ورق، أما القيمة الحقيقية فتتفاوت من مركز إلى آخر.
ووفق ما رصده معدّ التقرير، فإن رسوم الاستمارة تبدأ بـ 4000 ريال كما في فرع مصلحة الأحوال المدنية بمديرية بني الحارث، وترتفع إلى 5000 ريال بمديرية شعوب، لتصل ما بين 6000 و7000 ريال بمراكز أخرى بأمانة العاصمة، كما أفاد عدد من المواطنين.
ولا تتوقف عمليات الجبايات عند رسوم الاستمارة، فالموظف الذي يملأ البيانات يطالب بما بين 500 و1000 ريال، ثم يأتي دور الأرشيف 500 ريال، وموظف التصوير 1000 ريال، وموظف البصمة 1000 ريال. أما ما تسمى بـ"البصمة الخاصة" لمن يتعذر أخذ بصماتهم فتكون بضعف المبلغ، علاوة على 500 ريال عند العودة لاستلام البطاقة الجديدة.
- بنية تحتية ضعيفة
على مدى ثلاثة أيام يتردد "نجيب" بين مراكز الإصدار، لكنه ما إن يصل به الطابور إلى مكتب المسؤول عن قطع الاستمارات حتى يخبره أن الاستمارات خلصت، وعليه العودة باكرًا في اليوم التالي، وتظل معاناته معلقة من يوم إلى آخر كالمئات من المواطنين.
تتعامل مليشيا الحوثي مع أعداد المواطنين الكبيرة المجبرة على استبدال البطاقات الشخصية المنتهية بلا مبالاة، وعلى الرغم من معرفتها بمستوى الإقبال الكبير الناتج عن قرارها، لم توفر المتطلبات الأساسية لإنجاز معاملات الناس.
وتتراوح أعداد الاستمارات التي توفرها فروع مصلحة الأحوال المدنية ما بين 200 و600 استمارة كحد أقصى، مما يتسبب بالاختناق بالمعاملين كل يوم.
ولا تتوقف المشكلة عند حدود الاستمارات، فضعف البنية التقنية لأخذ البصمات يمثل مشكلة أخرى تتسبب بالتكدس والازدحام، حيث لا يظهر التطابق بسهولة ويأخذ وقتًا طويلًا، مما يجعل الإجراءات تستغرق وقتًا أطول.
وأمام هذه التوجهات التي تستثمر في شعب يُصنَّف بأنه يمر بأسوأ أزمة إنسانية في العصر الحديث، يبقى عبد الملك شعلان وجزء كبير من الناس عالقين مع بطاقاتهم القديمة ولا يملكون رسوم التجديد.
ويرى شعلان أنه لم يُحرم من الحصول على البطاقة الشخصية الجديدة فحسب، وإنما من هويته وحقه في الانتماء الذي سُلب منه بهذا الإجراء، دون مراعاة لظروفه أو حقه في المواطنة.