تقارير

شبكات التهريب الحوثية تتمدد.. سباق إقليمي ودولي لوقف تدفّق الأسلحة والمخدرات عبر البحر الأحمر والقرن الأفريقي

23/11/2025, 09:38:56

لم تُحدث التطورات الداخلية والإقليمية الأخيرة تغييراً استراتيجياً في ميزان القوى في اليمن، دون خطوات ملموسة نحو وضع خارطة طريق سياسية برعاية الأمم المتحدة. كما أن أشهرًا من الغارات الأمريكية والإسرائيلية على معاقل الحوثيين لم تُضعف بشكل حاسم قدراتهم الهجومية. وقد دفع وقف إطلاق النار في غزة الحوثيين إلى وقف الهجمات ضد تل أبيب، رغم بقاء التهديد قائمًا. وعلى الرغم من استهداف المصانع العسكرية في حرب إسرائيل ضد إيران، استمر تدفّق الأسلحة إلى الجماعة المدعومة من طهران، وبات يمر بشكل متزايد عبر طرق التهريب في القرن الإفريقي، كما تُظهر عمليات الضبط المتكررة للشحنات.

بالنسبة للحوثيين، يُعدّ التهريب أداة اقتصادية واستراتيجية في آن واحد. فمن جهة، يعزّز الإيرادات الخارجية التي تُستخدم لتمويل الحرب. ومن جهة أخرى، تشكّل الشبكات القائمة على الربح في البحر الأحمر وخليج عدن تحالفات قادرة على تجاوز الانقسامات الطائفية. ووفقًا لخبراء الأمم المتحدة، فقد “تكثف” التعاون بين الحوثيين وحركة الشباب (الفرع الصومالي لتنظيم القاعدة)، وهو يشمل “تهريب الأسلحة والتدريب الفني”، بما في ذلك “التكتيكات العملياتية وتبادل الدعم اللوجستي”. وبالتوازي، أظهرت كل من ميليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب “تعاوناً متزايداً”، يشمل التهريب والتدريب لمقاتلي التنظيم داخل اليمن. وعلى المدى المتوسط والبعيد، يمكن أن يؤدي نقل الحوثيين للخبرات والتقنيات إلى الجماعات المسلحة والإرهابية في منطقة البحر الأحمر إلى مخاطر إضافية على الأمن البحري.

وبحسب التقرير النهائي لفريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، فإن الحوثيين في عام 2025 هم “المزوّدون الرئيسيون والمتحكمون بأنشطة التهريب” مع حركة الشباب والقاعدة. وبالنسبة للجماعة التي تتخذ من صعدة مقراً لها، تُعد هذه الإمدادات مكمّلة لتلك التي تصلهم مباشرة من إيران، وغالباً ما تشمل أسلحة ودوائر إيرانية. ومع ذلك، تسمح “شبكة المقاومة” الحوثية في البحر الأحمر لقيادة الجماعة بتنويع سلاسل الإمداد وتعزيز تحالفات جديدة — سواء داخل المعسكر الإيراني أو خارجه — مع تعزيز استقلاليتها العسكرية والسياسية عن طهران.

تتزايد المؤشرات على وجود تعاون في التهريب بين الحوثيين والمعسكر الموالي للقوات المسلحة السودانية، رغم غياب الأدلة الحاسمة. ففي عام 2025، اعترض خفر السواحل اليمني شحنات أسلحة مُهرّبة من السودان واحتجز عدداً من عناصر الحوثيين. ويُعتقد أن هناك طريق تهريب يمتد بين بورتسودان والصلّيف (الحديدة) “لنقل الأسلحة والمقاتلين”، كما تشير تقارير إلى أن الحوثيين أرسلوا في عام 2024 “سفن أسلحة” إلى قوات السودانية بناءً على طلب إيران. وفي عام 2023، تحدث خبراء الأمم المتحدة عن “شبكة تهريب منسقة للغاية تعمل بين اليمن والسودان”، واستشهدوا باستخدام قوات الدعم السريع لبنادق G3 التي جرى تعديلها في مناطق خاضعة للحوثيين. وعلى الأرجح كان ذلك تهريباً انتهازياً عبر قنوات قائمة: ففي عام 2015، شاركت قوات الدعم السريع في اليمن ضمن التحالف بقيادة السعودية لمحاربة الحوثيين، إلى جانب القوات السودانية.

قد تؤدي العلاقات الدبلوماسية والعسكرية المتجددة بين إيران والسودان منذ 2023 إلى تعزيز التعاون بين الحوثيين والمعسكر المؤيد للجيش السوداني. غير أن الحوثيين قد يعتمدون أيضاً على الروابط المباشرة مع البنية الثقافية والسياسية في السودان: فحسين الحوثي درس هناك أواخر التسعينيات، كما جاء العديد من السودانيين إلى الجمهورية العربية اليمنية كمعلمين قبل الوحدة. وبالنظر إلى هذا السياق، فمن المرجح أن يكون الحوثيون قد طوروا قنوات تعاون مع الميليشيات الإسلامية التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني (وضعت رسمياً تحت قيادة الجيش منذ أغسطس 2025)، أكثر من الجيش السوداني نفسه الذي قاتل الحوثيين في اليمن، والذي تسعى قيادته إلى الحفاظ على علاقات استراتيجية مع السعودية والولايات المتحدة. ومع ذلك، يتطلب وجود هذا التعاون مزيداً من التوثيق.

ضمن هذا المشهد، أصبحت مكافحة التهريب محوراً أساسياً في استراتيجية الحكومة اليمنية، وكذلك لدى الحلفاء الإقليميين والدوليين، كما يظهر بوضوح في زيادة الدعم والتمويل لخفر السواحل اليمني. وهناك سببان لذلك: أولاً، كبح شبكات التهريب الحوثية يمكن أن يقلل بشكل ملموس من إيرادات الجماعة ويُضعف قدراتها الهجومية. ثانياً، تُعد مكافحة التهريب من القضايا القليلة التي تتوافق عليها الفصائل المتنافسة داخل الحكومة اليمنية والمجلس الرئاسي (PLC).

الأسلحة المُهرّبة: مزيد من الشحنات المصادَرة

حتى الآن من عام 2025، تمكن خفر السواحل اليمني والقوات التابعة له من اعتراض عدد أكبر بكثير من السفن والقوارب التي تحمل مواد عسكرية من إيران إلى الحوثيين. وكانت المواد المضبوطة — بعضها ذو منشأ صيني — مخصصة للتجميع وإنتاج الأسلحة داخل اليمن. وحتى وقت قريب، كانت هذه العمليات تنفذ فقط بواسطة بعثات دولية بحرية.

في فبراير، ضبط خفر السواحل أول شحنة له في جنوب البحر الأحمر، تلتها عملية ضبط ضخمة في يوليو نفذتها قوات المقاومة الوطنية المدعومة إماراتياً، والتي استولت على “أكثر من 750 طناً من الذخائر والمعدات”، بما في ذلك “مئات الصواريخ المتطورة المضادة للسفن والطائرات”، وفقاً للقيادة المركزية الأمريكية.

وفي أغسطس وأكتوبر، اكتشفت قوات الحزام الأمني والمجلس الانتقالي الجنوبي — وهما أيضاً مدعومان من الإمارات — حاويات في ميناء عدن تحمل “أجزاء تصنيع طائرات مسيرة ومعدات إلكترونية حساسة” وكذلك “طائرات مسيرة ومكوناتها”. وفي أكتوبر أيضاً، اعترضت ألوية العمالقة شحنة قبالة ساحل لحج تحتوي على “معدات عسكرية متطورة، وأجزاء طائرات مسيرة، ومعدات مراقبة”، إضافة إلى “بطاريات عالية السعة وألياف كربونية تستخدم في تصنيع المسيرات”.

تنامي عامل المخدرات

لا تُعد الأسلحة (والوقود) المواد الوحيدة التي تُهرّب. فوفق الأمم المتحدة، “راكم الحوثيون موارد غير قانونية كبيرة” عبر تهريب المخدرات منذ عام 2024، مع “تزايد اتجاه” تهريب وتجارة المواد المخدرة داخل اليمن. وينمو هذا الاتجاه بسرعة، إذ كانت الأمم المتحدة قبل عام 2023 لا تزال “تتحقق” من التقارير المتعلقة بالموضوع.

بعد تعطيل إسرائيل لشبكات حزب الله وسقوط نظام الأسد في سوريا، تسعى الشبكة الإيرانية لتجارة الكبتاغون إلى نقل الإنتاج والتهريب إلى اليمن. وتدعم عمليات الضبط غير المسبوقة ومداهمة المختبرات الصناعية هذه الفرضية.

ففي أكتوبر، اعترضت فرقاطة باكستانية — تعمل ضمن قوات CTF-150 بقيادة السعودية — شحنتين من الميثامفيتامين في بحر العرب. وفي الشهر نفسه، اعترضت قوات على الأرجح تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي قارباً قبالة سواحل حضرموت ينقل ثلاثة أطنان من الحشيش والميثامفيتامين، وحُكم لاحقاً على ستة مهربين إيرانيين بالإعدام في محكمة بالمكلا. وفي سبتمبر، داهمت القوات المحلية مختبراً مرتبطاً بالحوثيين لإنتاج المخدرات الصناعية في محافظة المهرة، إحدى أبرز مناطق التهريب على الحدود العمانية.

طرق تهريب جديدة وقديمة: نقطة التحول 2022/2023

تشير عمليات الضبط المتزايدة إلى إعادة رسم طرق تهريب الأسلحة للحوثيين. ويمكن رسم “خرائط” معقولة لهذه الطرق عبر شهادات أطقم السفن المضبوطة وغيرها من المصادر.

تغيّرت الطرق جزئياً منذ هدنة 2022، وتسارع التغيير بفعل ضربات إسرائيل الأخيرة. فقد اكتسبت طرق التهريب من القرن الإفريقي إلى الساحل الغربي لليمن زخمًا بعد الهدنة وتخفيف عمليات التفتيش الأممية عام 2023. قبل ذلك، كانت الأسلحة الإيرانية تتجه أساساً عبر بحر العرب.

حتى 2022 /2023، كانت الإمدادات تدخل المناطق الحوثية عبر موانئ عدن وشبوة وحضرموت والمهرة. كما مرت عبر جزر عمان (خوريا موريا) ثم إلى موانئ جنوب اليمن أو عبر الصومال. ووصلت أسلحة أخرى عبر الحدود العمانية — وهي نقطة ساخنة للتهريب.

وفي 2023، رُفعت القيود عن الواردات إلى موانئ الحوثيين — باستثناء السلع المحظورة — ورغم استمرار تفتيش الأمم المتحدة عبر آلية (UNVIM) في جيبوتي، فقد شهدت أعداد السفن وتنوع البضائع “زيادة ملحوظة”، ما ربما قلل من دقة التفتيش.

وفي 2025، لا تزال الحدود العمانية — خصوصاً منفذي شحن وصرفيت — “ممرًا رئيسياً” للتهريب رغم زيادة الرقابة والضغوط من الحلفاء.

أما الطرق البحرية، فباتت متنوعة وتشمل بحر العرب والبحر الأحمر بشكل متزايد. وإلى جانب المسار المباشر من بندر عباس إلى الصليف، هناك مساران رئيسيان عبر القرن الإفريقي تُستخدم حالياً من شبكات مرتبطة بفيلق القدس التابع للحرس الثوري.

الأول: من السواحل الصومالية إلى الساحل الغربي أو إلى حضرموت وشبوة وفق تقرير الأمم المتحدة 2025. وتُستخدم الصومال “بشكل متزايد” كمركز عبور للأسلحة.

الثاني: من جيبوتي عبر غطاء تجاري إلى موانئ الحديدة والصليف.

وتذكر ورقة لمركز صنعاء 2024 مسارين آخرين عبر إفريقيا:

– من إيران إلى إريتريا، ثم إلى الجزر اليمنية في البحر الأحمر وصولاً إلى الحديدة.

– ومن بورتسودان إلى الحديدة، وهو مسار يتعزز تدريجياً، وقد اعترض خفر السواحل شحناته حديثاً.

تصاعد القدرات على مكافحة التهريب

تُفسَّر الزيادة في عمليات الضبط بتحسن القدرات الاستخباراتية والعملياتية والبنية التحتية، خاصة بين القوات المدعومة إماراتياً المنتشرة على السواحل والجزر. وفي الوقت نفسه، يعمل خفر السواحل بعيداً عن الساحل الواقع تحت سيطرة الحوثيين، ما يُظهر سبب انتقال طرق التهريب من بحر العرب إلى البحر الأحمر. كما ساهم رفع القيود على موانئ الحوثيين في ذلك.

وفي أكتوبر، كشفت صور بالأقمار الصناعية عن مدرج قيد الإنشاء في جزيرة زقر، التي تسيطر عليها قوات المقاومة الوطنية، وهي موقع مثالي للمراقبة ومكافحة التهريب، بالتوازي مع قواعد أخرى في المخا وبريم.

دعم خفر السواحل: التمويل والشركاء

تتجه الأطراف اليمنية والإقليمية والدولية نحو إعادة بناء خفر السواحل في المناطق الحكومية. ورغم أنه غير قادر على منع هجمات الحوثيين على السفن، إلا أنه قادر على أن يكون لاعباً مهماً في أمن السواحل.

وفي سبتمبر، أُطلقت شراكة الأمن البحري اليمنية (YMSP) في الرياض بمشاركة أكثر من 35 دولة، بهدف مكافحة التهريب والقرصنة والاتجار بالبشر خلال خطة تمتد لعشر سنوات. كما ستطلق بريطانيا صندوق مساعدة فنية لتنسيق الدعم الدولي.

يُعد تطوير خفر السواحل خطوة مهمة لثلاثة أسباب:

تعزيز السيطرة الحكومية على الساحل الجنوبي ورفع شرعية الدولة.

تسهيل استئناف صادرات النفط المتوقفة منذ 2022، وهو ما يمكن أن يموّل الخدمات العامة.

تعزيز قدرات اعتراض شحنات السلاح القادمة من إيران وشبكات الحوثيين.

دور السعودية والإمارات

أعلنت السعودية تقديم 4 ملايين دولار إضافية لخفر السواحل، ليصل مجموع دعمها إلى أكثر من 55 مليون دولار. ويشمل التنسيق “تبادل المعلومات والتخطيط العملياتي”.

أما الدور الإماراتي، رغم أنه أكثر هدوءاً، إلا أنه محوري، إذ تدعم الإمارات معظم القوات المسؤولة عن أمن السواحل الجنوبية والجزر والموانئ.

شبكات تهريب أكثر، وشركاء أكثر لمكافحة التهريب

في الوقت الراهن، تُعد مكافحة التهريب واحدة من المجالات القليلة التي تجمع القوى المتصارعة في الحكومة والمجلس الرئاسي. ويمكن أن يسهم تحويل هذا التوافق إلى سياسات فعلية في تعزيز وحدة الموقف السياسي.

ومع توسع شبكات التهريب الحوثية في البحر الأحمر، تتقارب مصالح القوى الإقليمية والدولية في الحد من تدفق الأسلحة من إيران، خاصة أن البحر الأحمر يُعد امتداداً للمتوسط بالنسبة للأوروبيين. وكلما زاد تعاون الحوثيين مع حركة الشباب والقاعدة عبر التهريب، زادت مخاطر نقل القدرات إلى الجماعات المسلحة في المنطقة — وهو ما يجب منعه. وهنا تتفق الدول الأوروبية والخليجية والولايات المتحدة. ويمكن توسيع خيارات التعاون لتعظيم النتائج، بالاعتماد على الجهود الحالية لدعم خفر السواحل.

معهد دراسات السياسة الدولية الإيطالي
تقارير

الوازعية.. أطفال يكافحون لأجل التعليم وسط الأنقاض

تحت ما تبقى من أنقاض مدرستهم المهدمة في نوبة طه بمديرية الوازعية في محافظة تعز، يتلقى العشرات من طلاب مدرسة "الوفاق" تعليمهم وسط ظروف تعليمية يسودها القلق والخوف من انهيار ما تبقى من جدران المدرسة، التي تعرضت لدمار واسع خلال سنوات الحرب، وهو ما أثر سلبًا على سير العملية التعليمية فيها.

تقارير

حملة جديدة للمليشيا في صنعاء تستهدف صغار التجار وتدفع آلاف الأسر نحو الانهيار

أثارت الاعتداءات المتصاعدة التي تُنفذها جماعة الحوثيين ضد صغار التجار والباعة المتجولين في أسواق وشوارع العاصمة   صنعاء، موجة غضب واسعة في أوساط السكان والناشطين الحقوقيين، بمن فيهم مؤيدون للجماعة نفسها، وسط تحذيرات من أن هذا النهج التعسفي يعمّق معاناة الفئات الفقيرة، ويدفع آلاف الأسر نحو مزيد من الانهيار المعيشي.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.