تقارير

رمضان في تعز.. ضيف المعدَمين والعاجزين عن استضافته

16/04/2021, 13:06:07

قناة بلقيس - هشام سرحان

المواطن عبدالله أحمد (58 عاماً) ليس العاجز الوحيد عن تحضيرات رمضان واستضافته كما ينبغي، وشراء حاجياته ومستلزماته، بل هناك الكثير من المعدَمين في مدينة تعز، الذين يحلّ عليهم هذا الشهر كضيف عابر، سرقت الأوضاع الراهنة والظروف المعيشية الصعبة وغلاء المعيشة الكثير من أجوائه، وروحانيته، ومظاهر الابتهاج والترحيب به، وإعداد الموائد الكبيرة والعامرة بالكثير من الأصناف المعهودة منذ أمد بعيد.

عوامل متراكمة أثرّت بشكل كبير على التهيّؤ للشهر الكريم، الذي يحلّ في ظل ارتفاع معدلات الفقر، والبطالة، وفقدان الوظائف، والرواتب، وندرة الأعمال، وشحة مصادر الدخل، وغلاء الأسعار، ما يجعل شراء السلع الرمضانية ترفا وحلما صعب المنال بالنسبة لكثير من الفقراء، الذين يكتفون بالاستضافة الروحية، وترديد التهاليل والتكبيرات والأهازيج الشعبية المتوارثة.

يردد أحمد "يا رمضان يا بو الحمائم.. إندي لنا عصبة دراهم"، ثم يكتوي بحسرته وألآمه، وأمراضه المزمنة المتعددة، وعوزه، وشدّة حاجته، ووضعه المادي المأساوي، وبُؤس، وشقاء، ومعانات أسرته، التي يصعب عليه إطعامها، وتوفير قوتها الضروري، وتأمين احتياجاتها الرمضانية، وزرع البسمة على وجوه أطفاله، لافتقاره للمال، وعجزه الشديد عن تأمين المواد الغذائية الأساسية، من: دقيق، وسكر، وأرز، وغيرها.

يعتريه الإنهاك، والتّعب، والقهر، والاكتئاب، والحزن، ويختنق بغصّته، وتشتد عليه وطأة ضغط الدّم والسكر، واضطرابات القلب، كلّما نظر في وجه أفراد عائلته المجهدة، وتطلّع في ملامحهم، واستمع إلى مطالبهم، ورغباتهم في أن يتوفّر في منزلهم المتواضع ولو جزء يسير مما لدى البعض، من مأكولات، ومشروبات، وحلويات، وعصائر رمضانية.
 
تفتك به العديد من الأمراض والهموم، ويتهاوى بصمت في منزل متواضع بحي "الضبوعة"، وسط مدينة تعز، يفتقر فيه لأبسط متطلّبات العيش، ويخيّم عليه الظلام الدامس، الذي يعجز عن تبديده بتوفير 'طاقة شمسية' مع شاشة تلفزيونية لمتابعة البرامج والمسلسلات الرمضانية، كما يصعب عليه استعادة فرحة وابتسامة أولاده وبناته، التي فارقتهم منذ سنوات.

* في مربّع العجز

يذكر لموقع "بلقيس"، وبصوت مثخن بالوجع والدّموع: "وضعي المادي والمعيشي سيِّئ للغاية، ولم يسمح لي بشراء أي شيء يخصّ رمضان، واستضافته، وجلب متطلباته لأسرتي المتعبة والمنهكة، التي بالكاد أوفّر لها السلع الأساسية من المساعدات المتواضعة، التي أتلقاها من بعض الجيران والأصدقاء".



يضيف: "الراتب حياة، وانقطاعه الطويل جعلني ألزم بيتي، وحال دون ذهابي إلى السوق لشراء بعض الأشياء الخاصة برمضان، التي اعتدت على توفيرها في السنوات التي سبقت الحرب".

تسببت الحرب الدائرة في البلاد، منذ العام 2015، في انقطاع رواتب مئات الآف اليمنيين، وتردّي أوضاعهم المادية، والمعيشية، والاقتصادية، والصحية، كما خلفت أسوأ وأخطر أزمة إنسانية على مستوى العالم، وفقاً لتصنيفات أممية.

يعتصر أحمد الألم في هذه الأيام، حين يسمع أطفاله يتحدّثون عن الأشياء التي جلبها بعض جيرانهم، ويطلبون مثلها، فيغرق في حزنه، وشروده، والمقارنة بين سنوات الحرب وما قبلها، ويرثي أياماً كانت زاخرة بالروحانية، والخير، والصحة، والسعادة، والتراحم، والتكافل المجتمعي، وتتوفر فيها الكهرباء، والرواتب، كما ترخص الأسعار، ويستعد فيها الناس لرمضان منذ مطلع شهر شعبان.

يتذكّر، اليوم، الأجواء الرمضانية التي كانت تخيّم على المدينة بمنازلها، وأزقتها، وشوارعها، وحواريها، وجوامعها، ومظاهر التراحم والفرحة التي كانت تغمر الجميع، الذين يتشاركون استضافة رمضان، وإحياء أيامه ولياليه، حيث يتبادلون فيها الزيارات ومختلف أصناف الأطعمة والمشروبات.

يبدو شاحباً، ومرهقاً، ومثقلاً بالهموم، وغلاء الأسعار، والعجز عن شراء كيس دقيق (بلغ سعره 28 ألف ريال) أو شراء أحذية وملابس متواضعة لأطفاله الحفاة، العراة، المحاصرين بالأمراض والحميات الفيروسية.
يذكر لموقع "بلقيس": "اختفت الفرحة، وحلّ عليّ القهر، والألم، والمضاعفات الصحية، والعجز عن تأمين احتياجات رمصان لأطفالي، الذين أعيش معهم في هذه الأيام مأساة كبيرة، ولا أملك سوى أن أقول الله يحرمه عافيته وحياته من حرمني راتبي".

وعندما تطلق مساجد المدينة المحاصرة من قِبل مليشيا الحوثيين، للعام السابع على التوالي، أذان المغرب، يفطر أحمد مع 8 من أفراد أسرته بالقهوة والتمر، التي حصل عليها من أحد فاعلي الخير، ثم يلتفون بعد أداء صلاة المغرب حول مائدة متواضعة، قوامها: 'الشفوت' و'الأرز' و'الفتة'، ويتناولونها في الظلام، الذي يستعينون عليه بضوء خافت من هاتف والدهم المتهالك، الذي يقوم بشحنه عند أحد جيرانه.
 
* إيقاع بطيء

تساوره الكثير من المخاوف والهواجس، بينها نفاد الغاز  (لا يملك سوى إسطوانة وحيدة)، لأنه لا يستطيع شراءه مجدداً، لعدم توفّر المال، وشحة هذه المادة، وغلاء قيمتها في مدينة تشهد أزمات غاز متكررة، تجعل المواطنين يخوضون رحلة بحث شاقة، وشراؤها من السوق السوداء باهظ الثمن، يثقل كاهلهم، ويؤثر على عملية إعداد الوجبات الرمضانية، رغم تواضعها.



إلى ذلك يتدنّى، في هذا الموسم، مستوى إقبال المواطنين على محلات وأسواق بيع سلع ومستلزمات رمضان، جراء ضعف قدراتهم الشرائية، ناهيك عن غلاء أسعارها، الذي يوسّع دائرة العجز عن توفيرها، ويجعل تفكير الناس مقتصراً على شراء المواد الغذائية الأساسية، التي تفي بسد رمقهم، وتحول دون انزلاقهم نحو المجاعة.

يؤكد التاجر نائف المليكي (50 عاماً) أن إقبال المواطنين على شراء حاجيات رمضان -في هذا الموسم- ضعيفٌ جداً، خلافاً للسلع الأساسية، التي حظيت بإقبال جيّد، فيما يلفت إلى مدى التراجع الكبير في معدل الإقبال على المتطلبات الرمضانية، مقارنة بالأعوام السابقة.

ويثير غلاء الأسعار -منذ أسابيع- موجة انتقادات حادة في أوساط المهتمين وناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يُرجعونه إلى ضعف الدور الرقابي، وعدم قيام السلطة المحلية، والمكاتب التنفيذية المعنية في المحافظة، بدورها في ضبط الأسعار والمتلاعبين بها.
الاستعدادات الرمضانية لهذا العام، وحركة العرض والطلب، سارت وفق إيقاع بطيء، ما يعكس مدى التدّهور الحاصل في أوضاع الناس في المدينة الواقعة جنوب غرب البلاد، الغارقة في وحل الفقر والجوع والمرض والنزوح والأوبئة، وعلى رأسها فيروس 'كورونا'، الذي فاقم من معانات الناس، ومعدلات الوفيات المُخيفة.

تقارير

معادلة السلام والحرب.. عودة للمسار السياسي وخفض التصعيد في البحر

يشير الواقع إلى أن مليشيا الحوثي، التي عطلت مسار جهود الحلول الأممية، خلال السنوات الماضية، وفق تصريحات الحكومة المتكررة، لا تمانع الآن من الدخول في تسوية محدودة مع السعودية، تسد حاجتها المالية والاقتصادية، وتخفف من أزمتها الداخلية.

تقارير

صفقة سعودية حوثية.. ترتيبات متقدمة وتحذيرات من النتائج

تتسارع الخطى نحو وضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق الأممية، التي تحمل في مضمونها تفاهما وتقاربا حوثيا - سعوديا، لم يكن يتوقعه أحد، لا سيما إن استعدنا شريط الذكريات للعام الذي انطلقت فيه عاصفة الحزم، وتهديد الطرفين بالقضاء على الآخر، إذ تعهد الأول بإعادة الشرعية إلى صنعاء، فيما توعد الآخر بالحج ببندقيته في مكة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.