تقارير
"تحوّل في السياسة".. التعامل البراغماتي للصين مع الحوثيين
برزت تقارير، الشهر الماضي، تفيد بأن شركة 'تشانغ غوانغ تكنولوجيا الأقمار الصناعية'- وهي شركة صينية يُزعم أن لها ارتباطات مع جيش التحرير الشعبي- تواجه اتهامات من الولايات المتحدة بأنها تقدِّم صوراً فضائية للحوثيين في اليمن.
ومن المفترض أن هذه المعلومات قد ساعدت الحوثيين، المعروفين باسم "أنصار الله"، في استهداف السفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر قبل الهدنة بين الجانبين بتأريخ 6 مايو.
ووفقًا لتقرير واحد على الأقل، أثارت واشنطن مثل هذه المخاوف مع بكين، متهمة إياها بتقديم "دعم ضمني" للحوثيين، غير أنه تم تجاهلها.
وقد ساهمت التقارير في تعزيز الانطباعات السائدة لدى بعض المراقبين بأن الصين تتبنَّى موقفًا مؤيدًا للحوثيين بالشأن اليمني.
بيدَ أنه لفهم العلاقة الصينية مع "أنصار الله"، ومستوياتها المتعددة، يتطلب الأمر بهذا الخصوص قدرا أكبر بكثير من الدقة.
- التعامل المحدود والبراغماتي
على الأقل حتى الآن، كان تعامل الصين مع الحوثيين محدودًا، مما يعكس رغبة متدنية لديها للتدخل في اليمن.
من المحتمل أن يبقى هذا الموقف ثابتًا في المستقبل القريب، حيث من غير المحتمل أن تظهر القوة الآسيوية كفاعل رئيسي في البلاد التي مزّقتها الحرب. الأسباب بسيطة؛ وهي الاحتمالية من أن انخراط الصين بشكل أكبر لن يعزز موقفها في المنطقة.
وقال الدكتور توماس جونيو، وهو أستاذ مشارك في مدرسة الدراسات العليا للشؤون العامة والدولية بجامعة أوتاوا، لموقع "أمواج ميديا": "مصالح الصين في الشرق الأوسط تتعلق أساسًا بالتجارة؛ ونظرًا للحرب الدائرة في اليمن، هناك القليل من الفرص على هذا المستوى".
وأضاف: "من الواضح الآن أن الصين فتحت قنوات اتصال مع الحوثيين، وأتوقع أن يستمر هذا، إلا أنه لدى الصين مصالح محدودة في اليمن، باستثناء حرية الملاحة في البحر الأحمر ومنطقة خليج عدن".
استشهدت تقارير استخباراتية أمريكية متعددة، في الأشهر الأخيرة، بأن الصين تسهّل للحوثيين الحصول على أنظمة توجيه الصواريخ والمكونات المتقدّمة المستخدمة في الهجمات البحرية منذ نوفمبر 2023.
ويُزعم أن هذا التعاون السري يتضمن مقايضة، حيث تُمنح السفن التي تحمل علم الصين المرور الآمن، في حين يوجّه العديد من الفاعلين الآخرين مسار الشحن بالانعطاف حول رأس الرجاء الصالح. غير أن بعض الخبراء يعتقدون بأنه يجب أخذ هذه الادعاءات بشيء من الحذر.
وقال نيكولاس برومفيلد، خبير في الشرق الأوسط مقيما في واشنطن الذي يتركز اهتمامه على اليمن والأمن البحري: "لقد رأينا الحوثيين يحصلون على نسبة كبيرة من مكوّنات أسلحتهم من الشركات الصينية في السنوات الأخيرة، بالرغم من أن مدى هذا التعاون بين الصين والحوثيين، مقارنة مع إنتاج الشركات الصينية لعدد كبير من المكونات المتاحة بشكل تجاري، لا يزال غير واضحا جيدًا".
فعلى أرض الواقع، لم تظهر أي أدلة موثوقة على عمليات نقل مباشرة لمثل هذه الإمدادات من الصين إلى حركة الحوثي.
وهناك سبب آخر يجعل علاقات بكين مع "أنصار الله" غير متينة، خلافا لما تقترحه بعض التقارير، وهو الشراكات الوثيقة للصين مع السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وكما أوضح جونيو، فعلاقات بكين مع أبو ظبي والرياض "أكثر أهمية بكثير" من العلاقات "الهامشية" مع الحوثيين.
- تحوّل في سياسة الصين
حتى وقت قريب، كانت الصين تتماشى إلى حد كبير مع الموقف السعودي بشأن اليمن، مما وضعها في اتفاق تام مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، يبدو أن السياسة الصينية الآن في حالة انتقال، حيث تتعامل بكين مع الحوثيين بطرق جديدة.
كل هذا يعكس نهجًا براغماتيًا يتماشى مع الفواعل المتغيّرة وهي الحاجة المهمة لتأمين طرق الشحن والمصالح البحرية بالقرب من باب المندب، وموقف السعودية المتغيّر من الحوثيين، وتزايد التنافس بين الصين والولايات المتحدة.
وأوضح "برومفيلد" لموقع "أمواج ميديا": "هذا الكم من التقارير حول توفير المواد والمعلومات لدعم مساعي الحوثيين يشير إلى أن سياسة (الصين) قد تكون قد تحوّلت من 'سنبقى بعيدين عن هذا حتى تنتهي الحرب في اليمن، ثم سنجني الكثير من المال من خلال إعادة الإعمار' إلى: دعونا نرى ماذا يمكننا أن نحصل عليه من هذا".
وأضاف قائلا: "لا أتوقع أي تحوّل زلزالي في السياسة الصينية بشأن اليمن، إلا أنه من المحتمل أنهم ينظرون لتعاملهم بشكل خفي مع الحوثيين كاستثمار ذي تكلفة منخفضة وعائد ذي قيمة عالية في المنافسة الإستراتيجية".
وردًا على الادعاءات بشأن علاقة تقنية الأقمار الصناعية لتشانغ غوانغ مع الحوثيين، قال "جونو" إنه يجد أنه ليس من المستغرب أن شركة صينية ستزوّد الحوثيين بصور للأقمار الصناعية، وأن ذلك تم على الأرجح بموافقة ضمنية، على الأقل، من بكين.
ووفقًا لما قاله لموقع أمواج ميديا: "سوف يطمئن هذا الصين من أن الحوثيين لن يستهدفوا سفنها التجارية في البحر الأحمر، ونظرًا لأن الصين تعتمد بشكل كبير على مرور التجارة البحرية عبر البحر الأحمر، فإن هذه مصلحة مهمة لبكين".
- اليمن وصراع الصين - الولايات المتحدة
بالنظر إلى المستقبل، من غير المحتمل أن تظهر اليمن وأزمة البحر الأحمر كبُؤر توتر رئيسة في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة.
وفي حين توجد بعض الاختلافات بين بكين وواشنطن، فإن هذه القضايا هامشية مقارنة بتايوان ومواضيع أخرى تغذي احتكاكهما بشكل أكبر بكثير.
ففي سياق المنافسة بين القوى العظمى، تبدو التقارير حول الدعم الروسي للحوثيين أكثر أهمية من التعامل المحدود للصين مع الحوثيين.
وعلاوة على ذلك، فإن النجاح الأخير للإدارة الأمريكية تحت قيادة دونالد ترامب في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحوثيين - مهما كان هشا وغير ثابتا- يشير إلى تفضيل الولايات المتحدة للاحتواء، بدلاً من التصعيد، على الأقل في الوقت الراهن.
ومع ذلك، ففي ظل نظام جيوسياسي عالمي يزداد تعريفا كاستقطاب متزايد بين الشرق والغرب، من الضروري التفكير في المكان الذي تتموقع فيه صنعاء وغيرها من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.
فأحد الاعتبارات المهمة على المدى الطويل، خاصة في ضوء إعادة تصنيف واشنطن ل'أنصار الله' كمنظمة إرهابية أجنبية، يتعلق بالدور المحتمل للصين - إلى جانب إيران وروسيا - في اتاحة بنية اقتصادية بديلة يمكن أن تساعد جماعة الحوثيين على الصمود أمام العقوبات الأمريكية.
وقال برومفيلد لموقع "أمواج ميديا": "لقد كانت إيران تتهرب من العقوبات لإرسالها للوقود إلى الحوثيين لسنوات، وهناك مؤشرات على أن أسطول الظل الروسي يفعل الشيء نفسه بالمثل".
وأردف قائلا: "لقد رأينا أدلة أقل بشأن الصين، ولكن بالنظر إلى الحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، يمكن للمرء أن يتخيّل انقسام النظام الاقتصادي العالمي بحيث نجد المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن تندرج في المجال الذي تتمحور فيه الصين، الذي أعتقد أنه يعبِّر عن التحولات الكبيرة التي نشهدها... في الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن".