تقارير
الخيام لا تقي من النار.. نازحون يواجهون موجة الحر دون حماية
كانت الساعة تقترب من الواحدة ظهرًا عندما بدأ جسد الطفلة "ريهام" يرتجف تحت خيمتها المصنوعة من قماشٍ مهترئٍ لا يصدّ حرًّا ولا غبارًا.
حاولت والدتها تبريد جبهتها بخرقةٍ مبللةٍ من آخر ما تبقّى لديهم من ماء، لكن حتى الهواء كان يغلي.
في المخيم، لم يكن هناك شيء يشبه الحياة، سوى أنفاسٍ متقطعةٍ لأمهاتٍ يقاومن العجز، وأطفالٍ تائهين بين ضربة شمسٍ وعطشٍ لا يُروى.
"بنتي تغلي حرارتها من أمس، وما قدرنا نلاقي ماء، ولا حتى ظل"، تقول أم ريهام.
وأضافت بنبرةٍ مشبعةٍ باليأس: "الخيمة مصنوعة من قماشٍ وحديدٍ تمتص حرارة الشمس وتردها علينا نارًا، ما فيش لا مروحة ولا كهرباء".
وتابعت: "نحاول لو لقينا ماء نبلل الأرض عشان نبرد الجو، لكن حتى الماء صارت أغلى الأيام هذه. عايشين بين الحر وقلة الماء".
في مخيمات النزوح بمحافظة تعز، حيث يقيم أكثر من 60 ألف أسرة نازحة، تحولت موجة الحر إلى عدوٍ يوميٍّ يلاحق الجميع، ومع درجات الحرارة المرتفعة، أصبح التكيّف مع العيش مهمةً شبه مستحيلة.
تقول أم عبد الله: "الخيم مثل الأفران، ونحنا محبوسين فيها من الصباح للمساء، لا ماء نشرب، ولا ماء نغسل أولادنا، ولا حتى قادرين نبل ريقنا".
من جهته، يقول "أبو وهيب": "الحر هنا قوي، والخيمة ما تردش عليه، عيالي يتعبوا، وما في مروحة ولا كهرباء، والمطر مافيش".
وأضاف: "نحتاج طاقة شمسية ومروحة تساعدنا نرتاح شوي، وخيمة تكون تتحمل الحر، والماء ما تكفي، بس هذي الأشياء لو جات كانت خففت علينا".
- الوضع يخرج عن السيطرة
وأمام هذا الواقع القاسي، يحذّر المسؤولون المحليون من أن ما يجري في مخيمات النزوح ليس مجرد صيفٍ شديد الحرارة، بل أزمة إنسانية تتفاقم يومًا بعد آخر.
يقول مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمحافظة تعز، علي الشميري، لـموقع "بلقيس": "الوضع داخل المخيمات يسير نحو كارثةٍ إنسانيةٍ حقيقية، حيث يعيش النازحون أوضاعًا صعبةً ويفتقرون لأبسط مقومات الحياة، وهم بحاجةٍ ماسّةٍ إلى خدمات المياه والمأوى والإيواء والصحة والحماية".
وأشار إلى أن 419,068 نازحًا يواجهون ظروفًا معيشيةً وصحيةً متدهورةً في ظل غياب البنية التحتية وأبسط مقومات الحماية من الحر القاتل.
وأضاف الشميري: "الأطفال وكبار السن هم الأكثر تضررًا، حيث المساعدات شحيحة، والنداءات التي وجهناها للمنظمات تواجه جدارًا من ضعف التمويل وتراجع الاستجابة".
- مؤشرات وبائية مقلقة
ومع تصاعد درجات الحرارة، وانعدام مقومات الوقاية الصحية، تتسع دائرة المخاطر لتشمل تفشي الأوبئة، وهو ما يؤكده المسؤولون الصحيون في المحافظة، محذرين من تداعياتٍ لا تقل خطرًا عن الجفاف والحر.
من جانبه، أكد الدكتور إسماعيل الحمودي، نائب مدير عام مكتب الصحة في محافظة تعز ومدير إدارة الرعاية الصحية الأولية، أن موجات الحر فاقمت الوضع الصحي في المحافظة، لا سيما في المخيمات التي تعاني من هشاشةٍ بيئيةٍ وصحية.
وقال الحمودي لـ"بلقيس": "تشهد المخيمات آثارًا صحيةً مباشرةً وغير مباشرة، من بينها تزايد الإصابات بضربات الشمس، وتفاقم الأمراض القلبية التنفسية، كما أن شح المياه وتردي خدمات الصرف الصحي ساعد على تفشي أمراضٍ وبائيةٍ خطيرة".
وأضاف: "منذ بداية العام الجاري، سجلنا 1200 حالة اشتباه بالكوليرا، منها 39 حالة مؤكدة مخبريًّا، و3 حالات وفاة".
وتابع: "كما رُصدت 1528 حالة اشتباه بحمى الضنك، بينها حالة وفاة واحدة. هذه الأرقام مقلقة، وتؤكد أن الأوبئة أصبحت شبه مستوطنة".
وأشار الحمودي إلى أن مكتب الصحة ينفذ، بالتعاون مع وزارة الصحة والشركاء في كتلة الصحة والتغذية، خطة طوارئ متكاملة، تشمل: حملات توعية مجتمعية حول النظافة الشخصية وتنقية المياه والتخلص من المياه الراكدة، عيادات متنقلة تقدم تدخلات علاجية في المديريات المتأثرة بناءً على المؤشر الوبائي، إعداد وتنفيذ تدخلات وقائية إضافية تستهدف المخيمات والمناطق ذات الأولوية.
وشدد الحمودي على أن المجتمع هو الركيزة الأساسية في الوقاية من الأوبئة، داعيًا إلى الالتزام بالسلوكيات الصحية، واستخدام وسائل الحماية من البعوض، والحفاظ على مصادر المياه نظيفة.
- تحذيرات مناخية
بينما تستمر المعاناة، تطلق الجهات المختصة تحذيراتٍ بشأن استمرار موجة الحر، وتزايد خطرها على النازحين.
وحذّر خبير الأرصاد الجوية، المهندس رشيد عبد رب العريقي، من استمرار الموجة الحارة، قائلًا: "سجلت محطات الرصد درجات حرارة تجاوزت 42.7 مئوية، والظروف المناخية تزداد قسوة، خاصة في المخيمات التي لا تملك أي بنية حماية من الشمس أو الجفاف".
وأضاف العريقي: "النازحون هم الأكثر تضررًا، فالخيام تمتص الحرارة وتحوِّلها إلى بيئةٍ خانقة، لا يوجد تبريد، ولا كهرباء، والمياه شحيحة، ويحتاجون إلى تدخلٍ عاجل بسبب ضربات الشمس والجفاف".
وفي الوقت الذي تستمر فيه التحذيرات بسبب الحر، تغرق ريهام في عرقها، تتقلب تحت بطانيةٍ مبتلّة، لا ظل يحميها ولا نسمة تمر.
وأمها، تجلس إلى جانبها، تمسح جبينها، قائلة: "لست خايفة على نفسي، لكن بنتي صغيرة، جسمها ضعيف، ما عاد تتحمل يوم ثاني من هذا الجحيم. ما نطلبش شيء... بس شوية ماء وهواء، بس نعيش".