أخبار محلية
تعز.. أزمة مياه متفاقمة بين عجز الدولة وفوضى السوق
تعيش مدينة تعز منذ اندلاع الحرب عام 2015 واحدة من أخطر أزماتها الخدمية، بعدما خرجت شبكة المياه الحكومية عن الخدمة بشكل شبه كامل، تاركة ملايين السكان تحت رحمة السوق الخاص غير المنظم.
تؤكد ورقة بحثية صادرة عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أن الأزمة لا تتعلق بندرة الموارد الطبيعية فقط، بل بفشل الإدارة وغياب الحوكمة، وهو ما جعل المياه سلعة باهظة الثمن تثقل كاهل الأسر الفقيرة.
فجوة مائية هائلة وصعود السوق الخاص
تاريخياً، عانت تعز من محدودية مواردها المائية بسبب طبيعتها البركانية الصلبة وضعف الأمطار، لكن الحرب دمّرت البنية التحتية للمؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي. وقبل 2015 كانت المؤسسة تغطي 58% من السكان وتوفر 5.7 مليون متر مكعب سنوياً، أما اليوم فلا يتجاوز الضخ اليومي 6 آلاف متر مكعب مقابل احتياج يقدَّر بـ35 ألفاً.
هذه الفجوة أجبرت السكان على الاعتماد على صهاريج المياه الخاصة التي ارتفع سعرها من 25 ألف ريال قبل الحرب إلى أكثر من 120 ألفاً حالياً، وسط غياب الرقابة وتفاوت الأسعار بين الأحياء .
يقول عبدالكريم، وهو أب لخمسة أطفال يسكن في حي المطار القديم، إن نصف دخله الشهري يذهب لشراء المياه: “نعيش بين خيارين أحلاهما مر، إما ندفع مبالغ طائلة للحصول على مياه بالكاد تكفينا أسبوعاً، أو ننتظر صهريجاً قد لا يصل إلا بعد أيام”.
أما منى، وهي معلمة تسكن في حي الروضة، فتؤكد أن جلب المياه صار همّها الأول: “أحياناً نضطر لشراء مياه مشكوك في جودتها، لكننا مجبرون، فلا بديل أمامنا سوى العطش”.
غياب الدولة والحلول الممكنة
الحضور الحكومي في ملف المياه يكاد يكون معدوماً؛ وزارة المياه والبيئة شبه غائبة، والهيئة العامة للموارد المائية تكتفي بإصدار تراخيص للحفر دون متابعة، بينما فقدت المؤسسة المحلية معظم قدراتها التشغيلية.
السلطة المحلية حاولت فرض سقوف سعرية لكنها بقيت بلا أدوات تنفيذية، فيما يسيطر القطاع الخاص على السوق بلا التزام بمعايير الجودة، بينما اقتصرت تدخلات المنظمات الإنسانية على مبادرات إسعافية متفرقة مثل حفر آبار أو تشغيل صهاريج السبيل.
الورقة البحثية تقترح حلولاً عاجلة مثل إنشاء وحدة رقابة مشتركة وتنظيم السوق عبر تسعيرة مرجعية شهرية، إضافة إلى إطلاق تراخيص مؤقتة للصهاريج والآبار وتفعيل قنوات شكاوى للمواطنين. على المدى المتوسط تدعو لإعادة تأهيل المؤسسة المحلية وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وفق معايير واضحة، أما على المدى البعيد فتطرح مشروعاً طموحاً لبناء شبكة مياه حضرية حديثة وربط المدينة بمحطات تحلية في المخا وتشغيل الآبار بالطاقة الشمسية، إلى جانب إطار حوكمة يضمن شراكة بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
وتفيد الدراسة البحثية بأن أزمة المياه في تعز ليست مجرد مشكلة موارد أو انعكاساً للحرب، بل صورة لفشل إداري وغياب مؤسسي، وأن أي حل حقيقي يجب أن ينطلق من إعادة بناء مؤسسات المياه وتفعيل الرقابة الصارمة، بما يضمن عدالة مائية تتيح لكل أسرة الحصول على مياه آمنة وبسعر معقول.