مقالات
القائد.. فاعل خير!
الوضع المعيشي في اليمن يتدهور على نحو مروّع، في حين تعمد بعض قيادات السلطة إلى إنتاج مشاهد مؤذية ومهينة لليمنيين بلا خجل. هؤلاء الذين تقع على عاتقهم مسؤولية مواجهة الانهيار الاقتصادي المريع في البلاد ووضع حلول للمجاعة، اختاروا استغلال المجاعة ذاتها، تلك التي ساهموا في صناعتها، فصيّروا أنفسهم “فاعلي خير”!
ما يحدث مع المعلمين في تعز وبعض المحافظات الأخرى مثال صارخ على ذلك. يتم التعامل معهم كفَتْرينات أو لوحات دعائية لعرض صور المسؤولين في السلطة أو رؤساء دول، مقابل سلة غذائية، في مشهد يسيء لكل يمني.
طارق صالح وسلطان البركاني ومحمد بن زايد، ليسوا رؤساء جمعيات خيرية. فالأول نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي حالياً، والآخر رئيس مجلس النواب، السلطة الثانية في البلاد.
أما الثالث، فهو رئيس الدولة التي تسيطر على سواحل اليمن ومنشآته الاستراتيجية وموانئه وجزره، من المكلا وبحر العرب شرقاً حتى البحر الأحمر غرباً، وتسعى لتمزيقه علناً. مع ذلك، فقد كان هناك من يحرص على وضعهم على أكتاف الجوعى في تعز مقابل سلة غذائية.
أن يجوعك من يملك السلطة ويتسبب بمأساتك، ثم يمنّ عليك ببقايا فتات مسروق من قوتك، فهذا ليس سوى إمعان في الإذلال والازدراء والاستخفاف بكرامتك.
المعلمون الذين أضربوا عن العمل في تعز ليسوا متسوّلين، بل يطالبون بحقوقهم المشروعة: مرتبات تليق بآدميتهم، لا صدقات مهينة. العملة المحلية انهارت، ورواتب الموظفين فقدت قيمتها حتى كادت تتساوى بالصفر. يحدث ذلك في حين أن المسؤولين يواصلون استلام مخصصاتهم بالعملة الصعبة، ويكدّس بعضهم الثروات من الموانئ والتهريب والارتباط بالخارج، دون القيام بأي مسؤولية سوى التقاط الصور وتوجيه الشكر “للأشقاء”.
هذا الانهيار لم يحدث فجأة، بل كان نتيجة سنوات من الحرب شارك فيها هؤلاء، إما كأطراف في السلطة أو كسبب مباشر للانقلاب، الانقلاب الذي مثّل صندوق الشرور الذي أتى على اليمن وأهله ومزّقهم.
يعتقد هؤلاء أن معالجة الاقتصاد أو تأمين الخدمات للمواطنين أو إنهاء الحرب أو إنجازها، ليس من مسؤولياتهم. إن علاقاتهم الوثيقة مع دول التحالف لم تُوظّف لخدمة الشعب اليمني، بل لتحقيق مصالح تلك الدول على حساب اليمنيين.
ومنذ إعادة تشكيل الشرعية عبر مجلس القيادة الجماعي، تم القضاء على ما تبقى من الموارد المستدامة لليمنيين، بالتخادم مع الحوثيين، ثم صارت الوصاية الكاملة للتحالف على البلد، دون أي التزام حقيقي تجاه معيشة الناس أو حياتهم.
هذه العلاقة تكشف أن طموح هؤلاء لا يتجاوز مقايضة مصالحهم الضيقة بكرامة الوطن وشعبه. والأسوأ، أنهم لا يتورّعون عن إهانة الناس، كما رأينا في المشاهد الأخيرة.
كان يمكن تجاوز هذه التصرفات على مضض، لو أنهم طالبوا أولياءهم في التحالف بدعم موازنة الدولة، ورفع أجور الموظفين ودفعها بانتظام، كجزء من تحمّل مسؤولياتهم عن آثار الحرب التي ساهموا في إشعالها. هذا ما كان يُفترض أن يكون واجباً لا منّة، واستحقاقاً لا صدقة.
لكنهم اختاروا أن يبقوا صغاراً، يسعون للظهور كزعماء مقابل سلة غذائية!
تقديم المساعدات عمل الجمعيات الخيرية، وهي ملزمة بالحفاظ على كرامة الناس، أما ما نشهده اليوم من استعراضات على ظهور الجائعين، فيكشف نظرة هؤلاء “القادة” الحقيقية لليمنيين، كما يكشف تهربهم من المسؤولية، وحدود تقديرهم لواجباتهم من خلالها.
هؤلاء اليوم في قلب السلطة، ويتحملون جزءاً كبيراً من المسؤولية عن هذه الآلام والعذابات التي لحقت باليمنيين.
وبدلاً من السعي للزحف نحو صنعاء، ومعالجة أوضاع الناس المعيشية ومواجهة المجاعة، نخشى أننا نقترب من لحظة رعاية نسخ جديدة من مسابقات “نقش الحنا” و”نتف الإبط” تحت لافتة العمل الإنساني!
لعلّ ذلك كله جزء من التقدير الذي يكنّه صاحب الصورة الأكبر لـ”عمال” ولاياته، وأبلغ ما يطمح إليه صاحب السمو، حين يضع يده على كل شيء. لا بأس إذن من استخدام ظهور الجوعى، وتصوير حشرجاتهم اللاهجة بالدعاء للقائد “فاعل الخير”!