مقالات
إب.. حين يتحول القمع إلى أداة حكم
تشهد محافظة إب، الواقعة وسط اليمن والخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي منذ أواخر 2014، موجة تصاعد غير مسبوقة في عمليات الاختطاف والإخفاء القسري، ما يعكس تفاقم الممارسات القمعية للجماعة المسلحة خارج إطار القانون، وتحول المحافظة إلى منطقة أمنية مغلقة تُدار بعقلية العصابة لا بمنطق الدولة.
هذا التصعيد لا يأتي في فراغ، بل يتقاطع مع جملة من المؤشرات والدلالات السياسية والاجتماعية، ويكشف عن طبيعة السلطة الحوثية التي تفشل في الحكم فتتوسل القمع كوسيلة وحيدة للبقاء.
أولًا: مؤشرات تزايد الاختطافات
تشير تقارير حقوقية مستقلة، منها ما أصدره "التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان" و"منظمة سام للحقوق والحريات" بين عامي 2023 و2024، إلى تصاعد ملحوظ في حالات الاختطاف بمحافظة إب. وقد تجاوز عدد الحالات الموثقة 300 حالة اختطاف منذ بداية عام 2023 فقط، وسط تكتم شديد تفرضه الجماعة على الإعلام المحلي.
تنوع الفئات المستهدفة لم تعد الاختطافات تقتصر على نشطاء سياسيين أو مناهضين صرحاء للميليشيا، بل طالت طلابًا، تربويين، تجارًا، شيوخ قبائل، بل وحتى أعضاء سابقين أو مترددين في إعلان ولائهم الكامل للجماعة.
التوقيت الليلي والمداهمات المفاجئة غالبية الاعتقالات تتم ليلًا، خارج أطر القضاء، دون إذن من النيابة، ويُمنع ذوو المختطفين من معرفة أماكن احتجازهم.
حالات ابتزاز مالي عدة تقارير تشير إلى أن الجماعة تطالب بفديات مالية مقابل الإفراج عن المختطفين، خاصة التجار، في ما يشبه ممارسات العصابات المسلحة.
الإفلات التام من العقاب لا توجد آلية قانونية أو حقوقية تُمكّن المواطنين من الشكوى أو الاعتراض، بل على العكس، مجرد السؤال عن المختطف قد يعرض السائل نفسه للاعتقال.
ثانيًا: دلالات هذه الممارسات
خوف الجماعة من الحاضنة المحلية إب ليست منطقة حاضنة فكريًا أو اجتماعيًا للحوثيين كما هو حال صعدة أو حجة. لذا، تسعى الجماعة لفرض سيطرتها من خلال القبضة الأمنية، لتعويض ضعف مشروعها الطائفي في بيئة مجتمعية مدنية بطبيعتها.
انكشاف حالة التفكك الداخلي يتزامن تصاعد الاختطافات مع تنامي مؤشرات الانقسام داخل البنية الحوثية، خصوصًا في ظل صراع مراكز القوى داخل الجماعة، حيث يُستخدم الجهاز الأمني كأداة تصفية داخلية أيضًا.
استنزاف الموارد والابتزاز الاقتصادي تستغل الجماعة نفوذها الأمني لتمويل عملياتها من خلال ابتزاز التجار والملاك المحليين، مما يعكس أزمة مالية داخلية دفعت الجماعة لأساليب أقرب إلى النهب الممنهج.
تغييب كامل للقضاء والقانون عمليًا، لا توجد مؤسسة عدلية مستقلة تعمل في إب. القضاء مجرد واجهة شكلية، أما سلطة القرار الحقيقي فتتركز في أيدي مشرفي الجماعة الذين يديرون الأجهزة الأمنية، وعلى رأسهم جهاز الأمن الوقائي الحوثي.
تكريس الرعب كآلية حكم هذه الممارسات لا تأتي نتيجة ارتباك مؤقت، بل تُدار بشكل مؤسسي لتعزيز السيطرة. الرعب ليس نتيجة جانبية، بل هو المقصود الأساسي، وهذا جوهر الدولة الحوثية القائمة على التخويف لا التمثيل.
ثالثًا: الخلفية التاريخية لسياسات الاختطاف الحوثية
منذ اجتياح صنعاء في سبتمبر 2014، اعتمدت الجماعة الحوثية على الاختطاف كأداة مركزية لبسط السيطرة. وتشير تقارير الأمم المتحدة، ومنها تقارير "الخبراء الدوليين بشأن اليمن" (2019–2022)، إلى أن ميليشيا الحوثي استخدمت الاختطاف بشكل ممنهج في صنعاء وذمار والحديدة، قبل أن تنقل هذه الآلية إلى إب، التي دخلتها في أكتوبر 2014 بدون معارك.
رابعًا: ماذا تعني إب في مشروع الحوثي؟
فمحافظة إب تمثل "منطقة رمادية" في مشروع الحوثيين السلالي العنصري، فهي ليست منطقة حشد طائفي، ولا حاضنة اجتماعية أو فكرية لهم، ولا منطقة مواجهة عسكرية، لكنها محافظة حيوية سكانيًا واقتصاديًا، ذات ثقل ثقافي كبير. من هنا، يرى الحوثيون ضرورة خنق أي تحرك معارض فيها منذ لحظته الأولى. فالسيطرة الأمنية على إب ليست لحماية مشروع الحوثي، بل لتعويض فشله في ترسيخه داخل المجتمع.
خامسًا: توصيات سياسية وحقوقية
يجب أن تتصدر محافظة إب تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية باعتبارها منطقة انتهاك ممنهج.
ينبغي على المنظمات المحلية رفع أسماء المعتقلين والانتهاكات إلى الأمم المتحدة، خاصة فريق الخبراء المعني باليمن ومجلس حقوق الإنسان.
دعم تشكيل تحالف حقوقي محلي داخل المحافظة لرصد وتوثيق الانتهاكات بشكل منهجي ومنظم.
مطالبة مجلس القيادة الرئاسي بتوفير غطاء قانوني لعائلات المختطفين، والمطالبة بالإفراج عنهم في المحافل الدولية.
خاتمة الاختطافات في محافظة إب ليست مجرد إجراء أمني، بل هي سياسة حكم حوثية بامتياز، تستهين بالمجتمع الأبي وتخشاه وتخاف منه. فالجماعة الحوثية تدرك أن مشروعها لا يحظى بقبول شعبي حقيقي، فتُغلف فشلها بغلاف من القمع والخوف. وما يجري اليوم في إب يعكس مأزقًا أعمق في بنية الجماعة، ويجعل من المحافظة مقياسًا دقيقًا لفهم طبيعة السلطة الحوثية: سلطة قائمة على الإخضاع لا على التعاقد السياسي.
---
المراجع:
تقرير منظمة سام للحقوق والحريات، يونيو 2024.
تقرير التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، مارس 2024.
تقارير فريق الخبراء الدوليين بشأن اليمن – مجلس الأمن، الأعوام 2019–2022.
مقابلات ميدانية وشهادات محلية من ناشطين وحقوقيين في محافظة إب (منشورة عبر "المصدر أونلاين" و"الموقع بوست" و"يمن شباب نت").