مقالات

السلام في اليمن ومآلات التسوية

16/07/2023, 05:47:01

قبل قراءة محدِدَات واستحقاقات كل من إيقاف الحرب، والتأسيس للسلام، لا بُد أولاً من تشخيص الوضع الحالي في اليمن. فالتشخيص الدقيق للداء يساعد على المعالجة. يقول الأصوليون: "الحكم على الشيء فرع عن تصوّره".

ويرى هيجل أن كسر الجوزة يعني تحليلها. والسؤال أو الأسئلة الفاجعة: ما هو وضع اليمن حاليًا: الوضع الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي، العسكري- الوضع الإنساني بصورة عامة، أطراف الصراع، التهدئة القائمة، ومآلات التسوية، ودور دعاة السلام والوفاق الوطني؟

الوضع اليمني، أو الحالة اليمنية، بصورة عامة، كارثة بكل المعاني. لعل التوصيف المناسب هو توصيف الأمم المتحدة، التي تناقلتها وسائل الإعلام والمعلقون السياسيون على أنها أسوأ كارثة على وجه الأرض.

فاليمن الذي كان في الماضي سعيداً، وكان في الماضي القريب وطنًا، هو الآن مجزء، ومفكك، ومتحارب.

فالوضع على الأرض هو الآتي:

الانقسام إلى شمال وجنوب لم يعد قائمًا. فالشمال منقسم، والجنوب مفكك. الأحزاب السياسية توزعت على الجهات المنقسمة والمفككة، وعلى خارطة الحرب.

حوُلت الحرب الأحزاب إلى مليشيات، والأحزاب التي لا تمتلك مليشيات هُمِّشت أو أصبحت خارج اللعبة.

قادة المليشيات هم صناع الأحداث، وكل مليشيا في منطقتها تشكل سلطة أمر واقع.

تسيطر مليشيات أنصار الله (الحوثيين) على العديد من المحافظات الشمالية:

صنعاء - الأمانة.

صنعاء - المحافظة.

الحديدة عدا مديريتي الخوخة وحيس.

كما تسيطر على إب، وذمار، والبيضاء، وريمة، وعمران، وحجة ماعدا مديرية ميدي، وتسطير على صعدة عدا أجزاء بيد قوات مدعومة من قِبل السعودية، خاصة المنافذ الحدودية.

وفي الجوف أجزاء منها بيد الشرعية. ومأرب المدينة بيد الشرعية (الإصلاح)، وهناك مديرية موزعة بين الشرعية (الإصلاح)، وأنصار الله.

أما المحافظات الواقعة تحت سيطرة الإصلاح، فهي مأرب المدينة والوادي، ومدينة تعز، ومديرية التربة، والمواسط، والمعافر.

ويسيطر الانتقالي (الطرف الثاني في الصراع) على المحافظات: عدن، والضالع، ولحج، وأجزاء واسعة من أبين، وشبوة، ومحافظة سقطرة.

وتوجد قوات أجنبية من قوات التحالف في عدن، وقوات إماراتية في شبوة (ميناء بلحاف)، كما توجد قوات للتحالف في حضرموت، والمهرة، وسقطرة، ومأرب، وهناك وجود أمريكي وبريطاني في بعض المناطق باسم مكافحة الإرهاب.

الإحصاءات السكانية ليست دقيقة بسبب التنقلات المستمرة باستمرار الحروب وامتدادها، وعدم الدقة في إحصائيات المشردين والنازحين بسبب ظروف المعيشة والحرب، وهناك معلومات ليست موثقة عن العدد السكاني ما بين 60% الشمال و40% الجنوب مع مناطق سيطرة الشرعية.

يدرس الباحث أ.د مطهر العباسي توزّع الثروات والموارد بين الشطرين:

المساحة: ثلث – ثلثين.

 

السكان: ثلثين – ثلث.

 

النشاط الاقتصادي: ثلثين – ثلث.

 

الضرائب وغيرها: ثلثين – ثلث.

 

المنشآت والمرافق: ثلثين – ثلث.

 

موظفو الدولة: ثلثين – ثلث.

 

عوائد النفط والغاز: صفر – 100%.

 

طباعة وإصدار النقود: صفر- 100%.

 

التمويل الخارجي: صفر – 100%.

 

تباين في الأعيان، وتباين في الموارد بين حكومة صنعاء، وحكومة عدن خلال فترة الحرب، والإجابة ستساعد في تحديد الاختلافات القائمة في توزيع الموارد السيادية، واستخلاص الدروس المستفادة؛ لمعالجة بعض أوجه القصور خلال فترة الهدنة، أو في مرحلة السلام والاستقرار.

يشير الباحث الأكاديمي إلى أن حجم الضرائب والجمارك والزكاة وغيرها من الرسوم والإتاوات بلغت أكثر من عشرة أضعاف عما كانت عليه قبل الحرب؛ وهو ما يتحمله المواطن، ويمثل السبب الرئيس في ارتفاع الأسعار.

-الوضع الإنساني

الوضع الإنساني هو الأكثر خطورة، والأشد بؤسًا ومأساوية. يدرس باحثان هما: ماهر عثمان، وعاصم العشاري هذا الوضع، حيث يريان أن الوضع الإنساني هو الأكثر كارثية. يضيفان: إن اليمن- كأفقر بلدان العالم- الأكثر احتياجًا لمساعدات العالم.

حسب تقرير التنمية البشرية، يأتي اليمن في المرتبة 160 من بين 188 دولة تعاني من غياب الاستقرار السياسي، وغياب سيادة القانون، والفقر المدقع، وتتواصل الحروب في بلد أكثر من ثلثي سكانه في مجاعة شاملة، وبطالة. الإحصائيات لنسب الاحتياجات الغذائية والطبية والإنسانية فاجعة.

الحرب كلية القدرة عمت اليمن كلها، واشتركت فيها كل الأطراف الفاعلة والحية، وفي قمة السلطة، والمعارضة؛ فهي في البدء حرب أهلية، وانخرط فيها كل أطراف الحكم: الأحزاب الحاكمة، والجيش، والأمن، والمليشيات، والقُبُل، والصراع الإقليمي، والتحالف العربي المدعوم بالرباعية الدولية من جهة، وإيران ومحازبيها في المنطقة من جهة أخرى، ولم تكن الدول الكبرى بعيدة عن الصراع؛ فهي حرب أهلية، وإقليمية دولية شديدة التعقيد والتدمير.

طالت الحرب، وعلى مدى ثمانية أعوام، مختلف مناطق اليمن: شمالاً وجنوبًا، شرقًا وغربًا، أتت على بنية هشة متآكلة وفقيرة، وقد وصل المشردون داخل وطنهم إلى أربعة ملايين، أما القتلى والجرحى وموتى المجاعات والأوبئة الفتاكة، فلا إحصائيات، ولا حديث عنهم.

- أسباب الحرب وأطرافها

الحرب تولد الحرب. والحرب في اليمن تتخذ شكل الثأر والانتقام، وتظل حاضرة وحية في الذاكرة ويجري توريثها.

لحرب الجمهوريين والملكيين: 1962- 1970، دخل فيما يجري اليوم، وحروب 1972 و1979 بين الشمال والجنوب حاضرة أيضًا.

حرب 1994 حضورها قوي، وحتى الصراعات: أحداث أغسطس في الشمال 1968، وأحداث 13 يناير 1986 في الجنوب ليست غائبة.

عندما كبر أولاد الإمام يحيى، وهم كثر، قال: "الحمد لله العيال كبرت"، وبدأ في إقصاء حلفائه في الحرب ضد الأتراك، وأنصاره في الحكم من الأسر الكبيرة، ومن مشايخ الضمان، والقادة العسكريين؛ فكانت 1948 التي كان فيها مقتله، والثأر لمقتله، وتكرر هذا لدى الإمام أحمد أيضًا، ومقتل إخوانه، وخلافات الأسر.

كرر علي عبد الله صالح الأمر؛ فبعد حرب 1994 أراد توريث ابنه، وأدار الظهر لأركان حكمه، وحلفائه.

قصة التوريث، وصراعات الشمال والجنوب، والشمال والشمال، والجنوب والجنوب حاضرة في المشهد.

حرب 1994 ضدًا على الجنوب، والإطاحة بالوحدة السلمية الاختيارية لم تعد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الـ 22 من مايو 90، وإنما عادت باليمن- كل اليمن- إلى ما قبل الاستقلال 1967، وبالجمهورية العربية اليمنية إلى ما قبل ثورة سبتمبر 1962؛ وهو ما نعيشه حاليًا شمالاً وجنوبًا، وعندما تنهار الدولة يعود الناس إلى مناطقهم، وقبائلهم، وطوائفهم.

الجهوية والقبلية حاضرة بقوة، والطائفية توظيف سياسي لهذه البنى المتخلفة، والدعاوى السلالية والحق الإلهي في الشمال، أو إنكار يمنية اليمن في الجنوب من معطيات انهيار الدولة، وسبب أساس من أسباب الحرب.

كل أطراف الحرب: المليشياوي، والجهوي، والقبلي، والسلالي متقاتل، وتفرض الحرب على اليمن التسلط، ونهب الثروات، والتنكيل بالمواطنين، وتدمير الكيان اليمني، وتمزيق النسيج المجتمعي، وزرع العداوات والأحقاد.

الصراع بين السلطة المنقسمة على نفسها فتح الباب واسعاً أمام مليشيات أنصار الله (الحوثيين) أمام الصراع الإقليمي والدولي.

لقد تسيّد الصراع الإقليمي والدولي على المشهد؛ لتصبح الأرضي اليمنية ميدان قتال، واليمنيون «شقاة» في حرب مأجورة، والضحية كل الشعب اليمني.

الحرب - بمستوى معين- رهينة الصراع الإقليمي والدولي.

الاتفاق السعودي - الإيراني من أسباب التهدئة الحالية، وتأثير هذا الاتفاق كبير على حالة الحرب، ولكنه - على أهميته- ليس كل شيء؛ فهناك جذور وأسباب عديدة للصراع، والمليشيات، والأحزاب الكبيرة، والقبل، ورموز النظام القديم لها مطالبها وحساباتها، وخلافاتها حاضرة وقوية.

في تقرير للأزمات الدولية في 2 مايو 2023، يتناول الاتفاق الإيراني - السعودي، ويرى أن إيران لم تظهر لغاية الآن استعدادها لتقديم تنازلات حقيقية في الملف اليمني، لاسيما فيما يتعلق بتزويدها بأسلحة متطورة.

ويرى أن الطريق مازال طويلاً بالنسبة للتوصل إلى حل شامل، وإلى أي مدى يمكن أن يوصل الاتفاق إلى حل.

يضيف: "كل من السعودية وإيران قد يريان في تنازل أو تسوية باليمن خطوة أولى نحو اتفاق أمني يخدم مصالحهما". ويتساءل بارتياب في قدرة إيران على إقناع الحوثيين بقبول صفقة سياسية مع السعودية، أو الإمارات، والأكثر صعوبة مع خصومهم اليمنيين.

ويرى التقرير أن الصفقة الضيقة بين السعودية والحوثيين - رغم إيجابيتها- لن تنهي الحرب؛ لأنها تستبعد الجهات السياسية والعسكرية المتحالفة مع ما تبقى من الحكومة المعترف بها دوليًا.

ويرى أن أي اتفاق مبدئي يجب أن يمهد الطريق لمحادثات بين اليمنيين، كما يرى أن مشاركة الأطراف المحلية هو ما يجب لاتفاقية مستدامة.

رؤية الأزمات الدولية فيها قدر من التشاؤم مبرر، والمخيف أكثر، وهو احتمال وارد، أن يتوافق الطرفان على تسوية خلافاتهما، والنأي بنفسيهما عن الصراع؛ إذا ما تصلب الحوثيون أو الانتقالي بدعم إماراتي؛ فالخطر القائم الآن هو خطر اللاحرب واللاسلم، وهو إذا ما استمر - لا سمح الله-؛ فسيبقى سيف الحرب مصلتًا على رؤوس كل اليمنيين، ويبقي على بؤرة التوتر والصراع، وستكون أيدي أطراف الصراع (التحالف)، وإيران نظيفة من الدماء اليمنية، وبريئة مما يجري.

كحرب بالوكالة، يحرص الإقليمي والدولي على عدم انتصار أي طرف من أطراف الحرب، ويكون توازن الضعف سيّد الموقف. الشواهد في المعارك التي دارت منذ الأسابيع والشهور الأولى تؤكد هذا الأمر. يتحول توازن الضعف إلى واقع اللاحرب واللاسلم.

تبقى المليشيات بأوزانها وأحجامها ومناطق نفوذها، والأهم بقاء اليمن مفككة ومتصارعة، وتبقى الشرعية «جملة اعتراضية».

مقالات

هذه البصمة وهذا الإنجاز

بعد غياب دام أكثر من عشر سنين، عن مدينة الطفولة والتعليم الأساسي؛ مدينة تعز، وأثناء طوافي القصير خلال إجازة العيد في أحياء مدينة تعز، شد انتباهي واستوقفني هذا الصرح العلمي، الذي ينتصب في "مديرية المظفر"؛ الذي اُستكمل إنشاؤه وتجهيزه مؤخرا؛ وهو عبارة عن "مدرسة أساسية وثانوية للصم والبكم

مقالات

عن الكتابة

تاريخ الكتابة هو محاولات مستمرة لتجاوز الهوة الفاصلة بين الإحساس الحقيقي والنص المكتوب. كل المشاعر الحقيقية هي في الواقع غير قابلة للترجمة.

مقالات

حكاية الكافرة شجون ناشر (1-2)

في "سنة الجُدَري"، شاع الخبر في "قرية العكابر" بأن شُجُوْن ناشر كفرت بربّها، ودخل الشك إلى قلبها، وتوقفت عن الصلاة، وبدلاً من أن تصلي صارت تغنِّي، وأصبح الغناء صلاتها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.