مقالات

التواطؤ الأممي مع الحوثيين وخلفياته

16/07/2025, 06:45:52

لمعرفة ما يحدث في رأس عيسى والصليف والحديدة من قِبل المليشيات الحوثية، والتماهي من قِبل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، يجب أن نفصل الأمر كما يلي:

أولًا: دلالات منح الحوثيين سفينتين في ظرف حساس وفي لحظة مفصلية تشهد فيها المنطقة تصعيدًا في الهجمات البحرية وانفلاتًا أمنيًا في البحر الأحمر:
يبدو منح الحوثيين السيطرة على سفينتين إستراتيجيتين  ("صافر" سابقًا و"Nautica" حاليًا) بمثابة جائزة إستراتيجية، ويمكن توضيح ذلك كما يلي:

1. شرعنة الأمر الواقع: ترك السفينتين بيد الحوثيين يعزز من مشروعهم كسلطة أمر واقع، خصوصًا في ظل غياب رقابة دولية على استخدامهما، وقيام البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة UNDP بدفع نفقات تشغيل هذه السفينة وأجور طواقمها بطرق مخالفة لبروتوكولات وآليات العمل في المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة UN.

2. توسيع النفوذ البحري للحوثيين: الجماعة أصبحت تتملك ليس فقط قدرات هجومية (زوارق مسيّرة، ألغام بحرية، وتقنيات دقيقة في تتبع السفن وغيرها من التقنيات الحديثة)، بل أيضًا بنية تخزينية ولوجستية.

3. استخدام السفن كورقة تفاوض: كما يستخدم الحوثيون ملف الأسرى أو المطارات، باتت هذه السفن جزءًا من أدوات الضغط السياسي والاقتصادي.

الدلالة الأهم: هل المجتمع الدولي يتعامل مع الحوثيين كطرف لا بُد من مراعاته، ولو على حساب السيادة اليمنية والقانون الدولي؟

ثانيًا: حجم وأبعاد تهريب الحوثيين للنفط الإيراني:

1. تهريب النفط الإيراني أو الروسي أو العراقي عبر مناطق سيطرة الحوثيين ليس حديثًا، لكنه توسّع بشكل غير مسبوق بعد 2022، ووفق تقارير استخباراتية وإعلامية دولية، تُستخدم موانئ الحديدة ورأس عيسى كنقاط استقبال لسفن "شبحية" تحمل النفط الإيراني تحت أسماء شركات وهمية أو بتحميلات "مختلطة".

2. بحسب تصريحات منسوبة لنائب وزير الخزانة الأمريكية، مايكل فولكوندر، قال فيها:
"يعتمد الحوثيون على شبكة سرية من الشركات الواجهة والوسطاء الموثوقين لتوليد الإيرادات خلسة، وتأمين مكونات الأسلحة، وتعزيز سلطتهم القمعية، وكل ذلك بالشراكة مع النظام الإيراني".

3. وكما نعلم جميعًا، فإن الحوثيين يعيدون بيع النفط ومشتقاته في السوق السوداء اليمنية، أو تكريره في مصافٍ بدائية، تسببت في خسائر كبيرة في محركات المركبات التي استخدمت هذا النفط المكرر بالطريقة البدائية.

4. كذلك ينقلون النفط ومشتقاته أيضًا عبر قوارب صغيرة إلى دول القرن الأفريقي، وإلى المهربين والقراصنة والجماعات الإرهابية والانفصالية، وبخاصة في جيبوتي، الصومال، وإريتريا.

ومن هنا نجد أن الحرس الثوري الإيراني يقدّم الدعم التقني والمالي واللوجستي لهذه العمليات، بما فيها عمليات تهريب السلاح وحبوب الكبتاجون وغيرها من المخدرات، التي تم ضبط بعضٍ منها من قِبل شرطة خفر السواحل التابعة للحكومة الشرعية وقوات المقاومة الوطنية.

وهناك تقديرات غير رسمية تشير إلى أن الحوثيين يحصلون على ما بين 10,000 - 25,000 برميل يوميًا من النفط الإيراني أو العراقي أو الروسي، ومعظمها يتم خارج إطار الرقابة الجمركية أو القانونية أو الأممية، وعائدات النفط ومشتقاته على مليشيات الحوثي تصل إلى حوالي ملياري دولار سنويًا، حسب بعض التقارير.

وقد قامت السفارة الأمريكية في اليمن بنشر تصميم توضيحي يتضمن أسماء تسع شركات يمنية متورطة في التهريب والتمويه واستخدام واجهات لذلك، حيث سبق أن فرضت عليها وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات في يونيو الماضي، بسبب دورها المباشر في تسهيل التمويل واللوجستيات لأنشطة الحوثيين القتالية والإرهابية.

ثالثًا: لماذا تغض الأمم المتحدة الطرف أو تتواطأ مع مليشيات الحوثي؟

الأمم المتحدة لا تعترف صراحةً بسيطرة الحوثيين على السفن، لكنها لم تفرض أي قيود بعد إنهاء مهمة "نوتيكا"، وتكتفي بإصدار التصريحات والبيانات لتخلي مسؤوليتها عمّا يحدث!

وتتعامل مع جماعة الحوثي كـ"جهة أمر واقع" ضمن سياق تسهيلات إنسانية، ولا تتبع بروتوكولات العمل الأممية، ولا القرارات الدولية بحقها، وأهمها القرار 2216.

وتبرر بقاء قناة تواصل معهم بالجهود البيئية أو الإنسانية، ما يجعلها تتجنّب إثارة قضايا مُحرجة لعدم التزامها بالمعايير الأممية المتّبعة مع الجماعات الانقلابية، التي صدر بحقها قرارات من مجلس الأمن تحت الفصل السابع.

وبمعنى أوضح: الأمم المتحدة والبرنامج الإنمائي التابع لها يغضان الطرف حفاظًا على "الهدوء النسبي" حسب ادعائهما، وأنهما لا يريدان التصعيد مع الحوثيين ما دامت العمليات الأممية تمر عبرهم.

وهذا يخلق فراغًا رقابيًا تستغله الجماعة في تمرير النفط الإيراني، بل وحتى الروسي والعراقي في بعض الأحيان، كما أشارت بعض التقارير.

رابعًا: موقف الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف العربي:

رغم الإدانات المتكررة من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، إلا أن الموقف العملي ضعيف نسبيًا، ويدل على هشاشة في الأجهزة التنفيذية للحكومة الشرعية، وذلك للأسباب التالية:

1. محدودية النفوذ البحري: الحكومة لا تملك السيطرة الفعلية على السواحل الغربية أو الموانئ، ولا يوجد لديها قوة بحرية معتبرة، ولا تقنيات دقيقة للرصد والمراقبة.

2. أولوية ملفات التفاوض: التحالف يركز على وقف إطلاق النار وترتيبات إقليمية مع طهران والحوثيين، مما يجعل الملف البحري مؤجلًا.

3. غياب أدوات الردع القانونية: لا توجد آلية أممية تسمح للحكومة الشرعية باستعادة السفن أو فرض رقابة دولية عليها وتنفيذ آليات فعالة للرقابة والتفتيش.

وبالنتيجة النهائية: يظل استمرار بقاء سفينتي "نوتيكا" و"صافر" بيد الحوثيين، يمثل خرقًا واضحًا للسيادة اليمنية، وتهديدًا مستقبليًا للأمن البحري الإقليمي، وتخريبًا متعمدًا للبيئة البحرية.

الخلاصة التحليلية السياسية:

ما كان يُفترض أن يكون حلاً بيئيًا، أصبح ورقة إستراتيجية بيد الحوثيين، وأداة ضغط واقتصاد حرب.

وللأسف الشديد، الأمم المتحدة تتعامل بواقعية رمادية، تُغَلِّب "الهدوء" على "الشرعية"، ولا تتعامل حسب البروتوكولات الأممية.

إن التهريب الإيراني للنفط والغاز ومشتقاته عبر البحر الأحمر تحوّل إلى مورد تمويل ضخم لاقتصاد الحرب لجماعة الحوثي.

وأعتقد أن الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف العربي بحاجة إلى إعادة رسم إستراتيجية واضحة المعالم للسيطرة البحرية، قبل أن يفقدوا ما تبقى من النفوذ غرب البلاد.

مقالات

شهيد الحرية والربيع أمجد عبد الرحمن

صدر كتاب جديد عن الشهيد الخالد أمجد عبد الرحمن. في صدر الكتاب وفي الغلاف الأخير وبالخط الأحمر: "اغتيال أمجد جريمة مستمرة". ويقينًا، جريمة اغتيال الناشط المدني وداعية الحق والحقيقة، الشاب: أمجد عبد الرحمن، تبقى حيّة ومؤرِّقة ما دام قتلته يسرحون ويمرحون، وربما يستطيعون استمرار الاغتيال، الأخذ بالقصاص مهم.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.