منوعات
"أهتم باللحن ويجذبني فيصل علوي".. الفنان أسامة المقدم يتحدث في أول حوار له منذ بدء مسيرته قبل 22 عاماً
- اهتمامي ليس باللون إنّما باللّحن، لحن أيّ لون غنائي كان
- كثير من الفنانين لهم فضلٌ عليَّ إلا أن فيصل علوي تجذبني نشوته وأسلوبه
- أنا شخص خجول كما وصفني غيري.. أما أبرز التحدِّيات التي تواجهني فهي إرضاء جميع الشرائح المجتمعية بأذواقها
الفنان اليمني أسامة المقدم واحد من أهم الفنانين اليمنيين في الساحة، بحسب مريديه وجلسائه، بدأ العزف في العام 2002، وقد سبق ذلك من قبل اكتشافه صوته في الإذاعة المدرسية. إنه ابن منطقة الأعبوس في تعز، من هناك، من تلك القرية العالمية التي تجاوزت إطار محلِّيتها، والتي عُرف عنها الفن من جِهة، والأدب والسياسة من جهة أخرى، جاءنا أسامة المقدم، الذي كان سبقه إلينا منها مجموعة رموز وروّاد، منهم الفنانان الكبيران أيوب طارش وعبدالباسط عبسي، والقائد عبدالفتاح إسماعيل، والأديب محمد عبدالولي، صاحب أول المجموعات القصصية في شبه الجزيرة العربية، الطفل الذي شهد الدّهشة مبكرًا محاكيًا كل هذي الوجوه.. فمضى طارقًا باب الفن غير مكروب ولا قلق، صاحب الذّوق الحاذق فنًا وثقافة.. طروب المقيل راقي الطبع، نظيف اللسان والقلب والعقل، الرّجل الذي تتضافر في شخصيّته سِمات المثقّف الفنان.
اليوم هو رفيق صحبتنا في هذا اللقاء؛ نتحدّث وإياه ضمن أجواء مفتوحة من الأسئلة، في أروقة الزمان والمكان، فنًا وثقافة وذكريات. إنه أيضا صاحب الباع الطويل في المجال ذاته، وله حديث غائر العمق والدّهشة.
حاوره: شوقي نعمان
*في البداية فناننا أسامة المقدم، نود لو نخوض حديثنا معك عن نشأتك، وكيف أثّرت بيئتك على مسيرتك الفنية. هل هناك لحظة معيّنة تتذكرها من بدايتك؟
أولًا أرحب بكم، وبك أخي وصديقي شوقي نعمان.. أنا أسامة عبدالعليم المقدم، من مواليد أمانة العاصمة، عام 1987م، من قرية الأعبوس، نشأت في بيئة صوفية محافظة، درست بكالوريوس محاسبة.
أما بداية تأثري بالموسيقى واللحن الروحي فكان نتاج البيئة الصوفية وألحانها الروحية من تواشيح وإنشاد وغناء، ولا أنسى أن كل الفضل بعد الله هو لأبي وأمي ومشايخي بالعلم، أشكرهم كثيرًا؛ لأنهم ساعدوني على كل شيء، وبفضلهم أنا هنا، لي اسمي المعروف ونصيبي في المشهد الفني اليمني.
متى اكتشفت موهبتك في الغناء؟ وما أولى خطواتك في هذا المجال؟
-كان ذلك مبكرًا، في المدرسة بالتحديد، في النشاط المعهود الإذاعي الصباحي، وكان ذلك دون آلة موسيقية، أي أنني مبكرًا اكتشفت الصوت الغنائي في حنجرتي، حتى جاء الموعد المنتظر لخروجي أنا والوالد والوالدة من أرض الوطن إلى العراق في رحلة علاجية، عُدت بعدها إلى أرض الوطن بعُود عراقي. كما أنني في سِن العاشرة أو الحادية عشرة تقريبًا، كنت أنشد في مجالس الذِّكر، وذلك لسبب بسيط مرتبط بنشأتي الصوفية -كما ذكرت آنفًا، وهو الأمر الذي أسهم -بسبب استخدامي لآلة الطار أو ما يُسمى الدف، في سن مبكرة، في تعلم العُود بسرعة، وضبط الزمن الإيقاعي، إذ لم أستغرق سوى ٣ أشهر لعزف أول أغنية (الشوق أعياني) توشيح يمني، وذلك دون معلّم، إنما كأساسيات، كان الوالد يهتم بوزن أوتار العود، وتدريب أصابعي على التصبيع، ويدي على الريشة.
وقد كان أول ظهور لي في الساحة الفنية وأنا في الصف الدراسي الأول ثانوي، في حفلة كانت لجارنا، وكان الأمر يعتبر تشجيعًا لي في مواجهة الجمهور من خلال الظهور إليهم، أما عالم العُود فقد بدأ مشواري في العام ٢٠٠٢م. هذه هي محطات البدايات الأولى لمشواري الفني.
*ما الألوان الغنائية التي تفضلها؟ ولماذا؟
-أولًا يجب التوضيح لجمهوري وعامة القُراء، أن اهتمامي لم يكن مقتصرًا على اللون وفيه، وإنما كان اهتمامي باللحن، لحن أي لون غنائي كان، وأما الأصوات فرضي الله عنهم أساتذتنا، عشقت خصوصية صوت كل فنان، وبدون ذكر أسماء هنا.
*هل هناك فنانون أو مؤثرون تأثرت بهم بشكل خاص؟
-تلقيت التشجيع بداية مشواري الفني، من مجموعة فنانين يمنيين كبار؛ منهم الفنان أيوب طارش، والفنان عبدالباسط عبسي، وذلك لقُربي منهم، هذا في البداية.
ثم عرفني بعدها الأستاذ رشاد سلطان بكوكبة من الفنانين، تلقيت على أيديهم نصائح وتوجيهات، منهم الفنان عبدالرحمن الحداد، والفنان فؤاد الكبسي، والفنان محمد عطروش، والفنان المرحوم عمر باوزير، والفنان عمر الفقيه، والفنان مراد العقربي، وكذلك الفنان أحمد الحبيشي، الذي تلقيت منه شفاهًا كيفية أداء بعض الأغاني القديمة. ومما ساعدني في مجالي صوالين الثقافة التي كانت عبارة عن مجالس تحوي كوكبة من الإعلاميين والملحنين والفنانين والسياسيين، وأهل الذوق، حيث تنقَّلنا من ديوان لديوان؛ بداية من ديوان رشاد سلطان، لديوان الأستاذ أمين درهم، لديوان الدكتور نزار غانم، لديوان الحبيب عمار القليسي، ومنه لديوان السعادة المتمثل بالحبيب محمد قائد البليط، وأعتذر إن نسيت بعض الشخصيات المؤثرة.
ولا أنسى أخي الكبير الفنان رشدي العريقي، ومجدد الأغنية الشبابية إبراهيم الطائفي، في توجيهي وكيفية التعامل مع الجماهير، والفنان آزال عبدالعزيز. وأعتذر إن نسيت شخصيات كانت سبب صقل هويتي الفنية.
وهنالك أيضًا شخصيات لها في قلبي أثر كل في لونه وخصوصيته، وكل من ذكرت في السابق من الفنانين لهم فضل عليَّ، إلا أني عندما أشاهد الفنان فيصل تجذبني نشوته الفنية وأسلوبه.
*كيف تصف تجربتك في إحياء الجلسات الغنائية؟ وما أبرز التحدّيات التي تواجهها؟
-تجربتي في إحياء المناسبات، كانت خطوة لتحدّي مخاوفي؛ لأني -كما وصفني غيري- خجول نوعًا ما، وأعتبر الحفلات وليالي السمر والمخادر مدارس لتهذيب الأنفس، وترقيق القلوب باللحن وبالكلمة المعبِّرة الهادفة.
أما أبرز التحديات فهي إرضاء جميع الشرائح المجتمعية بأذواقها، إذ يصعب على الفنان -إن كان متذوقًا للون معين- أن يتذوق غيره، فيصعب عليه إرضاء الكل، أو كما قيل "إرضاء الناس غاية لا تُدرك"، ولكن يكفي الفنان أن يرضى عن نفسه، وأن يؤمن أنه صاحب رسالة، وليس الأمر مجرد ترفيه.
*كيف ترى أهمية الحفاظ على التراث الفني اليمني في ظل التغيّرات الثقافية والاجتماعية الحالية؟ وما الإستراتيجيات التي تعتقد أنه يمكن اتباعها لتجديده، وجعله أكثر جذبًا للأجيال الجديدة؟
-أعتبر التراث خطًا أحمر، وانتقل بالسند عن وعن وعن بالتلقي، فأرجو من كل صاحب اهتمام بالموروث -أكان فنيًا أو ثقافيًا أو روحيًا- أن يراعي المهنية في التوثيق والنقل؛ لأني سمعت بأذني من البعض أن بعض المناطق اليمنية ليس لها تراث، فبعيدًا عن المناطقية والمماحكات السياسية، لا تنسبوا الأعمال لغير أهلها.
أما تجديد التراث، بإضافة آلات موسيقية بدون أي تغيير للألحان فيجعله مسموعًا لدى جيلنا، مثل استخدام آلات موسيقية غربية أو عربية بنفس الجُمل الموسيقية دون تغيير، ونحزن لتغيير اللحن أو الموروث الروحي بإضافة جُمل موسيقية غربية ليكون اللحن مسموعًا لدى غيرنا. وهذا انتهاك لحقوق اللحن اليمني أكان صنعانيًا أو تعزيًا أو لحجيًا أو حضرميًا أو عدنيًا، أيضًا مسألة تهميش بعض المناطق لتراثها مشكلة خطيرة. والسؤال: أين هو تراث مناطق شمال الشمال كرازح، وتراث بعض المناطق الوسطى وريمة ووصاب وإب؟
*ما رد فعل الجمهور عند أدائك الألوان اليمنية المتنوّعة؟
-ردود فعل البعض عند أداء أكثر من لون القبول عند الغالبية، أما البعض فلا يريد اللون بخصوصيته اللحنية وخصوصية اللهجة، إنما يريده بصوت ذاك الفنان الذي غناه، وهنا مشكلة أن تُلغي خصوصية صوتك كفنان لتُظهر صوت فنان آخر من أجل رضا البعض.
*هل هناك حفلة أو مناسبة معيّنة تظل عالقة في ذهنك؟ وما الذي جعلها مميّزة؟
-يشدني الحنين إلى الحفلات التي كانت تقيمها وزارة الثقافة في بلادنا مع مشاركة دولة شقيقة أخرى؛ مثل حفل "التعاون اليمني - الصيني"، حفل أقامته سفارة الاتحاد الأوروبي، وحفل أقيم في السفارة الأمريكية يتكلم عن موسيقى 'الجاز'، هذه الذكرى عالقة لأن خطابنا كان بلغة مشتركة، لغة الموسيقى، بعيدًا عن أية لغة أخرى تخلق الاختلاف.
*هل لديك أعمال خاصة بك؟
-نعم، لديّ أعمال خاصة سُجلت في شركة 'جراند fm'، أغنية "بيني و بينك كلام"، كلمات الدكتور محمد عبده غانم، وألحان الأستاذ أيوب طارش عبسي، "أمانتك"، كلمات بشير المعمري، وألحاني، "أنا يا زين"، كلمات .......، وألحان الفنان حمود الجنيد، وأغانٍ أخرى لم يتم توثيقها بعد: "أحباب قلبي مضوا" للشاعرة سمر الرميمة، وألحاني، وأغنية "طوف بي طوف"، من ألحان الفنان عبدالباسط عبسي، وأغنية "حُبيبة" كلمات الشاعر صفوان القباطي، وألحان الأستاذ عبده الرجاني، وقصيدة قديمة للشاعر الشيخ العارف بالله جابر رزق، وألحاني، "هبت نسيمات"، وقصيدة قديمة للشاعر الشيخ العارف بالله عبدالهادي السودي "يا نديم"، من ألحاني، وأغنية من كلمات وألحان أستاذنا الفنان نصر دحمان "حليوة أنت"، وأغنية للشاعر الفضول "درب الحب"، من ألحان الفنان حمود الجنيد.
*ما مصادر إلهامك في الحياة والفن؟ وكيف تبقي نفسك متفائلًا في الأوقات الصعبة؟
-مصدر إلهامي أحبابي وأصدقائي، وبيئة خاصة أخلقها داخلي وأعيشها لكي أحافظ على بقائي، كالخلوة ومحاولة دوام اتصالي بربي.
*ما طموحاتك المستقبلية في مجال الغناء؟ هل لديك خطط لمشاريع جديدة؟
-أبسط طموحاتي إنتاج عمل متكامل لحنًا وكلمة، هادف، خالد يُظهر بيئتنا بأجمل حُلّة، أما كمشروع جماعي بدأه من كان قبلنا، ألا وهو نقابة الفنانين، والعمل على اكتشاف الألحان المطمورة في 'غيابت جب' تاريخنا، وإخراجها بأجمل حلّة.
*كيف تحافظ على التوازن بين حياتك الشخصية وحياتك الفنية؟
-الفنان ملك الجماهير، إنما نحاول أن نجعل لنا خصوصية ولو سويعات لا نسمح لأحد أن ينتهكها، تكون خاصة بأسامة المقدم الإنسان، وأسرته وزوجته وابنتيه 'ليلى وليان' فقط.
*كيف ترى دور الفنان في المجتمع؟ وما الرسالة التي تحاول إيصالها من خلال فنك؟
-كما قلت سابقًا، الفنان قبل أن يصعد للمسرح، ويواجه المجتمع بجميع شرائحه، يجب أن يكون راضيًا عن نفسه، وأن يؤمن أنه صاحب رسالة هادفة تسعى لإظهار مجتمع جميل خَلقًا وخُلُقًا، فالفن إن لم يدعُ للمثالية فليس فنًا.
*ماذا يعني لك الغناء على المستوى الشخصي؟
-العُود رفيقي وصاحبي وحبيبي، أهرب من كل شيء إليه، هو الوحيد الذي يذكِّرني أنّي رُوح قبل الجسد. ورسالتي من خلال عُودي أن أُذكِّر الناس بحقيقتهم قبل قيود بشريَّتهم. عندها يعمُّ السلام.
*هل لديك كلمة أخيرة تود أن توجهها لجمهورك، أو للفنانين الشباب الذين يسعون لتحقيق أحلامهم؟
-شكرًا لأحبابي، لكل من سمع أسامة وأنصت لعُوده، شكرًا لكل من كان له أثر في تكوين هُويتي، ونصيحة أهديها للفنانين من رعيلي، ولمن هم بعدي، قالها والدي لي حين سمع كلامًا من ناس ينظرون النظرة الدُّونية للفن، واعترضوا على غنائي، قال لي حينها: "يا ولدي لا تمشي بعد العُود خلي العُود يمشي بعدك"، وكم من أمثلة لمن راحوا مع التّيار وحياتهم الاجتماعية تدمّرت بسبب سلوكيات وممارسات معيَّنة، وعلينا، ونحن نخطو في طريق الفن أول هذه الطريق، أن نعرف الهدف الذي نريد الوصول إليه، فلا نمشي مع التّيار. 'كن أنت لا غيرك'.