تقارير

هل يُعكس تعافي الريال تحسُّنًا اقتصاديًا حقيقيًا، أم أنه خداعٌ ومضاربةٌ مكشوفة؟

01/08/2025, 13:24:47
المصدر : أ.د. عبدالوهاب العوج*

شهد الشارعُ اليمني في الآونةِ الأخيرةِ تراجعًا ملحوظًا ومفاجئًا في سعرِ صرفِ الدولارِ مقابلَ الريال، حيثُ انخفضَ في مناطقِ الحكومةِ المعترفِ بها دوليًا إلى ما دون 2000 ريال، بعد أن لامسَ سابقًا حاجزَ 3000 ريالٍ يمنيٍّ للدولارِ الواحد.

إنَّ هذا التغيُّرَ السريعَ أثارَ جدلًا واسعًا بينَ المختصينَ والمواطنينَ على السواء، وطرحَ سؤالًا جوهريًا: هل نحنُ إزاءَ تحسُّنٍ اقتصاديٍّ فعليٍّ؟ أم أمامَ وهمٍ نقديٍّ جديدٍ يُدارُ من خلفِ الستار؟

- أولًا: ما الذي يُحرّك سعرَ العملةِ الوطنيةِ عادةً؟

في الأدبياتِ الاقتصاديةِ، يتحدَّدُ سعرُ صرفِ العملةِ الوطنيةِ أمامَ الدولارِ أو العملاتِ الأجنبيةِ بناءً على توازنٍ معقّدٍ بينَ العرضِ والطلب، والسياساتِ النقديةِ والماليةِ، وحجمِ التجارةِ الخارجيةِ، ومدى تدفُّقِ العملاتِ الصعبةِ إلى البلد. ومن بينِ العواملِ الحاسمة:

نموُّ الناتجِ المحليِّ وزيادةُ الصادرات.

التحويلاتُ الخارجيةُ والاستثماراتُ الأجنبية.

الاحتياطيُّ النقديُّ الأجنبيُّ للبنكِ المركزيّ.

ثقةُ المواطنينَ والمؤسساتِ بالعملةِ الوطنية.

الاستقرارُ السياسيُّ والأمنيّ، والحدُّ من الانقسامِ المؤسسيّ.

في اليمن، وبشهادةِ المؤسساتِ الدوليةِ (البنكِ الدولي، IMF، ووكالةِ Fitch Ratings)، لا يتوفّرُ أيٌّ من هذهِ الشروطِ بشكلٍ فعّال، بل إنَّ المؤشراتِ تسيرُ باتجاهٍ معاكسٍ تمامًا: تفككٌ اقتصاديّ، تراجعٌ في الإنتاجِ المحليّ، اعتمادٌ مفرطٌ على الواردات، وشبهُ غيابٍ للسيادةِ النقديةِ في ظلِّ انقسامٍ سياسيٍّ ومؤسسيٍّ.

- ثانيًا: ما الذي يُفسِّر الانخفاضَ الأخيرَ في سعرِ الدولار؟

الانخفاضُ الحاليُّ في سعرِ الدولارِ لا يمكنُ تفسيرُهُ من منظورٍ اقتصاديٍّ تقليديٍّ، بل هو نتاجُ واحدٍ أو أكثرَ من العواملِ التالية:

مضارباتٌ منظمةٌ داخلَ السوق: عددٌ محدودٌ من الصرافينَ وشركاتِ التحويلِ الكبرى يتحكَّمُ عمليًا بالعرضِ والطلب، ويُغرقُ السوقَ مؤقتًا بكمياتٍ من الدولار، لتخفيضِ السعرِ بشكلٍ مصطنعٍ، ودفعِ الناسِ إلى بيعِ مدخراتِهم بالدولار، ثمَّ يُعيدونَ شراءَه بعدَ انخفاضِه، في عمليةٍ منظمةٍ ومكرّرةٍ، وقد حدثَ هذا سابقًا في عدن وتعز ومأرب، وهو أسلوبٌ معروفٌ في الأسواقِ غيرِ المنظمةِ، وتمتْ دراستُهُ ضمنَ تقاريرِ البنكِ الدوليِّ عن الاقتصادياتِ غيرِ الرسمية (World Bank – Shadow Economies, 2023).

تدخُّلاتٌ نقديةٌ ظرفيةٌ بدعمٍ خارجيّ: البنكُ المركزيُّ في عدن قد يكونُ استفادَ من منحٍ أو ودائعَ مؤقتةٍ (مثلَ الدعمِ السعوديِّ الأخير) لضخِّ كمياتٍ من العملةِ الأجنبيةِ، ما أحدثَ تأثيرًا محدودًا على سعرِ الصرف. لكنْ هذهِ المعالجاتِ، دونَ وجودِ سياسةٍ نقديةٍ شاملة، تبقى قاصرةً عن تحقيقِ الاستقرارِ الفعليّ.

توظيفٌ سياسيٌّ لسعرِ الصرف: غالبًا ما يُستخدمُ انخفاضُ سعرِ الدولارِ كأداةِ تهدئةٍ شعبيةٍ، أو وسيلةٍ لإثباتِ "نجاحٍ حكوميّ"، خاصةً في ظلِّ أوضاعٍ معيشيةٍ منهكةٍ، حيثُ يُرادُ إقناعُ المواطنينَ بوجودِ "تحسُّنٍ" اقتصاديٍّ، ولو كانَ مصطنعًا. وقد جرى توظيفُ هذهِ الآليةِ سابقًا في دمشق، عندما تمَّ تثبيتُ سعرِ الليرةِ في عام 2020 رغمَ التضخُّمِ الجامح، وكذلك في بيروت قبيلَ انهيارِ 2019.

- ثالثًا: المقارنةُ مع التجربتينِ السوريةِ واللبنانية

يوفِّرُ تحليلُ تجارِبِ سوريا ولبنان نماذجَ شديدةَ الشبهِ بالحالةِ اليمنيةِ الحاليةِ. ففي سوريا، بعدَ تدخُّلاتٍ أمنيةٍ لمنعِ المضاربةِ، انهارتِ الليرةُ في 2020 إلى أكثرَ من 4000 مقابلَ الدولار، رغمَ تثبيتِها سابقًا عندَ 700.

أما في لبنان، فالثباتُ المصطنعُ لسعرِ الصرفِ عندَ 1500 ليرةٍ طوالَ 25 سنة، انهارَ فجأةً عام 2019، بعدَ فقدانِ البنكِ المركزيِّ القدرةَ على الدفاعِ عن السعر. والنتيجةُ في البلدينِ كانت واحدة: انهيارٌ للعملةِ، وضياعٌ للمدخراتِ، وانعدامٌ للثقةِ بالنظامِ المصرفيّ.

- رابعًا: إلى أينَ يتّجهُ الريالُ اليمنيّ؟

إنْ لم تُتّخذْ إجراءاتٌ إصلاحيةٌ عميقةٌ تشملُ توحيدَ السياسةِ النقديةِ بين صنعاء وعدن، وضبطَ سوقِ الصرافةِ، وتعزيزَ الشفافيةِ في إدارةِ الاحتياطيِّ النقديِّ والتحويلات، فإنَّ ما نشهدُهُ حاليًا من "تحسُّنٍ شكليّ" قد يكونُ مقدّمةً لانهيارٍ جديدٍ، وربما أكثرَ حدّةً من الموجاتِ السابقةِ. فالثقةُ بالعملةِ تُبنى بالتراكمِ المؤسسيّ، لا بالإعلاناتِ الإعلاميةِ أو الضخِّ المؤقتِ.

- خامسًا: الخلاصةُ والتوصيات

الانخفاضُ الأخيرُ في سعرِ صرفِ الدولارِ مقابلَ الريالِ اليمنيِّ لا يُعكسُ واقعًا اقتصاديًّا مستقرًّا، بل هو ظاهرةٌ مضاربيةٌ مؤقتةٌ قابلةٌ للانفجارِ في أيّ لحظة. ووفقَ التجاربِ المشابهةِ في المنطقةِ، فإنَّ مثلَ هذهِ الانخفاضاتِ المصطنعةِ تُسبقُ غالبًا موجاتٍ من الانهيارِ السريعِ في سعرِ العملةِ الوطنيةِ.

لذا، يُوصى بالتالي:

عدمُ التفريطِ بالمدخراتِ بالعملةِ الأجنبيةِ بناءً على هذا الانخفاضِ المؤقت.

الضغطُ المجتمعيُّ والمؤسسيُّ باتجاهِ رقابةٍ أكثرَ صرامةٍ على السوقِ النقديِّ وشبكاتِ الصرافة.

تعزيزُ الشفافيةِ في أداءِ البنكِ المركزيِّ، ونشرُ تقاريرَ شهريةٍ تفصيليةٍ عن الاحتياطيِّ والتحويلات.

إطلاقُ حوارٍ وطنيٍّ اقتصاديٍّ لتوحيدِ السياسةِ النقديةِ ومواجهةِ المضارباتِ المؤسسية.

إنشاءُ لجنةٍ اقتصاديةٍ محايدةٍ تُراقبُ السوقَ النقديَّ، أو إنشاءُ منصةٍ رقميةٍ شفافةٍ لرصدِ سعرِ الصرفِ اليوميّ.

فالثقةُ بالريالِ اليمنيِّ لن تتحققَ عبرَ خفضٍ رقميٍّ مؤقت، بل عبرَ مسارٍ إصلاحيٍّ نقديٍّ حقيقيٍّ ومتكامل.

 * أكاديمي ومحلل سياسي يمني

تقارير

تقرير: قطاع النفط والغاز في اليمن يواجه شللاً شبه كامل رغم ثرواته الهيدروكربونية

كشف تقرير تحليلي حديث عن التدهور الحاد الذي يشهده قطاع النفط والغاز في اليمن، على الرغم من امتلاك البلاد احتياطيات هيدروكربونية كبيرة في حوضي المسيلة ومأرب–شبوة، مؤكداً أن القطاع يعاني شللاً شبه كامل يمتد على طول سلسلة القيمة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.