تقارير
فساد وسمسرة وتكاليف مرهقة.. اليمنيون في رحلة شاقة للحصول على جواز السفر
يتزايد استياء اليمنيين من تعقيدات استخراج الوثائق الشخصية، وفي مقدمتها جواز السفر، وسط تفشٍّ واسع للفساد والسمسرة داخل مصلحة الأحوال المدنية وفروعها. وتشير شهادات مواطنين إلى أن الإجراءات باتت أكثر إنهاكًا وتستغرق وقتًا طويلاً، في ظل انعدام دفاتر الجوازات وغياب الرقابة، ما جعل الحصول على الوثائق الرسمية معاناة حقيقية.
تكاليف مرهقة
يقطع المواطنون مسافات شاقة من صنعاء وذمار وحجة والحديدة وإب إلى مدن مثل عدن وتعز، للحصول على جواز سفر أو بطاقة شخصية، كون المكاتب التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا محصورة في تلك المناطق.
ومع انعدام الجوازات في بعض الفترات، يلجأ كثيرون إلى وسطاء وسماسرة يدّعون امتلاك علاقات داخل مصلحة الجوازات، مقابل مبالغ مالية باهظة تتراوح بين 200 و800 ريال سعودي، وفقًا لمدة الإنجاز المطلوبة — فكلما ارتفع المبلغ تقلص وقت الانتظار.
ويضطر القادمون من المحافظات البعيدة إلى الإقامة لأيام في الفنادق بانتظار استلام وثائقهم، ما يضيف أعباء جديدة. خالد الجرادي، أحد المواطنين، روى أنه أقام في عدن 15 يومًا للحصول على جواز سفر بغرض العلاج، وأنه أنفق نحو 1500 ريال سعودي بين رسوم وفندق ومصاريف يومية، بعد أن اضطر إلى الاستدانة لتغطية التكلفة. فيما دفع آخر، سامي حيدر، 500 ريال سعودي لسماسرة مقابل استلام جوازه خلال أسبوع فقط.
فساد لا يتوقف
يصف محللون اقتصاديون ما يجري بأنه نتيجة طبيعية للفساد داخل وزارة الداخلية ومصلحة الهجرة والجوازات، إلى جانب ضعف التنسيق الحكومي.
ويؤكد رضوان فارع أن “السمسرة في طباعة الجوازات أصبحت تجارة مربحة يتقاسم عائدها بعض الموظفين والمسؤولين، في ظل ازدحام غير مسبوق على فروع المصلحة”.
أما المحلل الاقتصادي نبيل الشرعبي فيشير إلى أن الحكومة تسهم في تفاقم الأزمة عبر قرارات مفاجئة وإعلانات متكررة عن نفاد دفاتر الجوازات، ما يفتح الباب أمام المتاجرة والابتزاز. ويضيف أن المواطن الذي يرفض التعامل مع السماسرة قد ينتظر أسابيع بلا نتيجة، ليجد نفسه مضطرًا في النهاية للدفع أو العودة خائبًا.
ولا تقتصر المعاناة على المكاتب الرسمية، فحتى مكاتب السفر الخاصة تمارس أحيانًا عمليات احتيال، إذ يُجبر المواطن على الدفع مرتين أو ثلاث مرات للحصول على الجواز، بمبالغ قد تتجاوز 2000 ريال سعودي، بسبب غياب الرقابة وتعدد الجهات غير المرخّصة.
شبكات السماسرة
على الرغم من إعلان مصلحة الهجرة مؤخرًا وصول دفعات جديدة من دفاتر الجوازات إلى عدن، فإن الواقع يشير إلى استمرار الأزمة.
وتنتشر شبكات سمسرة تربط بين المكاتب في مناطق سيطرة الحوثيين والسماسرة العاملين في المدن الحكومية، حيث تُفرض مبالغ بالريال السعودي مقابل ترتيب النقل والإجراءات، في ما يشبه “سوقًا سوداء” لوثائق السفر.
ويرى خبراء أن بإمكان الحكومة تخفيف المعاناة عبر حلول رقمية، مثل تفعيل منصة إلكترونية لتعبئة الاستمارات ودفع الرسوم ومتابعة الطلبات، بما يقلل الاحتكاك والفساد ويمنح المواطن حقه دون ابتزاز أو عناء. لكن غياب الإرادة الجدية والإصلاح الإداري يجعل المواطن اليمني يظلّ الضحية الأولى لبيروقراطيةٍ خانقة تفتح أبوابها للفساد وتغلقها أمام العدالة والخدمة العامة.
العربي الجديد