تقارير

عائلات عاملي الإغاثة اليمنيين المختطفين لدى مليشيا الحوثي تشعر باليأس بشأن مصيرهم

22/11/2025, 13:57:55
المصدر : أسوشيتد برس (ترجمة خاصة)

تحوّل فرح عائلة أحمد اليمني باحتفالهم بزفاف ابنته إلى رعب في اليوم التالي، عندما داهمت قوات مقنّعة منزلهم في صنعاء، العاصمة الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، واعتقلته.

لم تسمع العائلة عنه شيئًا لعدة أشهر. ويشتبه أفرادها في أن جريمته الوحيدة كانت عمله لدى منظمات إنسانية محلية.

اليمني واحد من عشرات العاملين اليمنيين لدى مجموعات إغاثية ووكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية الذين احتجزتهم مليشيا الحوثي منذ العام الماضي في المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرتها. وقد شملت الحملة مداهمة منازل ومكاتب، وترويع عائلات، ومصادرة هواتف ذكية وأجهزة كمبيوتر ووثائق.

وعلى الرغم من إطلاق سراح بعض موظفي الأمم المتحدة، لا يزال معظم العاملين في الإغاثة محتجزين منذ أشهر من دون توجيه تهم رسمية أو محاكمات. وتدعي مليشيا الحوثي أنهم جواسيس للغرب وإسرائيل، وهو ما تنفيه عائلاتهم.

مداهمة منزل العائلة

اقتحم مسلحو مليشيا الحوثي منزل اليمني في 6 يونيو 2024 بينما كانت العائلة نائمة، وألقوا القبض على الرجل البالغ من العمر 52 عامًا. ووجهوا أسلحتهم نحو أفراد العائلة، بمن فيهم ابنه الأصغر عبدالرحمن. وخرّبوا المنزل وصادروا جميع وثائقهم، بما في ذلك صك المنزل، بحسب ابنه الأكبر. وخلال التفتيش، كانت زوجة اليماني ووالدته محتجزتان في غرفة منفصلة تحت حراسة خمس عناصر نسائية من الحوثيين.

وقال خالد اليمني، 28 عامًا، الابن الأكبر، في اتصال هاتفي من فرنسا حيث يعيش الآن، إن مسلحي الحوثي غادروا المنزل ومعهم والده داخل مركبة مدرعة، كما أخذوا سيارته.

وبحسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، بدأت المداهمات في نهاية مايو 2024 واعتُقل خلالها عشرات من العاملين في مجال الإغاثة. ولم تُبلَّغ عائلاتهم بمكان وجودهم لعدة أشهر ولم يُسمح لهم بالتواصل معهم، الأمر الذي يرقى إلى "الاختفاء القسري".

الاعتقالات تترك آثارًا مؤلمة

كما اعتُقل الدكتور علي المضواحي، 56 عامًا، وهو مستشار للصحة العامة لدى اليونيسف، في يونيو 2024. داهم الحوثيون مكتبه واستجوبوه وزملاءه لساعات، ثم عصبوا عينيه واقتادوه بعيدًا.

وبعد ثمانية أشهر، اتصل بعائلته لأول مرة، وفقًا لزوجته صفية محمد. وحتى اليوم، لا تعرف هي وابنتهما البالغة من العمر 12 عامًا مكان احتجازه.

ومنذ تلك المكالمة الأولى، تتلقى العائلة اتصالًا كل شهر أو شهرين لا يستغرق سوى بضع دقائق.

وقالت صفية محمد عبر الهاتف: "في آخر ثلاث مكالمات، كان صوته مرهقًا. بإمكاني أن أشعر أنه ليس بخير."

كما قال طبيب من صنعاء لـ "أسوشيتد برس" إن شقيقه الذي كان يعمل مع اليونسكو اعتقل العام الماضي، وكذلك أحد أقاربه الذي يعمل مع وكالة أممية أخرى، وجرى اعتقاله في سبتمبر.

وكانت مليشيا الحوثي قد استدعت القريب للتحقيق عدة مرات قبل أن يختفي يومًا ما دون عودة، وفق ما قال الطبيب الذي يعيش في الخارج متحفظًا على ذكر اسمه خوفًا على سلامة عائلته.

أما بالنسبة لشقيقه، فقال إن العائلة أصبحت قادرة على الاتصال به كل بضعة أشهر ولكن لمدة لا تتجاوز عشر دقائق.

عائلات أصبحت "أشباحًا"

منذ اعتقال اليمني، تمكنت العائلة من رؤيته مرة واحدة، في 16 أغسطس. تلقّوا تعليمات من الحوثيين للحضور إلى نقطة معينة، ثم نُقلوا بحافلة نوافذها معتمة إلى مكان مجهول.

وعندما توقفت الحافلة، أُحضر اليمني وتمكنت زوجته ووالدته وابنه عبدالرحمن من التحدث معه لفترة قصيرة. وبحسب العائلة، بدا هزيلًا وقد فقد الكثير من وزنه، وفقًا لما قاله خالد اليمني، مضيفًا أنه تحدث مع والده ثلاث مرات منذ اعتقاله.

شعور الألم لدى العائلات بسبب احتجاز أحبّتهم جعل الكثير منهم يشعرون بالخدر.

وقال الطبيب من صنعاء: "نحن أشباح لأشخاص."

أما صفية محمد، فتقول إنها تخبر ابنتها بأن والدها في "مهام عمل"، وهو شيء اعتادت عليه الطفلة سابقًا.

وتضيف صفية محمد: "لقد أخذوا رب أسرتي. أخذوا معيلنا الوحيد. أحاول إخفاء ألمي عن ابنتي ولكن… أنا قلقة."

حملة عسكرية تزيد المخاوف

ازدادت مخاوف العائلات عندما شنت الولايات المتحدة وإسرائيل حملة جوية وبحرية ضد الحوثيين ردًا على هجمات المتمردين الصاروخية وبالطائرات المسيّرة على إسرائيل والسفن في البحر الأحمر. ويزعم الحوثيون أن أعمالهم جاءت تضامنًا مع الفلسطينيين بسبب الحرب في غزة.

ومع ضربات إسرائيل لمناطق سكنية ومواقع عسكرية حوثية ومرافق احتجاز في صنعاء والحديدة، خشي الأهالي أن يكون أحباؤهم محتجزين في أي من تلك المواقع.

وقال حزام الأسد من المكتب السياسي لمليشيا الحوثي "إن المحتجزين، بمن فيهم العاملون مع المنظمات الدولية والجمعيات غير الربحية، متورطون في التجسس وتزويد إسرائيل بإحداثيات ومعلومات حول أهداف محتملة".

وأضاف الأسد لوكالة "أسوشيتد برس" "كان بحوزتهم أجهزة تجسس متطورة ومعدات تنصت لاعتراض المكالمات وتحديد المواقع"، وأن القضايا ستُحال إلى السلطات القضائية "في الوقت المناسب".

وقد أدان نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق الاعتقالات، وقال إن الاتهامات ضد موظفي الأمم المتحدة "لا أساس لها ومقلقة للغاية".

وأضاف حق: "موظفونا مهنيون في العمل الإنساني والتنمية ولا ينحازون لطرف."

وفي أكتوبر، أفرج الحوثيون عن 12 موظفًا دوليًا في الأمم المتحدة بعد احتجازهم في صنعاء خلال عطلة نهاية الأسبوع، وفقًا للأمم المتحدة، والتي قالت إنهم غادروا اليمن بعدها.

ومع ذلك، لا يزال 59 يمنيًا من موظفي الأمم المتحدة محتجزين، إضافة إلى العديد من العاملين في منظمات غير حكومية ومؤسسات مجتمع مدني من بعثات دبلوماسية مختلفة.

خيبة أمل من الأمم المتحدة

كان آخر عمل لليمني في مارس 2022 مع منظمة "جمعية الإغاثة المباشرة" التي لديها مكاتب في المناطق الخاضعة للحوثيين وفي جنوب اليمن، حيث توجد الحكومة المعترف بها دوليًا.

ويقول خالد اليمني إنه تواصل مع جميع جهات عمل والده السابقة، إضافة إلى مكاتب الأمم المتحدة في اليمن، لكنه تلقى ردًا بأن عليهم منح الأولوية للإفراج عن موظفيهم الحاليين.

ويشهد اليمن حربًا منذ 2014 حين سيطرت مليشيا الحوثي على صنعاء ومعظم شمال البلاد، مما أجبر الحكومة على الخروج. وقد أسفرت الحرب التي هدأت حدتها خلال السنوات الأخيرة عن مقتل أكثر من 150 ألف شخص من مقاتلين ومدنيين، وخلقت إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

وتقول الأمم المتحدة إنها تعمل بنشاط مع الحوثيين لضمان "الإفراج الفوري وغير المشروط والعودة الآمنة لجميع المحتجزين."

وأضاف حق: "نحن نتشارك تمامًا هدف العائلات. ونقف معهم في إحباطهم وقلقهم."

ويقول كل من خالد اليمني وصفية محمد إنهما ينشران بانتظام معلومات عن المحتجزين لجذب الاهتمام لقضاياهم. لكن اليمني يقول إنه يحرص في منشوراته على استدرار التعاطف من الحوثيين بدلًا من قول شيء قد يستفزهم.

تقارير

عودة مساعي السلام في اليمن.. نوايا جادة أم إعادة تدوير الأزمة؟

هل بالإمكان تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية بعد نحو عشر سنوات من جولات الحوار الفاشلة وجهود السلام التي كانت نتيجتها الوحيدة إطالة أمد الحرب وتعقيد فرص السلام وتعطيل الحسم العسكري؟ لعل من الأمور المحيرة في الأزمة اليمنية ذلك النفس الطويل الذي يتمتع به دعاة السلام في اليمن، فدول عظمى، وأخرى إقليمية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، تدعو إلى تحقيق السلام في البلاد، وترسل المبعوثين وتعقد اللقاءات لأجل هذا الغرض، رغم أنها جميعا تعلم أن الأزمة اليمنية لم تعد قابلة للحل السياسي، وأنه كلما طال أمد الحرب ازدادت الأوضاع تعقيدا، وازدادت معها العقبات أمام مساعي تحقيق السلام. في 19 نوفمبر الجاري، اختتم المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، زيارته إلى العاصمة العمانية مسقط، التي أجرى خلالها مباحثات مع الشيخ خليفة علي عيسى الحارثي، وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، بالإضافة إلى عقد لقاء آخر مع محمد عبد السلام، مسؤول فريق التفاوض التابع للحوثيين، في إطار الجهود الهادفة إلى دفع عملية السلام واستعراض آخر مستجدات الملف اليمني. بدوره، جدد وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هاميش فالكونر، خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة المؤقتة عدن، في 20 نوفمبر الجاري، تأكيد التزام بلاده بدعم جهود السلام في اليمن. - السياق الإقليمي ووهم السلام بدأت مساعي السلام في اليمن منذ ما قبل اندلاع الحرب بسنوات، وتحديدا في صيف 2011، عندما وصل أول مبعوث أممي إلى اليمن، جمال بن عمر، لكن تلك المساعي لم تحقق نتيجة تذكر، وفشلت في احتواء التوترات ومنع اندلاع الحرب، وبعد اندلاعها لم تفلح مختلف المساعي في إجبار الحوثيين على القبول بعملية السلام. وبعد كل سنوات الحرب تلك وما تخللها من مساعٍ لتحقيق السلام باءت جميعها بالفشل، وتعقد الأوضاع محليا وإقليميا، فإنه ما زال هناك من يراهن على تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية، رغم أن السياق الإقليمي بعد الحرب على قطاع غزة لا يشجع على التسوية السياسية السلمية في اليمن وإنما زادها تعقيدات إضافية إلى تعقيداتها السابقة. فإذا كانت مليشيا الحوثيين ترفض القبول بالسلام في سنوات سابقة، فكيف ستقبل به بعدما أصبحت ترى أن الأمور آلت لمصلحتها، وتعتقد أنها باتت فاعلا إقليميا بعد انخراطها ضمن المحور الإيراني خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ووظفت هجماتها الرمزية على الكيان الإسرائيلي لتعزيز وضعها في الداخل اليمني. وبالتزامن مع مساعي السلام في اليمن، ظل السلاح الإيراني يتدفق للحوثيين بلا انقطاع، حتى أصبحت مناطق سيطرتهم بمنزلة قاعدة عسكرية إيرانية متقدمة، تستخدم لتهديد الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر، فضلا عن تهديد بعض دول الجوار، مع توظيف القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية. وفي الوقت الذي يتشكل فيه مزاج إقليمي ودولي ضد إيران ومليشياتها في المنطقة، لكن ما يبدو حتى الآن أن هذا المزاج لا ينعكس بالضرورة على الملف اليمني، وأصبح الحديث عن السلام في اليمن والجهود التي تُبذل في هذا الجانب وكأنها صفقات ضمنية تُمنح للحوثيين بحجة "الحفاظ على التهدئة" أو "ضمان عدم توسع الحرب"، وتحول الملف اليمني من قضية حرب وسلام إلى مساحة للمساومات، وأحيانا إلى ورقة بيد لاعبين إقليميين يفضلون بقاء الوضع معلقا على أن يصل إلى مواجهة مكلفة. وليست مبالغة القول إن جهود السلام في اليمن، الإقليمية والدولية، منحت مليشيا الحوثيين مساحة واسعة للمناورة، فبدلا من أن تُعامل على حقيقتها كمليشيا انقلابية مصنفة إرهابية ومرتبطة بسياسة إيران التخريبية في المنطقة، يعاد تدويرها كطرف سياسي على أمل التفاهم معه، رغم أنها ترفض أي عملية سلام حقيقية تقوم على التنازل المتبادل أو المشاركة الفعلية في الدولة. وفي الواقع، فإن مساعي السلام التي استهلكت الوقت وأجلت الحسم العسكري، كان واضحا أنها رسخت هيمنة الحوثيين على الأرض، ومنحتهم فرصا إضافية لتعزيز قوتهم العسكرية. وكلما طال هذا التراخي، يصبح الحديث عن "حل سياسي" مجرد ترف لغوي لا مكان له في معادلة الصراع. وتكمن المشكلة الرئيسية لدعاة السلام في اليمن في غياب الإرادة والجرأة على التعامل مع الطرف الذي يعطل السلام، ولذلك تبدو تلك الجهود وكأنها تطبيع مع الأمر الواقع، والنتيجة أن مساعي السلام ستظل تدور في الحلقة نفسها: جهود لا تثمر أي نتيجة، وواقع محلي وإقليمي يفضل تأجيل مواجهة الحقيقة. وما لم يُكسر هذا النمط، ستبقى مساعي السلام مجرد عنوان تضليلي لحرب معلقة تستمد أسباب استمرارها من التواطؤ مع الحوثيين أكثر مما تستمده من الوقائع على الأرض. - لماذا التسوية السياسية مستحيلة؟ رغم أن الحرب في اليمن استنزفت الجميع، ولم يعد لدى مختلف الأطراف ما يكفي من الحماس للعودة إلى معارك واسعة كتلك التي كانت في بداية الانقلاب الحوثي وعملية "عاصفة الحزم"، إلا أن هذا الإرهاق العسكري لا يخلق بالضرورة بيئة صالحة للتسوية السياسية. فالحرب التي عجزت عن تمكين أي طرف من تحقيق أهدافه كاملة، لن يعوض فشلها باتفاق سياسي هش، يقوم على قاعدة "لا رابح ولا خاسر"، بينما الوقائع على الأرض تقول العكس، فهناك أطراف حققت مكاسب ميدانية كبيرة أو حصلت عليها عبر التنازلات، وأطراف بلا مكاسب ميدانية تُذكر، وأخرى لا تملك أي شيء أصلا، ولذا كيف يمكن إقناع من لديه مكاسب كبيرة بالتنازل ولو نسبيا لمصلحة أطراف أخرى؟ ومع هندسة التحالف السعودي الإماراتي للوضع في اليمن عسكريا وسياسيا، وتفتيت السلطة الشرعية بين أطراف متنافرة، بقيت السلطة الشرعية بمفهومها القانوني الحلقة الأضعف في معادلة الصراع، يجسد ذلك الانقسامات بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، الذي يبدو عاجزا عن إدارة موقف موحد ضد مليشيا الحوثيين. كما لا يمكن إغفال أن مساعي السلام مكنت الحوثيين من أن يجعلوا كلفة السلام على خصومهم أعلى بكثير من كلفة الحرب، ذلك أنهم أعادوا تعريف أولويات المفاوضات، وحولوا القضية الوطنية إلى ملفات صغرى: فتح طريق هنا، أو صرف رواتب هناك، أو فتح مطار، أو تخفيف حصار ميناء. والعجيب في الأمر أن الأطراف الأخرى ودعاة السلام انساقوا وراء الحوثيين في تجزئة القضية الوطنية، وتغافلوا عن مسألة السلاح والسيطرة وفرض الحوثيين للأمر الواقع. وإذا توفرت إرادة سياسية حقيقية، فإن الحسم العسكري المفضي إلى سلام دائم قد يتحقق خلال أسابيع قليلة بكلفة معروفة ومحدودة نسبيا، بينما السلام القائم على التنازلات المتتابعة سيظل يراوح مكانه لسنوات، ويغذي حالة اللاحرب واللاسلم، قبل أن تنفجر الأوضاع مجددا في معركة قد تكون أشد كلفة من خوض الحسم في اللحظة الراهنة، وهي معركة قادمة لا محالة، وسيبادر الحوثيون إلى إشعالها بعد أن يراكموا مزيدا من القوة العسكرية حتى يروا أنها أصبحت كافية لخوض معركة واسعة. هذا السيناريو الأكثر احتمالا يؤكد أن أكبر عقبة أمام السلام في اليمن تتمثل في بنية مليشيا الحوثيين نفسها، فهي تحمل مشروعا عقائديا مغلقا، طائفيا وسلاليا، يرفض وجود الآخرين أصلا، فضلا عن مشاركتهم في السلطة، ولذلك فهي لا تريد تسوية دائمة، وإنما هدنة مقنعة تسمح لها بتعزيز قواتها، تمهيدا لجولة قادمة من الحرب، ستكون أشد عنفا من سابقاتها، وستجبر الآخرين على الانخراط في المعركة الحاسمة. الخلاصة، قبل أي حديث عن تسوية سياسية في اليمن، يجب الاعتراف أولا بأن "لحظة النضج" التي تجبر مختلف الأطراف على التفكير بالحل السلمي والقبول به لم تولد بعد، وهذه اللحظة لا تأتي إلا عندما تتغير معادلة القوة على الأرض، فيتراجع الطرف القوي ويصعد الطرف الضعيف، وتبدأ مرحلة الألم المتبادل التي تجعل الجميع يدرك أن الحسم مستحيل. لكن في ظل الوضع الراهن في اليمن، لا توجد مؤشرات على أن أي طرف وصل إلى هذا الإدراك، ولا توجد بيئة تدفع نحو حل وسط أو استعداد حقيقي للخروج من دائرة الحرب، فالجيوش والمليشيات متقابلة في خطوط التماس، والفاعلون الأجانب لا يرغبون في الحسم العسكري وليسوا جادين بشأن السلام الذي لا يمكن أن يتحقق تحت فوهات البنادق.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.