تقارير

"سواعد مهدورة".. عمال ينتظرون الحياة على الأرصفة

09/09/2025, 12:43:40
المصدر : قناة بلقيس - خاص

مع شروق الشمس وتدفّق قطرات المطر على الأرض في جولة دار سلم جنوب العاصمة صنعاء، جلس محمد قاسم، 40 عامًا، على الرصيف، وعيناه تبحثان عن أي فرصة عمل قد تُخرجه من دائرة الجوع واليأس.

المكان مزدحم بالعمال من كل حدب وصوب، يُعرف باسم "الحَرَاج"، حيث يقف الرجال في انتظار أن يلمحهم صاحب عمل يحتاج إلى بضع ساعات من الجهد؛ لكن اليوم، كما الأمس، لم يأتِ أي عرض، بحسب محمد.

محمد، الذي ترك مقاعد جامعة إب، قسم المحاسبة، منذ أكثر من 20 عامًا ليتفرغ للعمل في مهنة البلاط لتغطية احتياجات أسرته، يتنقل بين المهنة والحياة بمرارة. يقول بصوت ضعيف ويداه ترتجفان من البرد والجوع: "أحيانًا لا أتناول إلا وجبة واحدة في اليوم، لكن الرزق بيد الله".

منذ أسبوعين، أصبح حضور الجولة يوميًا ضرورة، مغادرًا عند المساء بوجه شاحب ويد فارغة، غير قادر على إرسال ما يكفي من المال لزوجته وأطفاله الخمسة. بالأمس، اضطر للاستدانة من صديق ليحصل على مبلغ لا يكفي إلا لسد رمق يوم واحد.

"لم أتناول شيئًا منذ الصباح، وكلنا هنا ننتظر أن يأتي الرزق أو تمر الأيام بصمت موت محتمل"، يقول محمد وهو يراقب زملاءه الذين يعيشون المعاناة ذاتها.

يتابع حديثه لقناة بلقيس قائلًا: "لا أحد قادر على المساعدة، إذ باتت الظروف صعبة على الجميع..."، مضيفًا: الأيام تغيرت، والحياة في الجولة أصبحت أقسى من السابق. "كنا نتبادل المساعدة والسلف بيننا، أما الآن، فكل شيء توقّف، والقلوب تعبت، والحنجرات جائعة، والحياة صارت أضيق من ثقب إبرة".

- انعدام الأمن الغذائي

محمد ليس حالة استثنائية، فالمعاناة ذاتها يعيشها عيسى اليريمي، 55 عامًا، في جولة شارع تعز بصنعاء. يقول بنبرة محملة بالقهر والتعب، محفوفة بقهر الرجال: "من بعد عيد الأضحى، اشتغلت فقط ثلاثة أيام".

بصوت مبحوح، يتساءل محمد لقناة بلقيس: "لا أدري، هل أبحث عن مصاريف للبقاء هنا بحثًا عن عمل، أم مصاريف لعائلتي التي تنتظر اتصالي يومًا بعد يوم؟ لا أستطيع. ماذا أقول لهم؟ بعت هاتفي وظللت بدون هاتف خوفًا من الاتصالات".

محمد وعيسى، وكغيرهما من عمال الحراج، يمثلون جزءًا من 18 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) لشهر أغسطس 2025.

يشير التقرير إلى أن تمويل خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2025 لم يتجاوز 15%، مما أجبر وكالات الإغاثة على تعليق العديد من البرامج الحيوية، تاركة ملايين الأشخاص دون المساعدات المنقذة للحياة.



ويؤكد التقرير أن انكماش المساعدات الغذائية، وانهيار الاقتصاد، وتكرار الصدمات المناخية، ساهمت جميعها في تفاقم الأزمة، مشيرًا إلى أن قدرة المجتمعات على التكيّف باتت "منهارة تمامًا" في العديد من المناطق.

- شلل حركة السوق

من جهته، يؤكد الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية محمد الجماعي أن "قطاع البناء في اليمن يُعد من القطاعات الحيوية المرتبطة ارتباطًا مباشرًا بفرص العمل والنمو الاقتصادي، إذ مثّل ما يقارب 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2016، بحسب بيانات رسمية".

وأشار في تصريح خاص لقناة بلقيس إلى أن "الحرب والأزمة الاقتصادية دفعت به إلى حالة من الركود الحاد، نتيجة جملة من العوامل، أبرزها الارتفاع الكبير في أسعار مواد البناء بنسبة تراوحت بين 60 – 70% من التكلفة النهائية للمشاريع، إلى جانب تعثر أو تأجيل نحو 90% من المشاريع الإنشائية، وفق دراسات سابقة". لافتًا إلى أنه "زاد من تعقيد الوضع الانقسام النقدي والصراع الاقتصادي الذي أضعف القدرة الشرائية للمواطنين".

وأضاف: "هذا التراجع جعل سوق البناء شبه متوقف في معظم المحافظات والمدن، وهو ما انعكس بشكل مباشر على شريحة العمالة اليومية -عمال الحراج- الذين يعتمدون على الأجر اليومي في مواقع البناء كمصدر رزق وحيد"، لافتًا إلى أن هؤلاء قد حُرموا من دخلهم الأساسي، خاصة وأن غالبيتهم يعملون دون عقود عمل أو تأمينات أو أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، ما جعلهم أكثر عرضة للهشاشة والفقر".

وتابع الصحفي الجماعي حديثه بالقول: "لم يجد كثير من هؤلاء العمال سوى اللجوء إلى أعمال بديلة هشة مثل البيع المتجول، أو أعمال التحميل، أو الهجرة الداخلية، مقابل أجور متدنية بالكاد تغطي الحد الأدنى من متطلبات المعيشة"، منوهًا إلى أن هذه الظروف "قد أسهمت في اتساع دائرة الفقر والهشاشة الاجتماعية، وظهرت انعكاساتها جلية في تسرب الأطفال من المدارس، وغياب أصناف أساسية من موائد الطعام".

وجدد الجماعي التأكيد على أن "ركود قطاع البناء لا يعني فقط توقف مشاريع الإنشاء؛ بل هو في جوهره تعطيل واحد من أهم محركات التشغيل في الاقتصاد اليمني، وتحويل آلاف العمال اليوميين إلى صفوف البطالة والفقر، بما يحمله ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية عميقة الخطورة".

- ركود اقتصادي

بدوره، يرى محمد الحارثي، الذي يعمل في مجال المقاولات منذ أكثر من 15 عامًا، أن السوق قد تغير كثيرًا، وأن المعاناة اليوم أصبحت تؤثر على جميع القطاعات والمهن المختلفة، عمالًا ومقاولين وتجارًا على حد سواء.

يشير في حديث لقناة بلقيس إلى أن توقف اليد العاملة عن العمل كان له أثر أكبر من انقطاع الرواتب، وذلك بالمقارنة بين عدد الموظفين الذين يتقاضون مرتبات والعمال، مؤكدًا أن هذا الواقع يعكس حجم الأزمة التي يعيشها القطاع الاقتصادي في البلاد بشكل عام، والبناء بشكل خاص، باعتباره المصدر الأساس لتحريك الأيادي العاملة.

يستعرض الحارثي أبرز أسباب ركود الأعمال، ويرجع السبب إلى الركود الاقتصادي العام، وانقسام العملة، واستمرار الحرب، وهجرة رجال الأعمال خارج البلاد، ما أدى إلى شلل حركة السوق، حسب تعبيره.

يضيف محمد: "كنت أقوم بعمليات البناء والبيع، وكانت الأمور تمضي بسرعة، وتتوفر السيولة التي تمكنني من شراء الأراضي وبيعها بعد البناء. لكن ضعف الواقع الاقتصادي الحالي يجعلني عاجزًا عن الشراء أو البيع، وهذا بدوره ينعكس على توقف الأيادي العاملة".

ويتابع: "في السابق، كنت أحتاج شهرين أو أقل لبيع أي عمارة كنت أبنيها، وتتوفر لدي السيولة للبدء في مشاريع جديدة، أما الآن، فأحيانًا تمضي السنة ولا أستطيع بيع أي شيء، وإذا وُجد المشتري يطلب البيع بأقل من نصف السعر الذي أطلبه، وهذا دفعنا للتوقف عن العمل".

وأضاف: "هذه المعاناة ليست خاصة، وإنما عامة. وأنا مثال على كثيرين يواجهون نفس الوضع، وبلا شك أن هذا الركود انعكس سلبًا على واقع اليد العاملة، حيث تقل فرص العمل اليومية للعمال وتزداد معدلات البطالة والفقر".

إجمالًا، تبقى مأساة عمال الحراج في اليمن شاهدة على معادلة قاسية: بطالة بلا أفق، وجوع يطارد الأسر يومًا بعد يوم. هؤلاء الذين اعتادوا حمل الحجارة ورفع الحديد لبناء بيوت الآخرين، باتوا اليوم عاجزين عن بناء مستقبلهم وتأمين لقمة عيش كريمة لأطفالهم، وبين مطرقة الحرب وسندان الفقر، يظل صوتهم الخافت يردد مطلبًا بسيطًا: الحصول على فرصة عمل تحفظ كرامتهم وتعيد إليهم حقهم في الحياة.

تقارير

الاحتلال يقصف الدوحة.. هل أصبحت السماء العربية ميدانا مفتوحا للطيران الإسرائيلي؟

قبل أن يصل السلام إلى ساحة المعركة، ليوقف نزيف الدم وحرب الإبادة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، أرادت إسرائيل أن توصل الحرب إلى طاولة المفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة، وهذا ما تبني عليه إسرائيل استراتيجيتها لقطع الطريق أمام أي احتمالات سلام، وإغلاق الباب أمام قطر، التي سعت أن تكون منصة حوار وتهدئة

تقارير

القيادة التنفيذية للانتقالي.. سلطة أمر واقع في الجنوب أم وسيلة لتعطيل أعمال الحكومة الشرعية؟

عقدت القيادة التنفيذية العليا للمجلس الانتقالي الجنوبي اجتماعها الدوري الثامن في عدن، برئاسة عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس، ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، لمناقشة تقارير وزارية وهيكلية شملت ملف الأراضي والنزاعات العقارية، وتحصيل الإيرادات الضريبية والرقابة على الأسواق وضبط الأسعار، إضافة إلى أزمة الكهرباء، ومساعي توفير شحنات وقود عاجلة بالتنسيق مع مانحين دوليين ودولة الإمارات.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.