تقارير

سقطرى: جوهرة التنوّع البيولوجي مهددة بالشهية الإماراتية

01/12/2023, 18:33:44
المصدر : موقع ذا كونفيرزيشن - اليونورا ارديماجني

مع بدء مؤتمر الأمم المتحدة، المعني بتغيُر المناخ (COP28) في دبي، هناك أرخبيل صغير يتصدر عناوين الأخبار دائما: أرخبيل سقطرى.

كانت هذه الجُزر اليمنية الأربع الصغيرة، الواقعة في شمال غرب المحيط الهندي، في مرمى الإمارات العربية المتحدة، منذ بداية حرب اليمن.

 وللتذكير، شاركت الإمارات في هذا الصراع بانضمامها إلى التحالف، الذي تقوده السعودية، والذي يتدخل منذ عام 2015، ضد الحوثيين المدعومين من إيران. لكن سقطرى لم يقترب منها لا الحرب الأهلية ولا الحوثيون.
تشتهر سقطرى بحيواناتها ونباتاتها الفريدة، وتعتبرها بعض الأساطير الموقع الأصلي لجنة عدن.

 الأرخبيل مدرج حاليا على قائمة اليونسكو للتراث العالمي من أجل حماية هذه الجزر، التي تعد من أغنى الجزر في التنوع البيولوجي في العالم.
ويقدر العلماء أن 37% من أنواع النباتات، البالغ عددها 825 نوعًا في الجزيرة، و90% من أنواع الزواحف، و95% من أنواع القواقع البرية لا توجد في أي مكان آخر في العالم.

ولكن في السنوات الأخيرة، يُعتقد أيضا أن جوهرة التنوع البيولوجي هذه تحظى باهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة لأسباب عديدة محتملة.

بداية، موقعها الاستراتيجي، وسط الممرات المائية للخليج وأفريقيا وآسيا. موقع مثالي لجعل الجزيرة مركزا للنقل البحري والخدمات اللوجستية والدفاع العسكري، وبالتالي تعزيز الأهداف الجيواستراتيجية لدولة الإمارات، مع مواجهة منافسيها وخصومها. لكن إمكاناتها السياحية أيضا هي التي قد تثير اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة.

هناك العديد من السيناريوهات التي من شأنها أن تعرض تنوعها البيولوجي الكبير للخطر.
لكن ماذا نعرف بالضبط عن كل هذه الاحتمالات؟ دعونا نحاول تقييمها.

- التأثيرات الإماراتية القديمة

بادئ ذي بدء، سيكون من التبسيط وصف ألعاب النفوذ التي تمارسها الإمارات في سقطرى باعتبارها حالة بسيطة من "الاختراق": فالسقطريون والإماراتيون لديهم تاريخ طويل، قبل وقت طويل من بدء الحرب في اليمن.

قبل اكتشاف النفط في أبو ظبي، في أواخر الخمسينات، هاجر بعض الإماراتيين، وخاصة التجار من عجمان، إلى الجزيرة. وعلى العكس من ذلك، ذهب العديد من السقطريين إلى الأنظمة الملكية النفطية في الستينات للعثور على عمل.
ويعيش حاليا حوالي 30% من سكان سقطرى في دولة الإمارات العربية المتحدة، خاصة في إمارة عجمان.

تكثّف التغلغل الاقتصادي والعسكري والثقافي لدولة الإمارات العربية المتحدة في الأرخبيل مع خضوع الجزيرة لتحول اجتماعي عميق.

 وقد نتج هذا بشكل رئيسي عن تنفيذ مشاريع الحفاظ على البيئة، التي تم تنظيمها، وتمويلها من الخارج، وعن طريق أصداء الربيع العربي المحلية، التي تجسدت في اليمن من خلال الانتفاضة ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح. ومن أجل تحقيق أهدافهم الجيواستراتيجية، استفاد الإماراتيون من رياح التغيير هذه.

وهكذا أنشأوا شبكات محسوبية ونجحوا في تقسيم سكان الجزر بين "مؤيدين" و"معارضين" لسياساتهم.

كما أدى الوجود الإماراتي إلى تسريع عملية تسييس وعسكرة سقطرى. على الرغم من ذلك، غالبا ما كانت سقطرى تدرس من قِبل علماء البيئة وعلماء الأنثروبولوجيا، بدلاً من علماء السياسة وخبراء الأمن.
وفي الواقع، يظل من الصعب دراسة تطور التوازنات السياسية والعسكرية في الأرخبيل.

وهي صعوبة تزايدت، منذ بداية الحرب في اليمن، بسبب صعوبة الوصول إلى معلومات موثوقة، لا سيما حول دور الإمارات منذ عام 2015.

- التسييس التدريجي لسقطرى

في تاريخ سقطرى، كانت مسألة إن كان الحكم من الخارج أم لا حاضرة دائما، ربما بسبب عزلتها الجغرافية.
وهكذا غذّت الانتفاضة اليمنية، عام 2011، النقاش حول الحكم الذاتي بين سكان الجزيرة.

وعلى مر السنين، عزز الوجود الإماراتي المتزايد في الأرخبيل أيضا المخاوف من التدخل الأجنبي في سقطرى، سواء داخل الأرخبيل أو خارجه.

في عامي 2011 و2012، رددت المظاهرات في حديبو، أكبر مدينة في سقطرى، التي وصفتها عالمة الأنثروبولوجيا، ناتالي بويز، بشكل لافت، الشعارات، التي تم رفعها في صنعاء وتعز، أكبر مدينتين في اليمن، التي دعت إلى سقوط نظام علي عبد الله صالح، وطالبت بإصلاحات سياسية، وبمحاربة حقيقية للفساد.

في الوقت نفسه، زاد الوصول إلى الإنترنت في الأرخبيل منذ عام 2011، وانقسم السكان بعد ذلك إلى معسكرين: أولئك الذين طالبوا بمحافظة يمنية في سقطرى وأولئك الذين طالبوا بالحكم الذاتي عن الحكومة المركزية.

وهي ازدواجية اخترقت بسرعة مجتمع الجزيرة ككل. وقد غزت المجالس المتنافسة، التي تعكس الانقسامات في السياسة اليمنية ككل، الجزيرة للاحتجاج على السلطات الرسمية، التي يُنظر إليها على أنها فاسدة وغير فعالة.
وفي عام 2013، أصبح أرخبيل سقطرى أخيراً محافظة بحد ذاتها، ولم تعد خاضعة للسلطة الإدارية لمحافظة حضرموت، وهي محافظة في جنوب اليمن.

وفي السنوات، التي تلت ذلك، تعرض الأرخبيل لسلسلة من الأعاصير، تشابالا وميغ في عام 2015، ثم ميكونو في عام 2018. وتسبب الأخير في أضرار للمباني وللبنية التحتية وكذلك للبيئة بشكل عام.

ومنذ الأعاصير الأولى، قدمت دولة الإمارات المساعدة، بشكل رئيسي من خلال الهلال الأحمر الإماراتي، ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان الخيرية. تكفي هذه المساعدات لتمويل إعادة بناء المساجد وإنشاء شبكة مياه وتجهيز مدينة الشيخ زايد بالمرافق التعليمية والصحية.

ينظر بعض المراقبين إلى المساعدات الإنسانية على أنها "حصان طروادة". كما أعادت الإمارات بناء ميناء حديبو ومطار الجزيرة.

وهو أسلوب ليس بالجديد حقا: في جنوب اليمن، كانت الإمارات العربية المتحدة قد أنشأت بالفعل نفوذا ملحوظا في مدن المخا وعدن والمكلا الساحلية، من خلال السيطرة على البنية التحتية وتطويرها. ومن خلال القيام بذلك، استفاد الإماراتيون من علاقات المحسوبية، التي أقيمت مع الجماعات والميليشيات الجنوبية، المرتبطة بشكل أساسي بالمجلس الانتقالي الجنوبي المؤيد للانفصال والمدعوم بشكل صريح من أبو ظبي.

وعلى النمط نفسه، تشابكت عملية إعادة إعمار سقطرى مع المبادرات التجارية والسياحية، على سبيل المثال الرحلات الأسبوعية التي تربط أبو ظبي بحديبو. هناك الكثير من الإجراءات التي طمست الخطوط الفاصلة بين المساعدات والاستثمارات المالية.   

- العسكرة المتزايدة للإمارات والسعودية

وفي عام 2018، كان نشر القوات الإماراتية والمركبات المدرعة في سقطرى، دون التنسيق مع السلطات المحلية، التي ما تزال موالية للحكومة اليمنية الرسمية، بمثابة نقطة تحول بالنسبة للجزيرة. ووفقاً لمسؤولين إماراتيين، أرسلت الإمارات قوات "لدعم سكان سقطرى الذين يسعون إلى الاستقرار والرعاية الصحية والتعليم وظروف المعيشة".

وأثار وصول القوات الإماراتية موجة من الاحتجاجات من قِبل السكان، وخاصة من أنصار جماعة الإخوان المسلمين المعارضة لدولة الإمارات العربية المتحدة، الذين طالبوا بالتالي برحيلهم من الجزيرة.

وفي محاولة لتهدئة الوضع، طلبت سلطات سقطرى وساطة من المملكة العربية السعودية. وأسفرت التسوية، التي تفاوضت عليها الرياض، عن انسحاب معظم القوات والمعدات العسكرية الإماراتية من الجزيرة.

لكن بالتنسيق مع المحافظ المحلي، أرسلت السعودية أيضا جنودا إلى سقطرى للقيام بمهمة تدريب ودعم للقوات اليمنية ولإدارة الميناء والمطار. بالإضافة إلى ذلك، دعا الاتفاق السعودي إلى "إطلاق برنامج تنمية ومساعدة شامل لسقطرى"، وكشف أن المملكة لديها أيضا خططها التنموية الخاصة بالجزيرة. مرة أخرى، ضربت الجزيرة الانقسامات المحلية والتدخل الأجنبي، وتقسيم اليمن بين القوات الموالية للحكومة، المدعومة من المملكة العربية السعودية، والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، المدعوم من الإمارات العربية المتحدة.


منذ عام 2019، عزز جهاز مكافحة الإرهاب وجوده في الجزيرة، حيث يأتي المقاتلون بشكل رئيسي من عدن وجنوب غرب اليمن، أو، وفقا لمصادر أخرى، مواطنون محليون دربتهم الإمارات العربية المتحدة في عدن، ثم تم نشرهم في سقطرى كجزء من قوات الحزام الأمني. وهي جماعة شبه عسكرية مدعومة من الإمارات، ومؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي.

كما تم التغلغل العسكري الإماراتي في سقطرى من خلال التدريب: ففي عام 2019، أكدت الإمارات أنه تم قبول حوالي مائة امرأة من سقطرى في أكاديمية خولة بنت الأزور المرموقة في أبو ظبي للدراسة هناك، والتدريب العسكري، وإنشاء وحدة عسكرية نسائية على الجزيرة.

وفي عام 2020، سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي أخيراً على سقطرى، بعد أن عارض المحافظ الموالي للحكومة اليمنية إنشاء قوة محلية موالية للإمارات، مما دفع القوات السعودية إلى الانسحاب سريعاً.

سمح هذا الانقلاب الفعلي، الذي قام به المجلس الانتقالي الجنوبي للإماراتيين بالسيطرة بشكل غير مباشر على الجزيرة من خلال توسيع نفوذهم: ستدفع الإمارات الآن رواتب موظفي الخدمة المدنية في سقطرى، وستتعهد وحدة خفر السواحل المحلية بالولاء لجهاز مكافحة الإرهاب. ويصف تقرير لوكالة "فرانس برس"، لعام 2021، أن أعلام المجلس الانتقالي الجنوبي تتضاءل أمام أعلام الإمارات العربية المتحدة الأكبر بكثير، التي ترفرف عند نقاط التفتيش التابعة للشرطة، في حين أن الأبراج الخلوية، التي تم تشييدها مؤخرا تربط الهواتف مباشرة بشبكات الإمارات العربية المتحدة، وليس بشبكات اليمن.

ومنذ ذلك الحين، تضاعفت التقارير عن عسكرة سقطرى.
وقد قامت الإمارات ببناء قاعدة عسكرية في الجزيرة، بالقرب من ميناء حولف، الذي أعيد بناؤه سابقا.

- مشكلة موثوقية المصدر

كتب أحمد ناجي عام 2020، وهو أحد الباحثين النادرين في العلوم السياسية، الذين زاروا سقطرى مؤخرا: "لقد أصبحت الجزيرة حلبة ملاكمة إقليمية".

بالنسبة للمحللين العاملين في الخارج، فإن المعلومات المتاحة عن الأرخبيل تأتي بشكل أساسي من وسائل الإعلام الإماراتية المرتبطة بالحكومة، أو وسائل الإعلام المرتبطة بالمنافسين الإقليميين لدولة الإمارات العربية المتحدة، مما يعرض البلاد لخطر التقارير المتحيزة.

وإلى أن تتوفر مصادر موثوقة في الشأن السياسي والعسكري في سقطرى، فإن إمكانية قيام المحللين بتقييم تأثير "التنمية" و"التدخل الأجنبي" على الأرخبيل، بما في ذلك الوجود الإماراتي، ستكون صعبة.

لقراءة المادة من موقعها الأصلي: موقع ذا كونفيرزيشن

تقارير

كيف تسببت الضربات الجوية في مفاقمة الأزمة الاقتصادية في اليمن؟

مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية، وقف ضرباتها في اليمن، واستمرار تهديدات الاحتلال الإسرائيلي بمواصلة غاراته، تواجه مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي نقصًا حادًا في الوقود، والمواد الغذائية، خاصة أن الدمار طال مرافق حيوية وكبّد البلاد خسائر تُقدّر بمليارات الدولارات.

تقارير

في ظل سيطرة ميليشيا الحوثي.. هل تعود الطبقية والسلالة لتتحكم بمصائر الأفراد في اليمن؟

تمثّل الوثائق القبلية المُعلنة مؤخرًا حلقةً خطيرة في مشروع أوسع يسعى إلى إعادة تشكيل المجتمع اليمني على أسس ما قبل الجمهورية، إذ ترسخ جرائم عنصرية مكتملة الأركان، وتُشرعن الإقصاء الطبقي تحت لافتة الانتماء القبلي.

تقارير

كابوس قديم.. كيف أعادت الغارات الجوية شبح أزمة الوقود إلى مناطق سيطرة الحوثيين؟

لا تبدو الصباحات عادية في صنعاء، إذ تمتد الطوابير أمام محطات البنزين لعشرات الأمتار، بينما ارتفعت أسعار المشتقات في السوق السوداء بمناطق سيطرة الحوثيين إلى أرقام قياسية خلال أيام، في مشهد أعاد إلى الأذهان بدايات الحرب وشبح أزمة الوقود، بعد أن ظنّ البعض أن زمن الأزمات المتواصلة قد ولّى، أو على الأقل دخل في “هدنة مؤقتة”.

تقارير

العالقون في الأردن.. من يتحمل مسؤولية استمرار معاناتهم؟

لا يزال نحو 80 مواطنا يمنيا عالقين في العاصمة الأردنية عمَّان، في انتظار عودتهم إلى الوطن، حيث ذكرت القنصلية اليمنية في عمّان أنه من المقرر نقل 35 مسافرًا، ليلة أمس الجمعة، ضمن رحلة لطيران اليمنية إلى العاصمة المصرية القاهرة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.