تقارير

تصعيد الانتقالي.. كيف يطبخ التحالف مشروع الانفصال على نار هادئة؟

30/07/2025, 06:59:09
المصدر : خاص - عبد السلام قائد

يمضي ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي في التهيئة لمشروع انفصال جنوب اليمن بخطى مرحلية بطيئة وبدعم واضح من التحالف السعودي الإماراتي، وبات هو الحاكم الفعلي في معظم المحافظات الجنوبية والشرقية، ولم يعق سيطرته الكاملة على بقية المحافظات، حضرموت والمهرة، سوى ممانعة أبناء هاتين المحافظتين لمشروع الانفصال، اللتين تحولتا إلى ساحة صراع بين الرياض وأبوظبي، تشتد وتيرته من حين لآخر، خصوصا في محافظة حضرموت.

خلال الأيام الأخيرة، أصدر رئيس المجلس الانتقالي، عيدروس الزبيدي، قرارات بإعادة هيكلة المجلس الانتقالي، وتعيين عدد من الشخصيات الجديدة في مختلف هيئاته، في وقت دعا فيه فرع المجلس الانتقالي في حضرموت إلى ما وصفه بـ"التدخل العسكري" من قبل قوات المجلس لفرض أمر واقع يرفض "الوصاية"، ربما في إشارة للسعودية. 

ويأتي كل ما سبق بعد إعلان فروع المجلس الانتقالي في المحافظات الجنوبية والشرقية رفضها لعمل اللجان البرلمانية التي أصدرت هيئة رئاسة المجلس قرارات بتشكيلها، وكلفتها بالنزول الميداني إلى المحافظات المحررة، باستثناء محافظة سقطرى، لغرض فحص نشاط السلطة المحلية والتصرفات المالية والإدارية والموارد العامة المركزية والمحلية، والوقوف على الاختلالات النفطية وأعمال المؤسسات الإيرادية.

وقد بررت فروع المجلس الانتقالي رفضها لعمل اللجان بمزاعم أن مجلس النواب "منتهي الصلاحية، ولا يمتلك صفة قانونية أو أخلاقية" للقيام بمهام رقابية. وفي الأسبوع الماضي، أقدمت مجاميع تابعة للمجلس الانتقالي على محاصرة اللجنة البرلمانية المكلفة بالنزول الميداني إلى محافظة حضرموت للكشف عن هدر الموارد بالمحافظة، بأحد فنادق مدينة المكلا، مما اضطر أعضاء اللجنة إلى مغادرة مقر إقامتهم إلى موقع بديل، وسط اتهامات للسلطة المحلية بالتواطؤ والدفع بالعناصر لعرقلة مهمة اللجنة.

- المضي نحو مشروع الانفصال

منذ توقف معركة استعادة الدولة في العام 2016 على تخوم الحدود الشطرية السابقة، وفق إرادة التحالف السعودي الإماراتي، ظل المشهد اليمني يمضي بثبات في مسارات لا علاقة لها بهدف استعادة الدولة: التحالف يعمل على ترسيخ نفوذه في المحافظات المحررة والجزر والموانئ اليمنية، تاركا مناطق سيطرة الحوثيين لإيران التي حولتها إلى قاعدة عسكرية متقدمة، ويدعم المجلس الانتقالي الذي يعمل على ترسيخ سلطته وسيطرته في المحافظات الجنوبية والشرقية، بينما مليشيا الحوثيين تعمل على ترسيخ سلطتها وسيطرتها في المحافظات الشمالية والغربية، وما بقي من محافظات أو مناطق خارج سيطرة الحوثيين والانفصاليين، فإنها في حالة من التوتر والاستعداد للمعارك المؤجلة.

كما أن مختلف المعارك التي شهدتها البلاد، منذ توقف معركة استعادة الدولة، كانت جميعها تهدف إلى تثبيت الوضع القائم وترسيخه، وكل المشاورات والتحركات والتغييرات الحكومية والتغيير الذي جرى في مؤسسة الرئاسة، كلها أيضا تتمحور حول هندسة الوضع القائم وتدوير الانقسامات والصراعات البينية، وكل مرحلة من المهازل والعبث بالدولة اليمنية تمهد لمرحلة لاحقة لها، بمعنى أنه يتم هندسة الوضع بإحكام ليمضي مشروع تفتيت البلاد بثبات وبطء كي يترسخ تدريجيا ويكون من الصعب على أي قوى وطنية الاعتراض على الأمر الواقع الذي يتشكل أمامها وتقف أمامه عاجزة.

أما الشعب اليمني، فقد تم إخراجه من المعادلة تماما، بدءا من تدمير جميع مقومات الحياة، وتكبيله بأزمات معيشية تزداد وتيرتها بوحشية لإشغاله بقوت يومه وإبعاده عن المطالب السياسية، وحتى لا تتركز اهتماماته على الجوانب السياسية، انتهاء بتفكيكه بمختلف وسائل التفكيك والتفتيت، من خلال إحياء النعرات المناطقية والقبلية والسياسية والأيديولوجية، وزرع الانشقاقات من الأعلى من خلال تفكيك السلطة بتوزيعها بين مكونات متنافرة لكل واحد منها عصبيته المجسدة في هويته الفرعية المناقضة تماما لفكرة الولاء الوطني.

- انزعاج التحالف من تلاشي مطالب الانفصال

بعد تسليم الرئيس علي عبد الله صالح السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي، بموجب المبادرة الخليجية، بدأت مطالب انفصال جنوب اليمن تتلاشى لأسباب عدة، من أهمها أنه كان قد تم استيعاب عدد من الشخصيات الجنوبية، بينها قيادات انفصالية، في سلطة الرئيس عبد ربه هادي وحكومة الوفاق الوطني. كما أن رحيل علي صالح من السلطة أزال أحد أبرز أسباب الاحتقان الجنوبي، إذ كان يُنظر إليه في الجنوب باعتباره رمزا للإقصاء والتهميش، وممثلا لحكم عائلي مركزي همش الجنوب سياسيا واقتصاديا.

وقد أسهمت كراهية قطاع واسع من الجنوبيين له في تراجع حدة النزعة الانفصالية، خصوصا بعد أن رأى كثيرون فرصة لتحقيق شراكة أكثر عدالة في ظل مرحلة جديدة.

كما وفر وجود عبد ربه منصور هادي، وهو جنوبي الأصل، مناخا أكثر تقبلا لفكرة الوحدة في تلك المرحلة، على أمل إصلاح مسارها، وهو ما دفع بعض القوى الجنوبية إلى تجميد مطالبها الانفصالية، والتركيز على استحقاقات المرحلة الانتقالية.

وعندما تدخل التحالف السعودي الإماراتي عسكريا في اليمن عام 2015، كان الشعار المعلن هو دعم الحكومة اليمنية الشرعية والقضاء على انقلاب تحالف الحوثيين وعلي صالح واستعادة الدولة، غير أن الوقائع على الأرض سرعان ما كشفت عن أجندات مغايرة.

فبالتوازي مع العمليات العسكرية ضد الحوثيين في بعض محافظات الشمال، بدأت الإمارات في إنشاء وتدريب وتسليح تشكيلات عسكرية جنوبية خارج إطار وزارة الدفاع وذات طابع مناطقي وانفصالي، مثل "الحزام الأمني" في عدن، و"النخبة الشبوانية" و"النخبة الحضرمية"، وهي تشكيلات لا تخضع لسلطة الحكومة الشرعية وإنما تدين بالولاء لأبوظبي.

وقد مثّل تأسيس هذه المليشيات الانفصالية الخطوة العملية الأولى في اتجاه هندسة واقع عسكري وأمني موازٍ، يشكل نواة لفصل الجنوب عن الشمال، في اعتداء صارخ على سيادة البلاد. وتوج هذا المسار لاحقا بإنشاء "المجلس الانتقالي الجنوبي" في مايو 2017، بدعم إماراتي مباشر، ليكون واجهة سياسية لمشروع الانفصال، ويعمل على إعادة إنتاج التشطير بغطاء محلي وإقليمي.

ومنذ ذلك الحين، ظل مشروع الانفصال يُطبخ على نار هادئة، فبينما كانت المعارك في الشمال تُخاض ضد الحوثيين بشيء من الفتور والتراجع الذي يديره التحالف، كانت الإمارات تعمل بنشاط في الجنوب لتمكين المجلس الانتقالي، وبدا واضحا أن التحالف لم يكن يسعى إلى استعادة الدولة اليمنية الموحدة، وإنما إلى إعادة تشكيل اليمن وفق خرائط جديدة، تنسجم مع مصالحه الجيوسياسية ومشاريعه الإقليمية.

وهكذا تحولت معركة "استعادة الشرعية" إلى غطاء لتحولات عميقة تمضي نحو تقسيم اليمن فعليا، مع احتفاظ التحالف السعودي الإماراتي بخيوط التحكم العسكري والسياسي في المحافظات الجنوبية، وتوظيف المجلس الانتقالي كأداة سياسية لإدارة هذا التوجه، تحت لافتة "تمثيل تطلعات الجنوبيين".

- هندسة الانفصال بخطوات مرحلية

بعد تحرير العاصمة المؤقتة عدن من مليشيا الحوثيين في أواخر العام 2015، بدأ التحالف السعودي الإماراتي بتنفيذ إستراتيجية خاصة تهدف إلى إعادة رسم المشهد اليمني انطلاقا من الجنوب. ففي مارس 2016، وبدلا من تسليم مدينة عدن إلى السلطة الشرعية، شكلت الإمارات مليشيات محلية موالية لها تحت اسم "الحزام الأمني"، لتكون نواة لقوة أمنية موازية خارج سلطة الدولة.

وفي سبتمبر من العام ذاته، أطلق عيدروس الزبيدي، الذي كان حينها محافظا لعدن، دعوة صريحة لتأسيس كيان سياسي جنوبي، في ما بدا تمهيدا لخطوة سياسية قادمة، تجري تحت الغطاء العسكري (الإماراتي). وفي مايو 2017، فجرت الإقالة المفاجئة للزبيدي من منصبه احتجاجات لأنصاره في عدن، استغلها الزبيدي سريعا بإعلان ما أطلق عليه "إعلان عدن التاريخي"، ليتلوه بعد أيام إعلان تشكيل "المجلس الانتقالي الجنوبي" برئاسته، بدعم إماراتي معلن وغير معلن.

وفي غضون أسبوعين فقط، حشد "الانتقالي" ما وصفها بـ"المليونية" لتأكيد تفويضه الشعبي، رغم قلة الحشد، معلنا نفسه ممثلا لتطلعات شعب الجنوب، حسب وصفه، في غياب أي رد فعل من الحكومة اليمنية الشرعية أو التحالف.

وأعقب ذلك التحرك تصعيد ميداني واضح، ففي يناير 2018، منح المجلس الانتقالي مهلة للرئيس عبد ربه منصور هادي لإقالة الحكومة، ثم اندلعت اشتباكات مباشرة انتهت بسيطرة مليشيات الانتقالي على مؤسسات حكومية في عدن، قبل أن تتدخل السعودية بواسطة لاحتواء التصعيد مؤقتا.

غير أن التصعيد لم يتوقف، ففي أغسطس 2019، وبعد مقتل القيادي الانفصالي منير اليافعي، استغل المجلس الانتقالي تلك الحادثة للتصعيد مجددا ويستولي على مدينة عدن بعد معارك عنيفة مع القوات الحكومية. وفي مشهد صادم، عندما أوشكت القوات الحكومية على استعادة السيطرة على مدينة عدن، تدخل الطيران الحربي الإماراتي لقصف القوات الحكومية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 جندي، وكشف بشكل صارخ طبيعة الأجندة الإماراتية التي تمضي بموافقة سعودية غير معلنة.

بعد ذلك، دعمت الإمارات المجلس الانتقالي للذهاب خطوة أبعد. ففي أبريل 2020، أعلن "الانتقالي" ما سماها "الإدارة الذاتية للجنوب"، متذرعا بفشل تنفيذ اتفاق الرياض.

وبعد أقل من شهرين، سيطرت مليشياته على جزيرة سقطرى الإستراتيجية، بعد انسحاب القوات السعودية منها، مما مثّل مؤشرا آخر على تقاسم النفوذ بين طرفي التحالف والتمكين للمجلس الانتقالي.

وعلى الرغم من تراجع "الانتقالي" عن الإدارة الذاتية في يونيو من العام نفسه، 2020، فإن ذلك لم يكن سوى خطوة تكتيكية، إذ واصل تمدده العسكري، مستفيدا من التواطؤ السعودي والدعم الإماراتي غير المنقطع. ففي أغسطس 2022، اندلعت معارك عنيفة في محافظة شبوة، أعقبها تقدم سريع لمليشيات المجلس الانتقالي بعد قصف الطيران الحربي الإماراتي للقوات الحكومية التي كانت مرابطة في المحافظة، وأعقب ذلك تقدم سريع لمليشيات الانتقالي باتجاه محافظة أبين التي سيطر عليها بالكامل دون مقاومة تُذكر.

وتُظهر هذه الوقائع المتتالية كيف عمل التحالف، وتحديدا الإمارات، على هندسة مشروع الانفصال بطريقة مرحلية، بدأت بتأسيس مليشيات موالية خارج إطار الدولة، ثم التمهيد السياسي لإنشاء كيان يزعم تمثيل الجنوب دون أي تفويض من المواطنين، يليه تمكين عسكري تدريجي للمجلس الانتقالي في المحافظات الجنوبية للسيطرة عليها بشكل قسري، وصولا إلى إدارة مؤسسات الدولة وفرض واقع انفصالي فعلي، مع إبقاء الأبواب مواربة أمام الحلول السياسية، في إطار ما يشبه "الانفصال الناعم".

وبهذا يتحول الجنوب تدريجيا إلى إقليم مستقل فعليا، تديره قوة سياسية وعسكرية غير معترف بها دوليا لكنها مدعومة إقليميا، بينما تبقى السلطة الشرعية "المفترضة" في حالة تغييب وإنهاك مستمر، وتُستخدم أحيانا لتبرير التحركات، ويتم تجاوزها أحيانا أخرى إذا اقتضت المصلحة.

ومحصلة ذلك كله، أن مشروع انفصال الجنوب تجاوز الشعارات السياسية وبات أمرا واقعا يتحرك على الأرض بوتيرة متصاعدة منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي ومنح المجلس الانتقالي شرعية التحرك على الأرض من خلال مشاركته في السلطة، وما ينقص مشروع الانفصال حاليا هو شرعية القوة والغطاء القانوني المناسب. 

أما الإعلان الرسمي عن الانفصال فإنه مرهون بحالة من فائض القوة لدى المجلس الانتقالي، أو بتوفير لحظة سياسية مواتية يكون فيها الشمال غارقا في صراع مفتوح ضد مليشيا الحوثيين ينهك الجميع، علما بأن مليشيات الانتقالي لم تتمكن من السيطرة على أي مدينة إلا تحت غطاء عسكري جوي من التحالف رغم امتلاكها أسلحة حديثة مقدمة من الإمارات.

- الإبقاء على الحوثيين كذريعة لتفتيت اليمن

الجهود التي يبذلها التحالف السعودي الإمارات لهندسة مشروع الانفصال ليتم بشكل بطيء وبسلاسة، تفسر أسباب عدم القضاء على الانقلاب الحوثي، ذلك أن استمرار الحوثيين في حكم معظم محافظات شمال اليمن دون حسم عسكري، يسمح بإطالة أمد الحرب، وبالتالي يوفر غطاء لإعادة رسم الخريطة اليمنية بما يخدم مصالح الرياض وأبوظبي.

وفي حين يرسخ الحوثيون حكمهم في شمال اليمن، ويتأهبون لتوسيع سيطرتهم نحو مأرب وتعز والحديدة، يرسخ المجلس الانتقالي بدوره سلطته في الجنوب، ويتأهب للسيطرة على حضرموت والمهرة، ويمثل كل ذلك النتيجة الفعلية لهندسة التحالف السعودي الإماراتي للوضع في اليمن منذ عشر سنوات.

وفي ظل استمرار هيمنة التحالف وإمساكه بخيوط الملف اليمني، هكذا تتبلور ملامح يمن مفكك إلى كانتونات وسلطات أمر واقع، حوثية في الشمال، وانفصالية في الجنوب، وأخرى هامشية في جنوبي الحديدة وأجزاء من محافظتي تعز ومأرب، ومحاولات محلية في حضرموت والمهرة ترسم واقعا مغايرا، تحت مظلة سعودية، يسعى للاستقلال عن الجميع.

وهكذا اتخذ التحالف السعودي الإماراتي من شعار "استعادة الدولة" والقضاء على الانقلاب الحوثي ذريعة لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للبلاد بأدوات محلية، حتى أصبح اليمنيون أمام واقع متعدد الدويلات، تدار فيه المحافظات كجزر متنازعة، وتتقاسم النفوذ فيها أطراف لا يجمعها سوى القطيعة مع مشروع الدولة اليمنية المدنية الحديثة والجامعة.

تقارير

هل تنجح الحكومة في ضبط سعر صرف الريال بعد التحسن المعلن؟

بعد أن شهد الريال اليمني تحسنًا مفاجئًا خلال اليومين الماضيين، ليصل سعر صرف الدولار مساء الأربعاء إلى 2400 ريال بعد أن كان يتجاوز 2800 ريال قبل أيام، يطرح الشارع اليمني سؤالًا مهمًا: هل تنجح الحكومة في الحفاظ على هذا الاستقرار وضبط سعر الصرف، أم أن التحسن مؤقت وسرعان ما يتراجع؟

تقارير

صراع إسرائيل وإيران يفتح نافذة دبلوماسية حاسمة في اليمن

بعد مرور أكثر من شهر بقليل على توقيع الولايات المتحدة اتفاق هدنة ثنائية مع المتمردين الحوثيين في اليمن، أنهى فعليًا النزاعَ المسلح هناك، أدت سلسلة من الضربات العسكرية الإسرائيلية والأمريكية ضد إيران إلى تغييراتٍ جذريةٍ في المنطقة لا يمكن لواشنطن تجاهلها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.