تقارير
بعد فشلها في إصدار بيان إدانة.. ما جدوى الأحزاب السياسية وسط الأزمة الراهنة؟
يقول الخبر إن الأحزاب لم تستطع الاتفاق على بيان إدانة لحادثة اختطاف مليشيا الحوثي الدكتور حمود العودي وآخرين في صنعاء بسبب خلاف حول بعض النقاط المراد تضمينها، فيما تظهر دلالات الخبر على الإخفاق المستمر للأحزاب في العمل السياسي في البلد.
الأحزاب، التي فشلت خلال عشر سنوات في مواجهة مليشيا الحوثي واستعادة البلاد وإدارة المناطق المحررة، فشلت أيضًا في إدارة صراعاتها في هذه المرحلة الحساسة.
- استئصال سياسي
يقول مسؤول الدائرة السياسية بالحزب الاشتراكي في تعز، فهمي محمد: "الظروف، التي تمر بها اليمن، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى المحافظات وخصوصيتها التي فرضتها الحرب والانقلاب، تفرض حالة موضوعية من الصراع السياسي نتيجة الأدوات ومراكز القوى القائمة في الواقع".
وأضاف: "المشكلة ليست في الصراع السياسي الحزبي الجاري؛ لأن الأحزاب السياسية أصلاً وجدت لتمارس الصراع والتدافع السياسي وتختلف على كثير من القضايا".
وأوضح: "الإشكالية الحقيقية في الصراع السياسي الجاري اليوم في اليمن، وحتى على مستوى تعز، أنه تجاوز مفهوم الصراع السياسي نفسه إلى مفهوم الرغبة في الاستئصال السياسي تجاه الآخر".
وتابع: "مشكلتنا اليوم هي مشكلة استعادة الدولة وتحويل اليمن إلى دولة حقيقية وممارسة دور فاعل على المستوى السياسي والجماهيري للانتصار للقضية الوطنية والدولة".
وأشار: "مشكلة القيادة السياسية والأحزاب السياسية اليوم أنها غابت عنها أولويات سياسية وطنية حقيقية يجب أن تكون في صُلب المشهد السياسي".
واستطرد: "بالتالي يجب على الأحزاب السياسية على المستوى الوطني أن تعيد بلورة الرؤية السياسية والتوجه السياسي لعملها ولمشاريعها السياسية بما يتلاءم مع الأولويات الوطنية في اليمن".
وأردف: "ما يجري مرتبط أصلًا بالمنظومة الثقافية والعقل الجمعي السائد في المجتمع اليمني؛ الأحزاب السياسية في الأول والأخير نتاج لواقع ثقافي، وواقع اجتماعي، ومناخ عام".
وأوضح: "الإشكالية تكمن في اختلاف الأحزاب، وعدم قدرتها على إيجاد رؤى شاملة وعمل سياسي ينقذ البلاد بشكل عام، بغض النظر عن الأشخاص، العودي أو غيره".
وزاد: "الأحزاب السياسية مطلوب منها أن تقدّم، في هذا الظرف، رؤى تستوعب ما حصل، وأن تشارك بفعالية سياسية، وتستعيد دورها الفاعل على المستوى السياسي والوطني والتنظيمي، وحتى على المستوى الجماهيري".
وأشار: "الأحزاب السياسية يفترض أن تكون فاعلة في هذا الظرف؛ إذا لم تكن فاعلة الآن فمتى ستكون فاعلة؟"
وأكد: "الصراع السياسي سيستمر حتى في وجود دولة وطنية ديمقراطية وتداول سلمي للسلطة؛ وسيستمر بين الأحزاب السياسية لأن الأحزاب وجدت لتعبّر عن الاختلافات، والتدافع السياسي، والتنافس على السلطة".
واعتبر الفشل في إصدار بيان إدانة حول اعتقال الدكتور العودي "إشكالية مخزية للأحزاب السياسية بشكل عام".
وبيّن: "الحوثي لم يترك مصالح لأي قيادات حزبية، سواء في المؤتمر الشعبي العام، أو في الإصلاح، أو حتى في الاشتراكي؛ لم يترك حتى مساحة لبقاء هذه المصالح في صنعاء".
وتابع: "عدم قيام الأحزاب بأي دور وطني حقيقي يرجع أولًا إلى عامل السن واستنفاد الطاقة؛ وبالتالي هي بحاجة إلى دماء وقدرات سياسية جديدة تغطي هذا الفراغ، وثانياً إلى عامل آخر يرتبط بالمصالح أو العلاقات التي بُنيت مع الخارج".
ولفت إلى أن "الأحزاب تحاول أن يكون لديها نوع من الحالة المرنة، ولكن هذا ينعكس سلبًا على الواقع، وعلى المصالح اليمنية".
وأكد: "هناك رغبة قائمة في عدم التعويل على العمل السياسي الحزبي، وعدم التعويل على الأحزاب السياسية، وتحييد دورها من المشهد السياسي، وهذا شيء صحيح، لكنه لا يعفي الأحزاب السياسية من إدراك الواقع ومن إدراك الخلل".
وقال: "الأحزاب السياسية قادرة على أن تلعب دورًا؛ لأن الشارع اليمني لن يفرز إلا الأحزاب السياسية، وهو غير قادر على إنتاج تكتلات أخرى غير الأحزاب القائمة".
وأضاف: "بشرط أن تغيّر رؤاها السياسية، وأن تستشعر الموقف، وأن تقوم بعمليات إصلاح سواء على مستوى الداخل الحزبي أو على مستوى الرؤى والفاعلية، وعليها ألّا تفكر بالسلطة الآن".
وأوضح: "للخروج من هذه الدوامة يجب أن تكون هناك لقاءات حقيقية بين قادة الأحزاب، ومكاشفة وقدر من الصراحة حول ما حصل وما يجب أن يُطرح، وعلى الأحزاب السياسية أن تفكر جديًا في تحالفات حقيقية وتكتل حقيقي يتولى صياغة رؤية موحدة وتحويلها إلى حالة نضالية جماهيرية وشعبية يلتف حولها الجميع".
- لم يعد لها أي وجود
بدوره؛ يقول عضو اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام، الدكتور عادل الشجاع: "هذا الصراع في الأساس هو صراع قديم بين الثنائيات الجمهورية والملكية، ثم صراع بين اليسار واليمين، صراع المؤتمر والإصلاح، وربما استجد في الوقت الراهن صراع الشرعية والانقلاب، وتداخلت معه الصراعات المناطقية".
وأوضح: "الإشكالية في الصراع الحزبي في اليمن أنه ليس صراع أفكار، وإنما صراع بين القيادات التي تقود هذه الأحزاب".
وأضاف: "هذه الأحزاب لم يعد لها أي وجود، تم تجفيفها تمامًا، لم تعد قادرة اليوم على التواصل مع قواعدها، ولم تعد فاعلة سياسيًا ولا محرّكة أيضًا على المستوى الجماهيري".
وتابع: "الخلافات البينية بين هذه القيادات قائمة على الثأر، وعلى الإقصاء والاستحواذ بالنسبة للسلطة التي يتصارعون عليها حاليًا".
وأردف: "فيما يتعلق بالحكومة وما يتعلق بمجلس القيادة أصبحت الأحزاب مغيبة عن الضغط على الحكومة، وأصبحت تابعة للجماعات المسلحة على الأرض، بل إن أغلب هذه الأحزاب أصبحت تمتلك مليشيات مسلحة على حساب العمل السياسي المدني".
وقال: "قيادة الأحزاب في الوقت الراهن تراعي مصالحها على أرض الواقع، وهي تخشى بأن تتخذ أي قرار قد يُغضب الحوثيين".
وأضاف: "المصلحة تجعل بعض القيادات التي لم توافق على صياغة البيان لا تتخذ مثل هذا القرار حتى لا يُخصم من رصيدها ومن مصالحها التي ما زالت موجودة تحت إمرة الحوثيين".
وأوضح: "غاب تمامًا العمل المدني والعمل السياسي لدى هذه الأحزاب، وأصبحت تتعامل كأشخاص".
وتابع: "الإشكالية أيضًا أن الخلافات بين هذه الأحزاب ناتجة عن خلافات داخل هذه القيادات التي تحمل ثارات لبعضها البعض".
وأردف: "قيادات الصف الأول وصلت إلى مرحلة الشيخوخة، أصبحت غير قادرة على العطاء إلا فيما يخدم مصالحها، ولا يمكن أن تخرج من هذه الدائرة مطلقًا".
واستطرد: "حتى هذه اللحظة لم يتقدم أي حزب من الأحزاب الموجودة على الأرض لتقديم رؤية الحزب الوطنية لإنهاء الحرب وإحلال السلام".
وتساءل: "إذا كان مثل هؤلاء لم تحركهم هذه الأزمات المتتالية لأكثر من أربعين مليونًا، فكيف سيتحركون لشخص أو لشخصين أو خمسة أو عشرة؟".
وبيّن: "هذه القيادات ذهبت وراء مصالحها؛ هناك من ذهب إلى الإمارات وآخر إلى السعودية، وآخر بقي مع الحوثي، فالمصلحة هي التي جمعتهم، والخوف على هذه المصالح".
وتابع: "فلو كان الصراع داخل الأحزاب قائما على البرامج المطروحة، لرأينا أنه يتحول إلى تنمية وليس إلى دمار وخراب وتقويض لبنية الشرعية".
وفي رده عن سؤال: هل تستطيع أحزاب منقسمة وضعيفة مواجهة هذا التغول؟ قال: "الواقع يقول إنها غير قادرة، و11 عامًا من الحرب واستمرارها والانهيارات السياسية والعسكرية والاقتصادية تؤكد بأن العمل الحزبي لم يعد قائمًا".
وأوضح: "الأحزاب السياسية بقياداتها ذهبت مع دول الإقليم، تحديدًا مع الإمارات والسعودية، اللتين أصبحتا تتحكمان بالمرجعية الحزبية من خلال هذه القيادات".
وأضاف: "هاتان الدولتان سعتا إلى توسيع الشق بين الأحزاب؛ دفعت باليسار لمواجهة الأحزاب الدينية، ودفعتا أيضًا لتوسيع الهوة بين الإصلاح والمؤتمر، ودفعتا إلى إنشاء كيانات مسلحة على حساب الأحزاب المدنية".
ويرى: "القوى الجديدة قد ظهرت، وهي تعبير عن حالة المليشيات المسلحة، لكن أظن أنه مع مرور الوقت سيكتسب الشباب الجرأة على المبادرة، وسينطلقون لقيادة هذه الأحزاب، ولو قيادة مرحلية للوصول إلى مؤتمراتها العامة".