تقارير
بعد تهديد الحوثي للسعودية.. سيناريوهات المواجهة واحتمالات التهدئة
تتزايد مؤشرات حرب حوثية قادمة، فبعد توقف الحرب في غزة، عادت المليشيا لتكريس خطابها التهديدي باتجاه الشرعية والسعودية، كما أن محاولاتها الميدانية تزايدت مؤخراً في عدد من الجبهات، وكأنها عملية جس نبض لاختبار جاهزية الشرعية وقواتها.
يقلل البعض من تهديدات المليشيا وتحركاتها الميدانية، باعتبارها مجرد عملية ابتزاز للسعودية تحديدا من أجل العودة إلى طاولة المباحثات لإخراج التسوية السياسية السابقة للنور، بعد تجميدها على إثر هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
-القوات المسلحة جاهزة
يقول الخبير العسكري العميد محمد الكميم: "شهدنا في الفترة الأخيرة زيارات لمعالي وزير الدفاع إلى جميع الجبهات تقريبًا، اطّلع خلالها على أوضاع القوات على الأرض، بدأها من 'ميدي'، وكانت آخر زيارةٍ له إلى تعز، اطّلع خلالها على جاهزية القوات واستعدادها لخوض المعركة المقبلة".
وأضاف: "تحدثنا كثيرًا عن أن قواتنا المسلحة جاهزة منذ زمنٍ كبير، وكان ينقصنا فقط تنظيم التعاون وإدارة المعركة بحرفيةٍ ومهنيةٍ عالية".
وتابع: "كانت تواجهنا سابقًا مشكلة في تنظيم المعركة والتنسيق بين القوات لإدارة معركةٍ حقيقيةٍ متكاملة".
وأوضح: "اليوم هناك استعداداتٌ عالية جدًا، ورأينا بروز تشكيلاتٍ قتاليةٍ جديدة وتجهيز فرقٍ عسكريةٍ حديثة، كل تلك المؤشرات تظهر أن القوات المسلحة اليمنية جاهزة منذ زمن، وقد رأينا بأعيننا تلك القوات وإعدادها وتدريباتها".
وأشار: "القوات المسلحة اليمنية كانت، خلال الفترة الماضية، في طور الإعداد والتأهيل والتجهيز، إضافةً إلى إنجاز الكثير من الأعمال من خلال اللجنة العسكرية والأمنية وهيئة العمليات المشتركة".
وأكد: "ومع ذلك، لا يزال هناك نقص في بعض الأسلحة النوعية، وبعض الأمور التي تحتاج إلى دعمٍ لوجستيٍّ عالي المستوى".
واستطرد: "لكن عمومًا، من حيث القوات البشرية والعدة والعتاد، فبنسبةٍ كبيرةٍ القوات جاهزة، ولو فُرضت علينا الحرب الآن فنحن جاهزون بدرجةٍ كبيرةٍ جدًا".
ويرى: "يبقى في الأخير القرار السياسي والعسكري مرتبطا بالقيادة العليا، وبالتحالفات الإقليمية والدولية ومدى استعداد المجتمع الدولي لإنهاء هذه المليشيات".
وقال: "في كل المراحل السابقة كنا نواجه مشكلة تدخلات المجتمع الدولي والغربي، خصوصًا أمريكا وبريطانيا، اللتين أعاقتا معاركنا في مراحل كثيرة".
وأضاف: "نتذكر الخطوط الحمراء التي وضعوها أمامنا في صنعاء، والخطوط الحمراء في الحديدة، وتلك التدخلات الكثيرة التي أسست لمليشيا الحوثي الإرهابية كأمرٍ واقعٍ في اليمن".
وتابع: "المليشيا الحوثية الإرهابية تُعدّ بطبيعتها مليشيا حربية تعتمد القتال كإستراتيجيةٍ رئيسيةٍ للبقاء"، مؤكّدًا أنّها "لم تتوقف عن التحشيد وخوض المواجهات منذ سنوات".
وأوضح: "الحوثيون، عندما ارتبطوا بقضية غزة ورفعوا شعاراتها، أقاموا مئات الفعاليات وجنّدوا عشرات الآلاف دعماً لمعاركهم، واستغلوا تلك المرحلة لحشد المقاتلين وتعبئة أنصارهم، ما يعني أنهم خاضوا حروبًا متقطعة ولم يدخلوا في أي هدنةٍ حقيقية".
وأردف: "الحوثي، خلال الفترة الماضية، هاجم عدّة جبهات، وحاول القتال في أكثر من محور، وسعى لاختراق المواقع والسيطرة على أراضٍ جديدة، كما عزّز جبهاته وحفر الخنادق، واستخدم كل الوسائل لخوض معارك محدودة ومتفرّقة".
وأشار: "المليشيا تواجه اليوم عزلةً داخليةً وانكشافًا كبيرًا بعد توقف الحرب في غزة، وهي أمام مطالب حقيقية تخصّ حقوق واستحقاقات الشعب اليمني".
واستدرك: "لكنها بحكم طبيعتها كجماعةٍ حربيةٍ وإرهابيةٍ لا تؤمن بالسلام، ستلجأ مجددًا إلى خوض المعارك الجديدة".
ولفت: "تصعيد مليشيا الحوثي الراهن واضحٌ على المستويات العسكرية والإعلامية والمعنوية، فضلًا عن التهديدات المباشرة للمملكة العربية السعودية، في تكرارٍ لأسلوبها المعتاد في التحرش اللفظي والعسكري قبل الإقدام على أي مواجهةٍ فعلية".
وأكّد: "المؤشرات تدل على استعداداتٍ حقيقيةٍ لحربٍ قادمة، ولا يُستبعد على الإطلاق أن تنفجر جولةُ صراعٍ جديدة في أي لحظة".
وبيّن: "المليشيا الحوثية استطاعت، في الفترات الماضية، السيطرة على أجزاءٍ من الأراضي اليمنية وبعض المديريات، مستغلةً الاختلالات الكبيرة في العمليات القتالية وضعف التنسيق بين القوات الحكومية".
وقال: "لقد شهدت الجبهات الداخلية خلافاتٍ وصراعاتٍ وصلت في مراحل سابقة إلى الاقتتال الداخلي، وكانت القوات المسلحة اليمنية غير قادرةٍ على تنسيق أعمالها القتالية".
وأوضح: "بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، تغيّر الوضع بشكلٍ كبير، إذ لم يتمكن الحوثي من تحقيق أي تقدّمٍ يُذكر أو السيطرة على شبرٍ واحدٍ من الأرض، رغم أنه دائمًا ما يحاول في فترات الهدنة شراء الولاءات واختراق الجبهات واستغلال تراخيها لصالحه".
وأضاف: "منذ عام 2023 لم يستطع الحوثي إحراز أي تقدمٍ ميداني، بل إن بعض الجبهات الحكومية حققت تقدّمًا محدودًا في عددٍ من المناطق، وهو ما يشير إلى تبدّل ميزان القوى نسبيًا لصالح القوات الحكومية".
-معركة قادمة
بدوره، يقول الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور عبد الوهاب العوج: "القوات اليمنية لا تحكمها غرفة عملياتٍ واحدة، ولا تنسق التنسيق الكامل؛ بدليل وجود أجندات مختلفة لبعض القوى العسكرية وذهاب بعضها لإنشاء قوات في شرق اليمن، بينما المعركة موجودة في مناطقٍ من محافظات الجوف ومأرب وشبوة والبيضاء، وباتجاه محور الضالع وتعز والحديدة".
وأوضح: "من خلال معايشتي في محافظة تعز والمحور العسكري هناك، لاحظت نقصًا كبيرًا في التسليح ونقصًا كبيرًا في نوعية الأسلحة؛ ونقصًا في المسيّرات، بل تكاد تكون الأسلحة الثقيلة والأسلحة الحرارية والأسلحة ذات التوجيه الدقيق منعدمة".
وأضاف: "شحنات الأسلحة الكثيرة، التي وصلت لمليشيا الحوثي، التي تمَّ القبض على جزء بسيط منها، تدلّ على أنها منذ سنوات تجهّز لمعركة قادمة، وأن هناك أمرًا ما يتم ترتيبه".
وأضاف: "زيارات وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان للمحاور والجبهات والمناطق العسكرية المختلفة زيارات بروتوكولية"، مشيرا إلى أن "هناك أعدادًا كبيرةً من المنتسبين للقوات المسلحة لا تتواجد في الجبهات وفي أرض المعركة"، معتبرا ذلك "خللا كبيرا لمسته في كثير من المناطق من خلال زياراتي وتحركاتي".
وأردف: "قبل أن آتي إلى القاهرة لاحظت أن كثيرًا من المحسوبين على الجيش اليمني في كل تشكيلاته يعملون الآن في السعودية والخليج؛ وهذه نقطةٌ خطيرة جدًا".
وزاد: "يجب علينا أن نضبط الجاهزية، وأن نزوّد مناطق التماس بما تحتاجه من تسليحٍ ومسيّراتٍ وأسلحةٍ حرارية، وألا ننتظر التصريحات الرسمية ثم تحدث كارثة كبرى كما حصلت خلال السنوات العشر الماضية".
واستطرد: "يجب أن نكون نحن أصحاب القرار؛ نحن من يخططُ للمعركة ويقومُ بالتنفيذ؛ الأمم المتحدة والرباعية الدولية غالبًا ما تؤمن بالواقع كما هو موجود".
وقال: "نحن أمام مليشيات الحوثي؛ إذا وقعنا في انكسارات وتركزنا على محاور محددة فسنفشل في تطويقها عسكريًا، وستتحول المواجهات إلى معارك تفتقد الفعالية، أو ننكسر كما حدث في محور البُقع؛ حينما ذهب رداد الهاشمي بتلك القوات وسلمها للحوثي كقِبلةٍ سهلةٍ".
وأضاف: "الحوثي أصبح يملك صواريخ قادرةً على الوصول إلى عمق المملكة العربية السعودية"، محذرًا من إمكانية تكرار استهداف حقول النفط؛ مثل 'بقيق' و'خريص'، وكذلك منشآت في الإمارات.
وتابع: "يجب أن نأخذ تصريحات الحوثي بمحمل الجد؛ فإذا أرادت السعودية أمنًا طويل الأمد فعليها دعم الجيش اليمني بكامل تشكيلاته والسعي لتوحيده".
وأوضح: "استمرار الانقسام بين السياسات السعودية والإماراتية يفاقم المشكلة".
ودعا الدولتين إلى أن "تنزلا بثقلهما لجمع القوات بكل أشكالها وأسمائها -سواء من المجلس الانتقالي أو قوات العمالقة أو درع الوطن أو قوات الساحل والقوات المشتركة وحراس الجمهورية والجيش الوطني والمقاومة الشعبية- وتزويدها بالمعدات والأسلحة المتطوُرة".
وبيّن: "الشحنات، التي تم ضبطها، ليست إلا جزءًا ضئيلًا (أقل من 10%) مما وصل إلى الحوثي، ما يؤكد امتلاكه مخزونًا كبيرًا من الأسلحة".
وحذّر: "أنا قناعتي أن الحوثي يمتلك الآن مقوِّمات استهداف دول الجوار، بل يمكن أن يعطّل مطارَ وميناءَ عدن بالكامل".
وتساءل: "ماذا استعدت الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي والتشكيلات العسكرية؟"، مشددا على "ضرورة إنشاء غرفة عمليات مشتركة حقيقية تدير العمليات من كل مناطق التماس، بدلاً من الزيارات البروتوكولية".
وتوقّع: "الحوثي، الذي لا يمكن أن يعيش إلا في مناخ الصراع، سيسعى -بدعم إقليمي- للسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي اليمنية وصولًا إلى خليج عدن وباب المندب".
ويرى أن "التحشيدات باتجاه الساحل الغربي ومحاور تعز والضالع مقلقة، وتستدعي سؤال القيادات العسكرية: هل نحن في جاهزية حقيقية أم مجرد تصريحات إعلامية؟".