تقارير
إيكونوميست تحذّر من تداعيات كارثية لتجاهل التصعيد الحوثي في البحر الأحمر
انتقدت مجلة "إيكونوميست" بشدة ما وصفته بـ"رد الفعل العالمي الخامل" إزاء التصعيد الحوثي الأخير في البحر الأحمر، معتبرة أن تجاهل الهجمات لا يقل خطرًا عن الهجمات ذاتها، بل "يشكّل تهديدًا مضاعفًا يسمح للحوثيين ومن خلفهم من المحفّزين الإقليميين بالاستمرار في أعمالهم العدائية دون أي رادع فعّال".
ووفقًا للمجلة فإن جماعة الحوثي المدعومة من إيران أغرقت سفينتين تجاريتين خلال أسبوع واحد فقط، مستخدمة مزيجًا من الزوارق المتفجرة بدون طيار (USVs)، والصواريخ الموجهة، والأسلحة المحمولة، في تصعيد غير مسبوق استهدف خطوط الملاحة قرب مضيق باب المندب. وقد أسفر أحد الهجومين عن مقتل أربعة أشخاص وفقدان 11 آخرين، إلى جانب تسرب نفطي كبير يهدد البيئة البحرية.
انهيار الأمن البحري
وترى المجلة، أن هذه الهجمات تمثل تحولًا نوعيًا خطيرًا في أداء الجماعة المسلحة، والتي استطاعت رغم الضربات الغربية المحدودة أن تطوّر تكتيكاتها الهجومية وتوسّع نطاق أهدافها، مؤكدة أن “البحر الأحمر أصبح فعليًا منطقة صراع مفتوح دون قواعد واضحة”.
وأوضحت المجلة، أن التهديد الحوثي أجبر غالبية شركات الشحن الكبرى على إعادة توجيه خطوطها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، ما أدى إلى انخفاض حركة السفن من 79 إلى 32 سفينة يوميًا، وارتفاع كبير في تكلفة التأمين والنقل البحري، وتفاقم الضغوط على سلاسل الإمداد العالمية.
تحذير من فقدان السيطرة
وحذّرت المجلة من أن التقاعس الدولي عن التعامل الجاد مع الهجمات الأخيرة "يعطي انطباعًا مقلقًا بأن المجتمع الدولي بات غير مستعد أو غير قادر على فرض قواعد اشتباك صارمة"، معتبرة أن "الحوثيين، الذين يستمدون دعمًا مباشرًا من إيران، قد يذهبون إلى مزيد من الهجمات النوعية إذا لم يُواجهوا بردع حاسم".
ورغم أن الولايات المتحدة تقود تحالفًا دوليًا منذ أواخر 2023 لحماية الملاحة، إلا أن العمليات بقيت ضمن إطار الدفاع الوقائي والمرافقة دون تنفيذ ضربات عقابية مستدامة، وهو ما سمح للحوثيين بالتكيّف وتطوير قدراتهم.
وأشارت المجلة إلى وجود انقسام غربي حول كيفية التصرف، حيث تخشى بعض الدول من أن يؤدي الرد العسكري المكثف إلى توسيع نطاق الحرب الإقليمية، في حين ترى أطراف أخرى، أبرزها داخل واشنطن وتل أبيب، أن الحزم هو السبيل الوحيد لوقف التصعيد.
وختمت "إيكونومست" تقريرها بالتحذير من أن استمرار التساهل الدولي سيُفضي في النهاية إلى تحويل البحر الأحمر إلى "منطقة نزاع مزمن"، مع خسائر بشرية واقتصادية وبيئية لا يمكن احتواؤها.
التصعيد الأخير
ويمثل التصعيد الحوثي الأخير في البحر الأحمر ذروة مسار طويل من استهداف الجماعة للملاحة الدولية منذ أواخر عام 2023، وذلك بعد اندلاع الحرب في غزة وتصاعد التوترات الإقليمية. وعلى الرغم من تشكيل تحالف بحري دولي بقيادة الولايات المتحدة تحت اسم «عملية حارس الازدهار»، بهدف حماية السفن التجارية وتأمين خطوط الشحن الحيوية، فإن الهجمات الحوثية استمرت، بل تطورت من حيث النوعية والمدى، مع استخدام أسلحة أكثر تعقيدًا مثل الزوارق المسيرة وصواريخ بحر-بحر وصواريخ باليستية مضادة للسفن.
ويعد البحر الأحمر، الذي يمر عبره نحو 12% من التجارة العالمية، من أخطر النقاط الاستراتيجية على مستوى العالم، حيث يتصل عبر مضيق باب المندب بقناة السويس، ما يجعله شريانًا رئيسيًا لحركة النفط والسلع بين آسيا وأوروبا.
وبسبب التهديدات الحوثية، اضطرت غالبية شركات الشحن الكبرى لتحويل مسار سفنها إلى رأس الرجاء الصالح جنوب أفريقيا، ما زاد من تكاليف الشحن العالمية وأطال زمن الرحلات البحرية بنحو 10 أيام إضافية.
ويتهم المجتمع الدولي إيران بالوقوف وراء هذا التصعيد، عبر تزويد الحوثيين بالتقنيات والأسلحة المتطورة وخبراء التدريب، بهدف استخدام البحر الأحمر كورقة ضغط جيوسياسية في مواجهة الغرب وإسرائيل، خاصة مع استمرار العقوبات الأمريكية والأوروبية على طهران بسبب برنامجها النووي وأنشطتها الإقليمية.