تقارير
القبيلة والدولة في اليمن.. كيف توظف مليشيا الحوثي أعراف النكف وسلطة السلاح لتغذية المجتمع بالحروب؟
تبرز القبيلة اليمنية اليوم كلاعب أساسي في ميزان الصراع الدائر في البلاد، ويظهر تأثيرها العميق على القرار السياسي وخارطة المعارك العسكرية، وهو ما ينعكس بوضوح على المجتمع اليمني، خاصةً من خلال الدور الذي يلعبه مشايخ ووجهاء القبائل في تسخير رجالهم لتجريف المجتمع القبلي البسيط وتغذية الحروب.
وقد استثمرت ميليشيا الحوثي تقاليد «النكف القبلي»، ودفعت بوثيقة «الشرف القبلي» وألزمت المشايخ بتقديم المقاتلين والدعم المالي لتعبئة الجبهات. في المقابل، أثبتت قبائل مأرب والجوف والبيضاء قدرتها على المقاومة في وجه الحوثيين، دفاعًا عن الدولة، لتُظهر وجهًا آخر للقبيلة.
مصلحة القبيلة مع الدولة
يقول الباحث السياسي العقيد عنتر الذيفاني إن حادثة القبض على الشيخ محمد الزايدي في منفذ صرفيت بالمهرة «عمل قانوني وإجرائي مشروع من حق الأجهزة الأمنية».
وأضاف: «لا صحة إطلاقًا لما يُشاع عن تهديدات من قبائل مأرب أو خولان لرئيس هيئة الأركان. صحيح أن القبائل طلبت زيارة رئيس هيئة الأركان لكنه أجابهم بصفته مسؤول دولة بأن الأمر يخص الجهات الأمنية، وأن المقبوض عليه مواطن يمني حاول مغادرة البلاد بوثائق غير رسمية، ومن حق الأجهزة الأمنية اتخاذ الإجراءات اللازمة، وانتهى الأمر».
وتابع: «هناك أصوات خارج إطار الشرعية، في مناطق سيطرة الحوثي، تهدد وتتوعد. لكن إذا كانت هذه الأصوات صادقة، فعليها أن توجه تهديداتها للحوثي الذي يعتقل الرجال والنساء على حد سواء».
وأوضح: «ما جرى مع الشيخ الزايدي يأتي في سياق انتمائه لجماعة إرهابية، وتحريضه أبناء قبيلته للقتال في صفوف الحوثي ضد إخوانهم من أبناء جهم وخولان ومأرب».
وختم بالقول: «القبيلة اليوم لا تواجه الدولة، بل على العكس، القبيلة اليمنية في معظمها جمهورية. أما من يستخدمهم الحوثي من أبناء القبائل، فهم يسعون وراء مصالحهم الشخصية، في حين أن مصلحة القبيلة الحقيقية مع الدولة والجيش الوطني والشرعية».
علاقة تاريخية براغماتية
بدوره، قال الباحث السياسي الدكتور عادل دشيلة إن العلاقة بين القبيلة والدولة في اليمن تاريخيًا علاقة براغماتية قائمة على المصالح، سواء في عهد الإمامة قبل النظام الجمهوري أو بعده.
وأضاف: «قبائل الشمال احتكت بصانع القرار وشاركت في الدولة وفق مصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية، وكان لها تأثير بارز في مجرى الأحداث، بخلاف قبائل الوسط والشرق مثل حضرموت التي اقتصر دورها على التأثير الاجتماعي أكثر من السياسي».
وأشار دشيلة إلى أن الدولة في عهد الرئيس علي عبدالله صالح فشلت في تطويع القبيلة للنظام والقانون، فجرى عسكرة القبيلة واستيعاب أبنائها ضمن الجيش والأمن، ليتحولوا إلى جزء من السلطة يتقاضون مخصصات شهرية وفرت للرموز القبلية استقرارًا ماديًا، خاصة في المناطق النائية.
وأضاف: «عندما وصلت جماعة الحوثي إلى مشارف مناطق حاشد، كان هناك تحرك قبلي كبير ضدها في حجور وحاشد وعتمة والبيضاء، لكن هذه القبائل لم تُساند من الدولة، فاضطرت لعقد اتفاقيات مباشرة مع الحوثي تجاوز عددها 100 اتفاقية. بعد ذلك ثبت الحوثيون حكمهم عبر وسائل القمع مثل مجلس التلاحم القبلي ووثيقة الشرف والنكف، وحشدوا القبائل لمواجهة قوات الحكومة».
ورأى دشيلة أن الحوثيين نجحوا في استقطاب الكثيرين من المحتاجين داخل القبائل وتوظيفهم عسكريًا وأيديولوجيًا، وسط فشل حكومي في دراسة احتياجات القبيلة، لتتسع الهوة خلال العقد الماضي وتستغل الجماعة هذا الفراغ لصالح مشروعها.
نظام ما دون الدولة
أما الصحفي حفظ الله العميري فاعتبر أن «النظام القبلي هو نظام ما دون الدولة، ولجوء الدولة إليه للدفاع عن نفسها خطأ كبير».
وقال: «نحن نحترم كل من ضحى من أبناء القبائل، فنحن جميعًا أبناء قبائل، لكن القبيلة كنظام مجتمعي كان من المفترض أن تتجاوزه الجمهورية والتعددية السياسية. إذا بقي نظام القبيلة فيجب أن يظل إطارًا مجتمعيًا فقط، أما أن تحتمي به الدولة أو يشكل خطرًا عليها، فهذا يعني تهديد الدولة بمنظومة ما دون الدولة».
وتساءل: «أين قبيلة خولان التي تهدد الآن بسبب قضية الشيخ الزايدي، من قضايا مثل قضية الصحفية سحر الخولاني؟».
وأشار إلى أن القبائل، خاصة في شمال الشمال، تحكمها ميليشيا الحوثي لأنها عرفت كيف تتعامل مع نظام القبيلة الذي يتواءم معها بوصفها أيضًا ميليشيا خارج إطار الدولة.