تقارير

الأول على جامعة إب رغم فقدان البصر: "صدام العروي" رحلة كفاح تتحدّى المستحيل

10/11/2025, 14:52:20
المصدر : قناة بلقيس - خاص

حين أعلنت جامعة إب نتائج العام الجامعي 2021، كان الشاب "صدام حمود العروي"، أحد طلاب كلية التربية، قسم الإدارة والتخطيط التربوي، يتصدر قائمة الأوائل.

لم يكن "صدام" مجرد طالب متفوق بين زملائه؛ بل كان من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، أبصر طريقه بالإرادة، وعلّم من حوله أن البصيرة حين تستيقظ لا يمكن لأي تحدّ أن يطفئها.

وُلد صدام في قرية صغيرة بمديرية يريم التابعة لمحافظة إب، فقد بصره في طفولته، لكن الحلم ظلّ يقظًا في أعماقه.

يقول صدام: "كانت بداية اكتشافي لضعف البصر عادية، لم تحمل شيئًا استثنائيًا، واصلت حياتي كما لو أن شيئًا لم يتغير، غير أن نظرات الناس وتعليقات الأطفال في القرية -أحيانًا- بدأت تزرع في داخلي شعورًا قاسيًا، كأن الإعاقة البصرية عيب أو وصمة".

يضيف لقناة "بلقيس": "في البداية واجهت ذلك بالقوة والعناد، حاولت أن أفرض احترامي على من يسخرون؛ لكن مع الوقت أدركت أن الصُدام لا يجلب التقدير، فراجعت نفسي وبدأت رحلة مصالحة طويلة مع ذاتي".

ويضيف صدام: "انتهت تلك الرحلة إلى يقين راسخ، أن الثقة بالنفس وتقبّل قضاء الله هما المفتاح الحقيقي لاكتساب احترام الآخرين".

- رحلته التعليمية

لم يكن انتقال صدام من قريته الصغيرة إلى مدينة إب مجرد خطوة في التعليم؛ بل كانت صدمة اكتشاف.

يقول صدام: "كنت أظن أني الشخص الوحيد من ذوي الإعاقة البصرية في العالم، وحين وصلت مدينة إب، وجدت العشرات من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، لكل واحد منهم حكاية كفاح مختلفة، لكنها تشترك في عنوان واحد هو التحدي".

بدأ صدام مشواره الدراسي في المدرسة التابعة لقريته في إحدى البلدات بريف يريم حتى الصف الخامس الابتدائي، قبل أن تتوقف دراسته لست سنوات بسبب غياب المدارس المتخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية.

كانت تلك السنوات اختبارًا لصبره وإصراره، ثم استأنف بعدها مشواره في مدرسة الفجر الجديد للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية بمدينة إب، حيث تعلّم القراءة والكتابة بطريقة "برايل" وفن الحركة والتنقل، إضافة إلى مادة "التيلار" للرياضيات الملموسة.

تجاوز صدام المرحلة الأساسية ليلتحق بمدرسة الشهيد راجح لبوزة، ومنها أكمل تعليمه حتى الصف العاشر، ثم واصل الثانوية في مدرسة النهضة وتخرج فيها عام 2016.

يقول صدام: "لم تكن الطريق أمامي سهلة، لكن كنت أخطو بثقة على درب مليء بالعثرات، مؤمنًا أن لكل خطوة معنى ولكل عثرة درسًا".

- التعليم الجامعي

بعد الثانوية انتقل صدام إلى رحلته الجامعية، حيث التحق في جامعة إب، كلية التربية قسم الإدارة والتخطيط التربوي.

واصل مسيرته بإصرار نادر، فكان من أكثر الطلاب نشاطًا ومثابرة، حتى تخرج الأول على دفعته بتقدير ممتاز قبل أن يجد نفسه في المرتبة الثانية بفارق درجة واحدة، متحديًا كل المعوقات المادية والبصرية والمجتمعية.

كان "صدام" يدوّن محاضراته بآلة برايل ويعيد مراجعتها بنفسه، معتمدًا على التسجيلات الصوتية لمواكبة الدروس أولا بأول.

في الجامعة واجه صعوبات من نوع آخر، لكنه كان يتحلى بجرأة نادرة، مكّنته خلال شهر واحد من كسر الحواجز والتعرّف على معظم زملاء الكلية.

ويستدرك صدام حديثه: "التحديات لم تكن أكاديمية فقط، بل اجتماعية أيضًا، فقد كانت أغلب الطالبات يرفضن تسجيل المحاضرات الصوتية لي أو لغيري من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية باعتبار ذلك 'عيبًا'، مما جعل مهمة متابعة الدروس أكثر صعوبة، خصوصًا وأن أعداد الطلاب كان قليل مقارنة بعدد الطالبات."

يشير صدام إلى أن هناك من بين أعضاء هيئة التدريس من كان يرى أن الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية لا يحق لهم الدراسة في كلية التربية أصلًا، فتم رفض ملفه عند التسجيل أول مرة.

لكن إصراره قاده إلى كسب المعركة، وبعد أسابيع من المتابعة والتظلم تم إلغاء القرار، فالتحق بقسم الإدارة والتخطيط التربوي بعد أن أُسقطت القيود التي وُضعت دون وجه حق.

- معركة صامتة

يؤكد صدام أن رحلته الجامعية كانت أشبه بمعركة صامتة، يقول: "دخلت الكلية بصعوبة، لكنني فرضت نفسي بقوة".

كان يشعر أحيانًا أن بعض الأساتذة والموظفين يتعاملون مع الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية بحذر مفرط، بل إن بعضهم كان يتربص بأي خطأ ليُثبت أنهم غير مؤهلين، ومع ذلك واصل مشواره بعزيمة لا تلين.

وزاد من ثقل المسؤولية كونه متزوجًا ويعول أسرة، فكان يقسّم مصروفه بين البيت والدراسة، ومع ذلك منح الجامعة الأولوية المطلقة: "كنت أعيش على حد الكفاف، لكنني كنت أرى في العلم استثماري الأكبر."

اجتهد صدام حتى بلغ مراتب التفوق، غير أن الطريق لم تخلُ من الغبن، فقد واجه محاباة في التصحيح لصالح طلاب آخرين.

يقول: "كانت بعض الدرجات تُرفع لطلاب وطالبات لأسباب لا علاقة لها بالكفاءة، بينما تُخصم درجاتي دون مبرر واضح، وكأنّ أحدهم أراد أن يُذكّرني بأنني من ذوي الإعاقة البصرية ولا أستحق أن أكون في المرتبة الأولى."

ورغم ذلك واصل المسير، وحصل في النهاية على معدل (94%) في المرتبة الأولى، غير أن الجامعة استخدمت نظام المعدل التراكمي لتخفيض نتيجته إلى (92%)، لتتقدّم عليه زميلة بمعدل (93%) وتحصد المرتبة الأولى، ليحتل صدام المرتبة الثانية بعد أن ظل خلال الثلاث مستويات الأولى، ليحرم ما كان يطمح له وهو أن يصبح معيدًا في الجامعة.

يقول صدام: "لم أندم، كنت أعلم أن تفوقي الحقيقي ليس في الرقم، بل في الرحلة ذاتها."

- الحياة العملية

بدأ صدام حياته العملية مبكرًا؛ فمنذ المرحلة الثانوية عمل في مركز خدمات الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية مسؤولًا للعلاقات العامة، ثم أصبح لاحقًا مديرًا للمركز لمدة عامين، كما عمل مدرسًا في مدرسة الفجر الجديد منذ عام 2020 وحتى اليوم، مقدّمًا خبرته لطلابه من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية بحب وتفان.

وبعد التخرج، لم يتوقف عطاؤه عند حدود التعليم، إذ عمل على تحويل مركز خدمات الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية الذي كان يعتمد على دعم محدود إلى مؤسسة ذات موارد ذاتية، توسعت خدماتها لتشمل كل كليات جامعة إب وبعض الجامعات الخاصة.

أطلق برامج تدريبية، ونفذ حملات توعوية وشراكات مع مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، وحصل على شهادات تقدير من عدة جهات أكاديمية وإنسانية، لكن ما يعتز به أكثر هو ثقة الناس به.

يقول صدام: "واجهت الكثير من الصعوبات، لكني تعلمت أن كرم الله لا تحده الظروف، وأن كل عثرة كانت طريقًا إلى منحة جديدة، ما زلت أكتب وأحلم وأعمل لأثبت أن فقدان البصر الحقيقي ليس الإعاقة البصرية، بل فقدان الأمل."

- شريكة العُمر

في حياته الخاصة يعيش صدام تجربة إنسانية فريدة؛ فقد تزوج عام 2016 من شخص من ذوي الإعاقة البصرية تحمل شهادة بكالوريوس في التربية الخاصة، تعمل في مجال التدريس، إضافة إلى مهارات حياتية متنوعة مثل صناعة العطور والإكسسوارات.

يصف صدام زوجته بأنها "عين قلبه" وشريكته في الصبر والمودة والتفاهم.

ورغم نجاحه، لا يخفي استياءه من ضعف برامج الدولة تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية وغياب فرص العمل والدخل الكريم لهم.

يؤكد صدام أن "المعاقين في الريف يعانون تهميشًا مضاعفًا مقارنة بالحضر"، وأن الخدمات المتاحة تتراجع عامًا بعد آخر رغم تزايد أعداد المحتاجين.

- مواهب متعددة

لم يكتف صدام بالمهنة الأكاديمية، بل خاض مجال الإعلام والأدب منذ الصف التاسع، فكتب الشعر والقصص والسيناريوهات، وشارك في فعاليات ثقافية متعددة.

يستعرض صدام هواياته، مؤكدًا أنها تتنوع بين الشطرنج والرياضات الخاصة بـالأشخاص ذوي الإعاقة البصرية المعتمدة من اللجنة البارالمبية الدولية، إضافة إلى عشقه للأدب العربي والغنائي.

يحلم صدام بمواصلة دراسته العليا حتى الماجستير في الإدارة الإنسانية والدكتوراه في التخطيط الاستراتيجي والتنموي، كما يسعى لطباعة ديوانه الشعري ونشر أعماله القصصية والدرامية، وإنشاء مؤسسة إنتاج إعلامي تُعنى بقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية.

- أحلام وطموحات

يؤكد صدام أن حياته لم تكن لتستقيم لولا سواعد كثيرة امتدت نحوه، أفراد من العائلة وقفوا إلى جواره في أصعب اللحظات، وتركوا في ذاكرته مواقف لا تُنسى، من أقارب وأصدقاء وآباء وأساتذة غرسوا فيه القوة والإصرار.

وفي كل تلك المحطات، يقف ممتنًا لكل من آمن به، ولكل من منحه فرصة ليبرهن أن فقدان البصر لا يعني غياب البصيرة.

أما نظرة المجتمع الذي نشأ فيه فقد تغيّرت مع الأيام، يقول صدام: "في البداية كانت السخرية تطغى على تعامل البعض معي، لكن مع إصراري ونجاحي الدراسي والتزامي الأخلاقي، تحوّلت تلك النظرات إلى احترام وتقدير، ثم إلى محبة حقيقية".

واجه صدام تنمرًا في بعض المراحل، لكنه كان مستعدًا دومًا للتعامل مع كل موقف بعفوية أو بحكمة وصبر، حتى تعلّم أن الثقة بالنفس وحدها كفيلة بإسكات الأصوات المشككة وفتح الطريق أمام التميز والإبداع.

يختم صدام حديثه بابتسامة هادئة وجملة تختصر رحلته كلها: "كثيرون شكّوا في قدراتي، لكنني كنت أول من وثق بي، وأول من آمن أن الطريق، وإن كان مظلمًا، فإن النور بداخلي لا ينطفئ."

تقارير

هكذا يفضح تهريب الأسلحة بين القرن الإفريقي واليمن طبيعة التخادم بين الحوثيين والشبكات الإيرانية

تتصاعد وتيرة عمليات تهريب الأسلحة والمعدات المستخدمة في التصنيع العسكري إلى اليمن بصورة مثيرة للقلق، وعادة ما تكون الشحنات التي تمر عبر بعض دول القرن الأفريقي، قادمة من طهران أو بكين.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.