أخبار سياسية
مجلس القيادة الرئاسي.. صراع نفوذ وتحالف هش على حافة الانفجار
وصل الانسداد داخل مجلس القيادة الرئاسي إلى مرحلة اللاعودة، في ظلّ ما يشبه "الاغتيال السياسي والشعبي والإعلامي" من قبل الكتلة المحسوبة على الإمارات داخل المجلس المنقسم بين الرياض وأبو ظبي.
فبعد أيام قليلة من إصدار عيدروس الزبيدي قرارات بتعيين أنصاره في مراكز ومواقع حكومية وفرضهم بالقوة، دون وجه قانوني وبشكل تجاوز صلاحيات رئيس مجلس القيادة، قرر كل من عبد الرحمن المحرمي، ومحمد بن مبارك البحسني، وطارق صالح، المضي قدمًا في استهداف رئيس المجلس الرئاسي.
وقد صدرت بيانات متوالية من الثلاثة، الذين كانوا متواجدين في أبو ظبي بالتزامن مع إصدار قرارات الزبيدي، ويبدو أنهم، بتوجيهات من الكفيل، قرروا نقل المعركة باتجاه العليمي والسعودية بشكل مباشر، موجهين اتهامات لرئيس مجلس القيادة بالتعاون مع "قوى خفية" للسيطرة على القرار، وتعطيل مهام المجلس، واحتكار الصلاحيات.
أزمة واجهها العليمي ومعه باقي الأعضاء بالصمت، وفضّلوا التواجد في الرياض بحثًا عن دعم في مواجهة الحملة التي دشنها صقور أبو ظبي، والتي يبدو أن ظاهرها يهدف إلى إزاحة العليمي، واتهامه بالتعطيل، في حين أن المعطل الحقيقي هو رفض إعادة هيكلة التشكيلات العسكرية ضمن نطاق وزارتي الدفاع والداخلية، والتملص من استحقاقات المانحين المتعلقة بإصلاح القطاعين المصرفي والإداري.
وقد مثّلت استقالة رئيس هيئة الأراضي وعقارات الدولة، سالم العولقي، المحسوب أصلًا على المجلس الانتقالي، نقطة تحوّل، إذ جاءت بسبب رفض الزبيدي وقيادات أخرى داخل الانتقالي لمحاولات العولقي الحد من نفوذ تلك القيادات، واستعادة الأراضي والعقارات التي نهبت منذ تأسيس المجلس الانتقالي في عدن ولحج ومناطق أخرى خاضعة لسيطرته.
ولتغطية هذه الفضيحة، قرر الزبيدي تعيين بديل للعولقي مباشرة، قبل أن تُقبل استقالته من رئاسة الحكومة، وعلى الفور، استولى أنصار الانتقالي على المنصب بالقوة، وأصدروا عددًا من القرارات الأخرى المخالفة للقانون.
وقد كشفت هذه الخطوة مدى هشاشة مجلس القيادة، واتكاء أعضائه على قوة التشكيلات العسكرية والأمنية التابعة لهم، في مواجهة رئيس مجلس رئاسي أعزل، يُعد الحلقة الأضعف كونه بلا قوة عسكرية تسانده، ويستند فقط إلى اتفاق نقل السلطة الذي منحه منصب الرئاسة ضمن مجلس من ثمانية أعضاء، دون أي عناصر قوة سياسية أو أمنية.
شهدت علاقة العليمي بالسعودية وأبو ظبي توترًا وقطيعة خلال العام الأخير، بسبب إقالته لرئيس الحكومة السابق، أحمد بن مبارك، دون موافقة الرياض والدول الكبرى في مجلس الأمن. ويُقال إن الرياض قررت توجيه "قرصة أذن" له، لخروجه عن السيناريو المرسوم.
هناك فجوة كبيرة بين أعضاء المجلس، نابعة أساسًا من التناقض في الأهداف والسياسات بين أبو ظبي والرياض. فالأولى تسعى لأدوات تمكّنها من السيطرة على الساحل اليمني، باعتباره جزءًا من مشاريعها الاستراتيجية للهيمنة على ضفتي البحر الأحمر، وتعطيل المشروع الصيني في المنطقة لصالح تحالفها مع الكيان الإسرائيلي والهند، كما تسعى لتقديم نفسها كـ "شرطي المنطقة". في المقابل، تسعى الرياض للحفاظ على حالة الهدنة مع مليشيا الحوثي، وتتجنب أي تحركات قد تعكر صفو الاتفاق الهش الذي أُبرم بالتزامن مع تشكيل المجلس عام 2022.
واليوم، وأمام هذا المشهد، ثمة من يقول إن المجلس بصيغته وتركيبته الحالية لم يعد صالحًا، وإن الحديث عن إصلاحات داخلية وتمكينه من العمل بشكل موحّد ليس إلا عبثًا وجهلًا بطبيعة محركات الصراع وأدوات الحكم.
فالمجلس الذي وُلد خارج رحم الدولة ومؤسساتها، جاء مشوهًا منذ لحظة ولادته، وتم تقديمه للمشهد السياسي دون رعاية سياسية أو اقتصادية، ودون ضبط أعضائه ضمن أطر دستورية وقانونية ومرجعيات سياسية وأخلاقية تُحتكم إليها، عوضًا عن التنازع والاختلاف والاحتماء بالسلاح، وجعل الأصابع دائمًا على الزناد.