مقالات

السحر منقلباً على الساحر !

18/03/2024, 11:52:47

قرأتُ مرةً لكاتب مصري شهير أن هذه الظاهرة لها جذور في السيرة السياسية الفرعونية؛ فقد كان كل فرعون يأتي إلى العرش يقوم بالاستئثار بالمجد كله لنفسه دون سواه من الأسلاف، وربما شوَّه تاريخ أولئك، ومحا آثارهم في السياسة والاجتماع والفن، وغيرها من ميادين الحياة العامة.

وكانت هذه الظاهرة قائمة عند الأمويين، فقد طمس خلفاؤهم كثيراً من آثار المجد السياسي، أو التراث الديني لمن جاء قبلهم، أو لمن كان معاصراً لهم، أو من كانوا ينافسونهم في مطامع السياسة ومنازع السيادة، ثم جاء خلفاء بني العباس ففعلوا ببني أُميَّة ما كانوا يفعلونه بسواهم، ثم فعلوا الأمر ذاته ببعضهم البعض، فكان الخلف ينتقم من السلف. واستمرت الحكاية على هذا المنوال حتى الزمن الراهن..

ذات مرة راح معمر القذافي يطمس آثار الحُكام الذين سبقوه في الجلوس على عرش ليبيا، ولم يكتفِ بالملوك منهم، بل بلغ به الهوس طمس تاريخ رفاقه الثوار، ومن سبقهم من الأحرار. 

ويُحكى -والعالم الله- أنه أزال قبر عمر المختار! والأمر نفسه قام به صدام حسين، الذي لم يكتفِ بطمس سيرة عبدالكريم قاسم، وسواه ممن حكموا العراق قبله، بل بلغ به الجحود أن أزال سيرة أحمد حسن البكر من تاريخ الثورة والحزب والبلد، برغم أنه الرجل الذي قرَّبه إليه، ومكَّنه من السلطة قبل أن يتمكَّن صدام من الإطاحة بالبكر.

وفي مصر حدث ذلك على أيدي قادة النظام الذي دكَّ عرش فاروق.

وفي اليمن -بشطريه قبل الوحدة ثم بعدها- أقدم معظم الحُكام على شيطنة عهود أسلافهم.. شيطن سالمين ورفاقه عهد قحطان، ثم شيطن خلفاؤه عهده، ثم شيطن حُكام ما بعد 13 يناير عهد حُكام ما قبل هذا التاريخ، وهكذا دواليك، فكان التاريخ السياسي الحديث والمعاصر للجنوب مثل جُزر صغيرة متباعدة في بحر متلاطم الأمواج.

أما علي عبدالله صالح فلم يكتفِ بتصفية إبراهيم الحمدي جسدياً، بل سعى إلى تصفيته تاريخياً. وبرغم أن الحمدي كان صاحب الفضل المباشر في تمكين صالح سياسياً وعسكرياً وجعله "تيس الضباط"، إلاَّ أن ذلك لم يشفع له عند رجل تمكَّن الغدر من عقله، والحقد من قلبه، وغابت عن قاموسه كل معاني النخوة والشهامة والمروءة وغيرها من أخلاق الفرسان. 

لقد وجدت اسم الحمدي يُطمس من بوابة مسجد صغير أُقيم قبالة منزل صالح، الذي قُتل فيه مؤخراً، كما رأيته يُطمس من لافتات مشاريع ومنشآت في غير مدينة وناحية في البلاد.

واليوم، يسعى الحوثي إلى طمس كل ذِكْر لعفاش، اسماً ورسماً. فقد أزال اسمه من الجامع الضخم الفخم الذي شيَّده متفاخراً بأنه أنجز تحفة معمارية ظنَّ أنها ستُخلّد ذكراه دهراً مديداً، ثم أزال مقتنياته من المتحف الذي أقامه ملحقاً بذلك الجامع، ومؤخراً أزال مقتنياته الرابضة في المتحف العسكري، وكان قد حظر رفع صوره على المركبات والمنشآت والبيوت وحتى على جدران الأزقة النائية.. 

وبالطبع جرى حفظ وربما إتلاف كل المواد المطبوعة والسمعية والبصرية التي تحمل كل ذِكْر للقتيل في وسائل الإعلام ومراكز التوثيق وغيرها.

لقد استنَّ الحُكام في البلاد المتخلِّفة -واليمن بضمنها- هذه السُّنَّة السيِّئة، ثم راحوا يتجرَّعون تبعاتها المقيتة، ولو كانوا أختطُّوا نهج التقدير والتوقير لأسلافهم، لخلَّد 

التاريخ ذِكْرهم وذكراهم أبد الدهر، ولكنهم مصابون بهذا الهَوَس الشرير الذي 

أنقلب وبالاً عليهم كما ينقلب السحر على الساحر.

مقالات

المفاخرة بالغباء!

قد تُقابِل شخصاً محدود التعليم، أو ربما لا يقرأ ولا يكتب، لكنك لا تستصغر مقامه لديك، أو تحطّ من شأنه.

مقالات

كل الطرق لا تقود إلى الطريق!

سيقف اليمنيون مجدداً أمام أهم حدث في تاريخهم المعاصر - وحدة 22 مايو- إما شاردون وقد أخذتهم متاهات الحرب بعيداً أو منقسمون بين متغنٍ بمجد الإنجاز الضائع أو باحث في إرشيف الإستعمار عن دولة " المستقبل"!

مقالات

ما الذي فعلته "الجزيرة"؟

الصحفي والمشاهد العربي، الذي عاش زمن ما قبل "الجزيرة"، يُدرك هذا جيداً: يُدرك بأن لحظات انطلاق بث القناة الإخباري والبرامجي الجريء، وغير المسبوق، كان أشبه بانفجار عظيم في المنطقة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.