تقارير

هل تنجح السعودية والإمارات في تحديد مصير اليمن؟

26/01/2023, 06:45:59
المصدر : قناة بلقيس - عبد السلام قائد - خاص

بزيارة السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، إلى العاصمة صنعاء، ولقاءاته بقيادات مليشيا الحوثيين، تكون السعودية قد بدأت بانتهاج مقاربات مختلفة في تدخلها العسكري في اليمن منذ ثماني سنوات، لاسيما أن الطرفين، السعودية ومليشيا الحوثيين، لم ينفيان صحة الأنباء التي تحدثت عن تلك الزيارة، وذلك بعد أسابيع قليلة من تبادل زيارات بين وفدين سعودي وحوثي إلى كل من الرياض وصنعاء، وتغليف تلك الزيارات المتبادلة بأنها ذات أبعاد إنسانية، مثل تجديد الهدنة وبحث ملف الأسرى والتمهيد للحل السياسي في اليمن.

لكن هناك ما هو أبعد من ذلك، أي مصير اليمن ومستقبله، لاسيما أن المرحلة الحالية تغري السعودية باستثمار كل الأوراق، فالمقاتلون في الجبهات ملوا من طول أمد الحرب ويأملون العودة إلى أهاليهم، والتوازنات على الأرض كفيلة بتحقيق نوع من السلام الهش القائم على عدم استعداد أي طرف لتوسيع مساحة نفوذه، وهناك انقسامات بين مختلف المكونات تعيقها عن الالتفاف حول مشروع وطني نهضوي جامع.

ويزيد الأمر سوءا أن الطبقة السياسية التي تحكم اليمن المشتت اليوم هي طبقة بلا رصيد وطني نضالي وبلا رصيد سياسي أو خبرات في إدارة العلاقات الدولية وخاوية تماما من الحس الوطني، بدليل أنها لم تبدِ أدنى اعتراض على العبث السعودي والإماراتي في اليمن وتهديد مصير البلاد بشكل عام، وبالتالي فالسعودية والإمارات تريان أن المرحلة الراهنة تمثل أكبر فرصة تاريخية للعبث في اليمن ولا يمكن أن تتكرر أبدا، ولا بد من استغلالها حتى النهاية.

- كيف يمكن فهم السياسة السعودية في اليمن؟

تنتهج السعودية في تدخلها العسكري في اليمن معايير غير أخلاقية، وهذا القول ليس جزافا، وإنما يؤكده كتاب وأكاديميون سعوديون سواء من خلال كتاباتهم في أهم الصحف السعودية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي بقولهم إن السعودية تسلك في سياستها الخارجية نظرية المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية (المناقضة للمدرسة المثالية).

فالمدرسة الواقعية تشكك في المعايير الأخلاقية في العلاقات بين الدول وتمجد الحروب والصراعات والفوضى إذا كان ذلك يخدم مصلحتها الوطنية وفق رؤيتها، وهو ما يتجسد في اليمن من خلال التدخل المفتقد للمعايير الأخلاقية، وتفتيت البلاد بين مكونات ومليشيات ذات انتماءات عصبوية صلبة غير قابلة للتعايش مع الآخر المخالف لها، كون التقسيم بهذه الطريقة يضمن ديمومة الصراع داخل البلاد إلى ما لا نهاية، ويظل يمثل عائقا أمام مشروع استعادة الدولة ونظامها السياسي بل وكيانها القانوني بمجمله.

هذه السياسة السعودية ليست جديدة في اليمن، وإنما تعود بدايتها إلى لحظة نشأة الدولة السعودية الثالثة، التي كانت تحيط بها التهديدات والمخاوف من كل الجهات، وازدادت تلك المخاوف في حقبة ثورات التحرر العربي وتمدد القومية العربية وحقبة الحرب الباردة. وفي حين اتخذت السعودية من المظلة الأمنية الغربية وسيلة لتقويض أنظمة عربية كانت تناصبها العداء، مثل نظام صدام حسين في العراق وقبله نظام جمال عبد الناصر في مصر، فإنها ظلت تتدخل في اليمن بشكل مباشر، لكن تدخلها لم يكن حاسما بالرغم من أنه كان مؤثرا في كثير من الأحيان.

لقد برز التدخل السعودي في جميع محطات التحول والصراعات في اليمن، بدءا من دعمها للإمامة ضد ثورة 1948، ودعمها للإمامة أيضا ضد ثورة 26 سبتمبر 1962، ثم محاولاتها الدؤوبة لإعاقة تحقيق الوحدة الوطنية، ودعمها للانفصاليين أثناء حرب صيف 1994، وتدخلها لكبح ثورة 11 فبراير 2011 وتحويلها إلى أزمة سياسية أفضت إلى الانقلاب ووصول البلاد إلى المرحلة الحالية، يضاف إلى ما سبق بصماتها في تعيين من يحكم اليمن منذ لحظة تخطيطها لاغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، ثم تعيين علي عبد الله صالح ليكون رئيسا للبلاد (الشطر الشمالي قبل الوحدة واليمن الموحد بعدها)، ثم بصماتها في تعيين عبد ربه منصور هادي ليكون رئيسا توافقيا وفقا للمبادرة الخليجية خلال المرحلة الانتقالية، وأخيرا إطاحتها بالرئيس عبد ربه هادي وتعيين مجلس قيادة رئاسي بالتوافق مع حليفتها الإمارات.

- ماذا بعد الحراك الأخير والمفاوضات مع الحوثيين؟

بدأت المفاوضات السرية وغير السرية بين السعودية ومليشيا الحوثيين منذ العام 2016، واستمرت بشكل متقطع إلى أن ازدادت وتيرتها خلال الأشهر القليلة الماضية. وبخصوص محاولاتها للتقرب من الحوثيين حاليا فإن ذلك ليس إقرارا منها بالهزيمة أمامهم بالمفهوم العسكري للهزيمة، ولكن يعكس ذلك غلبة مكائدها ومؤامراتها على اليمن بشكل عام، والحوثيون يمثلون الفصيل المفضل للسعودية ليكونوا وكلاءها لإنهاك المجتمع اليمني وإفقاره وتجهيله وتعطيل فاعليته وإذلاله وتكبيله بقبضة أمنية حديدية تصيبه بالشلل التام.

وفي حين جعلت السعودية من حليفتها دولة الإمارات قفازا خشنا للعبث في اليمن واستعداء بعض مكوناته وتشكيل مليشيات خارجة على الدولة بشكل يتنافى مع أبسط المعايير الأخلاقية ومقتضيات الجوار الجغرافي، تحاول هي، أي السعودية، تقديم نفسها كصديق لمختلف المكونات اليمنية، لاعتقادها بأن ذلك يشكل مدخلا رئيسيا لتوسيع دائرة نفوذها وتأثيرها في البلاد، لتتخذ من ذلك، في مرحلة لاحقة، وسيلة لإطالة أمد الصراع من خلال دعم مختلف الأطراف، والإبقاء على حالة التفكك والتفتيت الراهنة، أو في أحسن الأحوال إجراء مصالحة سياسية هشة تقر الوضع القائم في البلاد وتقسيمها إلى كانتونات متنافرة.

والهدف من المصالحة الهشة ليس التمهيد لمشروع استعادة الدولة وتحقيق الأمن والاستقرار ونجاح التحول الديمقراطي وإقامة يمن اتحادي جديد، ولكن أن تضمن المصالحة الهشة للكانتونات الحالية المدة الزمنية الكافية لمراكمة مزيد من القوة ومراكمة العداوات فيما بينها، حتى تحين لحظة الانفجار مجددا بشكل أعنف، وتتبعها مصالحة هشة يليها أعمال عنف، والعمل على أن تظل البلاد هكذا في دوامة من الأزمات وأعمال العنف إلى ما لا نهاية، أي استنساخ الحالة اللبنانية والحالة العراقية في اليمن ولكن بشكل أكثر تشويها، باعتبار ذلك يضمن بقاء اليمن في حالة من الفقر والضعف والفشل والصراع الداخلي والانقسام الدائم، أفضل من أن تستقر البلاد وتحقق تحولا ديمقراطيا وتنمية بشكل يؤثر على الوضع الداخلي للسعودية والإمارات أو يؤثر على مكانتهما الإقليمية.

- ما مدى نجاح المشروع السعودي في اليمن؟

يعتمد نجاح السعودية والإمارات في تحديد مصير اليمن، من خلال تفتيته بين كانتونات عدة، على مدى استجابة الأطراف اليمنية المختلفة لذلك، وستبقى عوائق مثل مسألة سيطرة أطراف على جزء من ثروات البلاد كالنفط والغاز وبقاء أطراف بلا ثروات في مناطق سيطرتها، وقد يتم حسم ذلك من خلال تقاسم تلك الثروات بين مختلف المكونات، ولعل ذلك ما يجري الإعداد له حاليا، لأن جميع المكونات أو الكانتونات بحاجة للحصول على مصدر ثابت من المال لتمويل حكمها الذاتي.

وهناك مكونات ستبدي استجابة فورية لعملية مصالحة هشة تضمن استمرار تقسيم البلاد إلى كانتونات متناحرة، وفي مقدمتها مليشيا الحوثيين ومليشيا المجلس الانتقالي، حيث سترى كل منهما أن المصالحة الهشة بمنزلة جسر عبور لتحقيق مشروعها (عودة الإمامة في الشمال وانفصال الجنوب)، بينما المكونات الأخرى قد تحصل انقسامات فيما بينها أو سترى نفسها عاجزة عن خوض صراع وهي مكشوفة الظهر وبلا سند أو دعم قوي، وليس أمامها إلا الالتحام بالشعب وتشكيل حركة وطنية وإعلان ثورة شعبية ضد مشاريع تفتيت البلاد، وهذا خيار ستكون كلفته كبيرة من الدماء التي ستسيل مجددا.

- من بإمكانه حسم مصير اليمن؟

في المحصلة، ليس بإمكان السعودية أو الإمارات تحديد مصير اليمن بشكل واضح وأبدي، فمثلا لم تنجح السعودية في وأد ثورة 26 سبتمبر 1962، ولم تنجح في إعاقة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، ولم تنجح في تثبيت مشروع الانفصال عام 1994، لكنها مع ذلك نجحت، خلال العقود الأخيرة، في التدخل في تعيين من يحكم ومن لا يحكم، ونجحت في إضعاف اليمن وتفتيته بعد التدخل العسكري بزعم دعم السلطة الشرعية ضد الانقلاب الحوثي، أي أنها تفشل عندما تواجه بكتلة وطنية واسعة لا تنحني لها، وتنجح عندما تجد استجابة من أطراف محلية لمكائدها.

وهو ما سيكون عليه الوضع حاليا، فالسعودية ستفشل في تمرير مؤامرات ومكائد عندما تواجه بكتلة وطنية صلبة وواسعة، وستنجح عندما تجد أمامها طبقة سياسية انتهازية وفاشلة وبلا رصيد وطني أو نضالي، ومستعدة لبيع الوطن بثمن بخس، وتبدي استجابة فورية لمشاريع تفتيت البلاد وإضعافها.

بيد أن هذا ليس عاملا حاسما إلى ما لا نهاية، ذلك أنه لكل مرحلة عثراتها ومساوئها، ومساوئ هذه المرحلة، المتمثلة في الطبقة السياسية الحاكمة الفاشلة، ستطويها الأيام والسنوات، ومن رحم المعاناة والوعي بمكائد الجيران ستتشكل حركات وطنية وطبقة سياسية جديدة جريئة ومناضلة تعيد الأوضاع إلى مسارها الطبيعي.

تقارير

معادلة السلام والحرب.. عودة للمسار السياسي وخفض التصعيد في البحر

يشير الواقع إلى أن مليشيا الحوثي، التي عطلت مسار جهود الحلول الأممية، خلال السنوات الماضية، وفق تصريحات الحكومة المتكررة، لا تمانع الآن من الدخول في تسوية محدودة مع السعودية، تسد حاجتها المالية والاقتصادية، وتخفف من أزمتها الداخلية.

تقارير

صفقة سعودية حوثية.. ترتيبات متقدمة وتحذيرات من النتائج

تتسارع الخطى نحو وضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق الأممية، التي تحمل في مضمونها تفاهما وتقاربا حوثيا - سعوديا، لم يكن يتوقعه أحد، لا سيما إن استعدنا شريط الذكريات للعام الذي انطلقت فيه عاصفة الحزم، وتهديد الطرفين بالقضاء على الآخر، إذ تعهد الأول بإعادة الشرعية إلى صنعاء، فيما توعد الآخر بالحج ببندقيته في مكة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.